أثارت تصريحات رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان حول مسألة تعديل قانون الأسرة الجدل الذي أريد له أن يكون هذه المرة حول “الولي” الذي بات يتأرجح مفهومه ودوره بين الضرورة التي تفرضها الشريعة الإسلامية والصورة الشكلية التي يطالب بها الحقوقيون، بحثا عن صورة مشرقة للمرأة الجزائرية عند الغرب وما يقابله من حرص على تطبيق الشريعة الإسلامية دون إدخال أي تعديلات اعتبرت مختلف الأطراف التي تحدثت إليها “الفجر” أن مجموعة المقترحات التي رفعها فاروق قسنطيني إلى رئيس الجمهورية، في تقريره الأخير، مطالبا بإجراء تعديلات إضافية على قانون الأسرة في الشق المتعلق بركن الولي، فيها مساس بالمقومات الأساسية للدولة والمجتمع. وقد تلخصت هذه المطالب في الدعوة إلى جعل حضور الولي أمرا شكليا، على اعتبار أن الشكل الحالي للقانون فيه مساس لأهلية المرأة وحريتها في اتخاذ القرارات المتعلقة بها. ترى هذه الأطراف أن التعديل الأخير قلص بشكل كبير من مهام الولي وجعل من حضوره شرفيا وشكليا.. حيث أكد هؤلاء أن التعديل قد حسم الأمر فعلا، وقلص من سلطة الولي، وإن اكتنفت صياغة المادة رقم 11 من قانون الأسرة المعدل لعام 2005 غموضا خاصة عند التطبيق، وذلك في إعطاء المرأة الحق في اختيار من تراه مناسبا لأن يكون وليها: ‘'تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر تختاره''.. وبالتالي فهم يرون أن مطالب هيئة قسنطيني بإجراء تعديلات إضافية على القانون هي موجودة أصلا، يعد أمرا محيرا وتطبيقه يعد مساسا مباشرا بثوابت الشريعة الإسلامية التي تعد دستوريا دين الدولة، كما أن معظم أحكام القانون مستمدة منها. وكانت “الفجر” قد تطرقت إلى التقرير الذي أعدته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بمساعدة جمعية عائلات المفقودين والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان حول الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، سمته “الحياة السيئة”، سيعرض على اللجنة الأممية للحقوق الإجتماعية والاقتصادية والثقافية، والذي تضمن في المحور الإجتماعي الخاص بوضعية المرأة الجزائرية، مطالب تصب هي الأخرى في إلغاء شرط الولي بعقد الزواج ومراجعة قانون الأسرة. فاروق قسنطيني.. “نطالب بإدراج توضيحات أكثر في مواد قانون الأسرة” أوضح فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الإستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، أن مجموعة المقترحات التي تقدمت بها هيئته تهدف بالدرجة الأولى إلى المطالبة بالتدقيق أكثر في مواد القانون في شقه المتعلق بحضور الولي، مطالبا بضرورة إعطاء توضيح أكبر يبرز أهلية المرأة في الزواج، دون إهمال دور الولي الذي يبقى شرفيا ولا يعطيه الحق قانونا بالتدخل في هذا القرار المصيري الذي يعود للمرأة وحدها، وأضاف: “نحن بصدد توضيح الأمور لا أكثر”. حيث يرى قسنطيني أن الإبقاء على الولي في قانون الأسرة كشرط لإتمام عقود الزواج يمكن أن يعطي صورة سلبية عن الدين الإسلامي عند الغرب، الذي يرى أن المرأة الجزائرية إلى الآن لا يمكنها الزواج دون وجود وصاية من طرف الولي، على الرغم من أن الإسلام يعطيها الحق في اختيار شريك حياتها. ويقول المتحدث إن القانون في شكله الحالي يعطي الإنطباع أن المرأة في الجزائر لا تتمتع