مرة أخرى تهز الأسرة الشارع الجزائري الذي يبقى متفاعلا مع كل ما له علاقة بقيم المجتمع، فقد أدت التعديلات المعلنة في قانون العقوبات التي تخص ضرب الزوجة والتي تصل إلى 20 سنة سجنا، وليس التعديل ما هز الشارع فقط، بل أيضا طريقة التصويت والشكوك التي حامت حول هوية المصوتين بتواجد موظفين من المجلس الشعبي الوطني مكان النواب المتغيبين وهي سابقة في تاريخ الهيئة التشريعية، بل وتمس بالتشريع ومصداقية قوانين ومؤسسات الدولة في بلادنا. ولقد سبق للسلطة أن أثارت موجة من ردود الفعل القوية بشأن تعديلات أعلنتها وأقرتها ضمن قانون الأسرة، وأدت تلك التعديلات إلى موجة من السخط الشعبي والسياسي، بل واعتبرت أنها إملاءات من الخارج واستجابة لضغوطات خارجية. وكانت تعديلات قانون الأسرة التي جاءت بها الحكومة سنة 2005 العاصفة السياسية والاجتماعية سواء بالنسبة للأحزاب الإسلامية والتيار المحافظ أو الجمعيات النسوية التحررية والأحزاب العلمانية، فالبنسبة للتيار المحافظ اعتبرها تراجعا عن مبادئ الشريعة التي ظل قانون الأسرة يستلهم منها نصوصه مبادئه. أما الجمعيات النسوية، فقد اعتبرتها امتدادا لمسار الانغلاق الذي تراه في القانون. والحقيقة أن تلك الاقتراحات قبل التراجع عنها من قبل مجلس الوزراء كانت بداية التراجع الفعلي، فقد ألغت شرط حضور الولي في عقد الزواج، وهو ما يتنافى مع أحد أهم أركان الزواج في المادة السابعة من قانون 1984، فقد حول المشرع هذا الشرط إلى القاضي "وهو ولي من لا ولي له". كما قيّدت التعديلات الصادرة في سنة 2005 تعدد الزوجات، وهو ما اعتبره الكثير خروجا عن مبادئ الشريعة الإسلامية، وبالابقاء على شرط حضور الولي تنفس الجميع الصعداء باستثناء جمعيات نسوية لا ترى في هذا الشرط إلا تقييدا لحرية المرأة في الزواج واختيار أو الموافقة على شريك حياتها. ومن الواضح جدا أن موضوع الأسرة وقوانينها سيظل مصدر استقطاب لنقاش سياسي داخل منظومة المجتمع الجزائري الذي يعتبر هذه القضية من الخطوط الحمراء، لكن مصادقة المجلس الشعبي الوطني على تعديلات قانون العقوبات في شقه الخاص بالاعتداء على الزوجة، هو مفتاح آخر من مفاتيح الانشقاق داخل الأسرة وليس حماية للمرأة، فالكثير من المختصين يرون أن هذه الأحكام قد تزيد من نسبة الطلاق كون العقوبات ستشكل حاجزا لأدنى حوار أو نقاش أسري بشأن أبسط الخلافات خشية وقوع انزلاق يؤدي بالزوج إلى "20 سنة حبسا مع النفاذ" وهي عقوبة مبالغ فيها، برأي الكثير من الملاحظين، خصوصا وأن العلاقات الأسرية تبنى في الغالب على التفاهم، وأن مسألة العقوبات نفسها قد تفتح بابا من أبواب النزاعات العائلية التي تفتت كيان الأسرة وتماسكها بدلا من حماية الزوجة أو المرأة بصفة عامة.