إلى الآن بالحرية في اتخاذ القرار في مثل هذه المحطات المصيرية في حياتها، على الرغم من أنها استطاعت افتكاك مختلف الحقوق على غرار الرجل، وهو ما مكنها من تولي أعلى المناصب، حيث يعتبر أن قانون الأسرة لم يستطع التماشي في مواده -حتى بعد تعديلات 2005- مع هذه المتغيرات التي باتت المرأة بمقتضاها لا تختلف عن الرجل في أي شيء. و الأهم من ذلك التماشي مع التصور الذي وضعه الغرب للمرأة في أي بلد.. وهو ما تسعى هيئة قسنطيني إلى الوصول إليه لتغيير النظرة السلبية عن المرأة الجزائرية والمسلمة بصفة عامة، والتي تعطي الإنطباع أنها مغلوبة على أمرها، وبالمقابل “فإنهم يتهموننا بالانتقاص من قيمتها وتقييد حريتها”، وهو ما يمكن أن يؤثر على صورة الجزائر والإسلام عند الغرب وبالتالي فقد توصل قسنطيني إلى أنه من غير المنطقي أن يربط قانون الأسرة الزواج بشرط حضور الولي إذا كان القبول أو الرفض في يد المرأة وحدها. ورغم ما سبق، فإن قسنطيني يرى أن الحضور الشرفي للولي ليس فيه انتقاصا لأهميته، وهو يحرص على الإبقاء على الحضور الشكلي الذي ينتهي - حسب تصوره - بإخراج ابنته من بيته تحت برنوسه، كما هو متعارف عليه في عاداتها وتقاليدنا، وهو أقصى سلطة يمكن أن يمارسها الولي. المكلف بمصلحة عقود الزواج: “لن يبق هناك معنى للعقد بدون ولي” الجدل الدائر حول ضرورة حضور الولي في عقود الزواج من عدمه، دفعنا إلى التوجه إلى إحدى مصالح عقود الزواج الكائنة ببلدية سيدي امحمد بالعاصمة. وعند الحديث مع موظف المصلحة، وجدنا أن حضور الولي يبقى من أهم الشروط لإتمام عقد الزواج، حيث يؤكد السيد عبد الحميد، الذي قال إنه يشغل هذا المنصب منذ ربع قرن تقريبا، أن طلبات الزواج التي تقدم إليه لا تتم إلا بحضور الولي الشرعي للمرأة مجلس العقد، لكي يكون هذا الزواج صحيحا. ويضيف المتحدث أنه رغم الغموض الذي يكتنف المادة 11 من القانون المعدل الذي يمنح للمرأة حق اختيار من ترضاه وليا لها، إلا أنه يحرص عند إبرام عقود الزواج على أن يكون ولي المرأة الأب بالدرجة الأولى، وإلا فإنه يطالب بحضور شخص من العائلة يكون من أقاربها الأولين ضمانا لتطبيق حدود الشريعة الإسلامية، وتفاديا للمشاكل التي يمكن أن يسببها الولي الشرعي في حال تزويج ابنته دون علمه أو رضاه. المحامي خبابة: “تعديل 2005 غيب الولي الشرعي وجعل منه شاهدا متميزا” استغرب المحامي، عمر خبابة، عودة المطالب الداعية إلى إدخال تعديلات إضافية على قانون الأسرة في شقه المتعلق بالولي في عقود الزواج ليكون حضوره شكليا أكثر مما هو عليه الآن. حيث أوضح المحامي أن القانون المعدل في فيفري 2005 لم يبق على المفهوم المتعارف عليه بالنسبة للولي الذي كان مدرجا في قانون الأسرة 1984، باعتباره “ركن” لابد منه و يمكن أن يبطل الزواج في حال عدم توافره، وذلك حسب المادة رقم 9 من قانون 1984 التي تقول: “يتم عقد الزواج برضا الزوجين وبولي الزوجة وشاهدين وصداق”، إلا أن القانون الأخير جعل منه “شرطا” لا غير، بعد أن تم إلغاؤه في نفس المادة من القانون المعدل والتي تقول:”ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين''. ليتم إدراج الولي ضمن الشروط التي يجب أن تتوفر في عقد الزواج ليضاف بذلك إلى أهلية الزواج، الصداق، شاهدان، وانعدام الموانع الشرعية، وهو ما خلق نوعا من الإلتباس خاصة أن المادة 11 من القانون المعدل تجعل من صفة الولي اختيارية حسب رغبة المرأة، وهو ما يفتح المجال على كل الإحتمالات التي يمكن أن تلجأ إليها المرأة والتي يمكن أن تدخل حدود الجار أوالصديق، وهو ما يعد - حسبه - أمرا مفسدا للزواج واستفزازا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تعطي أهمية وقدسية كبيرة لدور الولي في عقود الزواج، ناهيك عن تهديده للرابط الأسري، خاصة أن المجتمع الجزائري لا يزال مرتبطا بالنظام التقليدي المحافظ. ويضيف خبابة أن القانون الجديد قد ألغى الولاية التي كانت تعطي الحق لولي الزوجة حضور مجلس عقد القران نيابة عنها، إلا أنه يشترط حاليا حضور المرأة عند العقد للإفصاح عن رغبتها في الزواج، لأنه لا يحق للولي حاليا الإنابة عن وليته أو إبداء أي اعتراض، وهو ما يعني حسب المحامي أن الولي الشرعي قد تحول بمقتضى التعديل الأخير إلى مجرد شاهد تحت اسم “ولي”. لذا يرى المحامي خبابة أن هذا التوجه الذي تتباه بعض الأطراف في الجزائر، يرمي إلى التخلي عن كل ما يمت بصلة إلى الشريعة الإسلامية، وهو ما يجب التصدي له من قبل كافة الفاعلين في المجتمع! حورية صياد اعتبروا إلغاء ركن الولي إهانة واحتقار للمرأة بسلخها من جلدتها علماء الدين يحذرون من تيار العلمانيين ويحملونهم مسؤولية زعزعة استقرار البلاد اتفق عدد من الأئمة والوجوه الإسلامية الذين تحدثت إليهم جريدة "الفجر"، على أن إسقاط ركن الولي كشرط في الزواج، مثلما تقدم به رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أمر يمس بقيم ومبادئ ديننا الحنيف، مشيرين إلى أنه لم يسمعوا أبدا بامرأة جزائرية واحدة تستغني أو تشتكي من وجود أبيها أو أهلها في عقد قرانها. اعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرحمان شيبان أن تعديل قانون الأسرة في الشق المتعلق بالولي، موضوع طويت صفحته ولا داعي للخوض فيه مجددا، لأن رأي الدين حوله واضح وضوح الشمس، كون أن المذهب المالكي المتبع بالجزائر يقتضي ضرورة وجود الولي في مراسيم الزواج، وغيابه يعني بطلانه. كما اعتبروا النكاح بلا ولي هو نوع من أنواع الزواج السري المنهي عنه شرعا والمكروه عند الجمهور. كما أكد مجموعة من الأئمة والمشايخ الذين تحدثنا إليهم أن قانون الأسرة الجزائري فيه ما يكفي من الآليات التي تحافظ على استقرار الأسرة، كما أن وجود الولي في عقد الزواج لم يكن أبدا مشكلا للأسرة الجزائرية فلم تشتكي الأسرة الجزائرية يوما في طريقة تزويج ابنتها. وأضاف هؤلاء أنهم لم يسمعوا في يوم بفتاة لا ترغب في حضور أبيها عقد قرانها، علما أن الشاب المقبل على الزواج هو الآخر لا يقبل الزواج من امرأة في معزل عن أهلها. ولعل السؤال والتأكد من نسب الفتاة ومعرفة أهلها وحضورهم في كل مراحل الزواج سلوك متجذّر ومتأصل في المجتمع الجزائري منذ قرون ومن ظواهر الفخر والاعتزاز، مما يضمن تماسكه وانصهاره وهو صمّام الأمان من كل ما يهدد الخلية الأساسية للمجتمع. وأضاف ذات المصدر أن الجزائر في غنى عن مثل هذه المشاكل والفتن التي يريد أصحابها ضرب الأمة الإسلامية في صميم معتقدها، فبعد اللحية والنقاب إلى الأسرة ثم إلى الزواج ولا ندري ما الذي يأتي بعد، مشيرا إلى أن هناك من الجزائريين من يريد زعزعة استقرار البلاد باللجوء إلى مثل هذه التصرفات باسم العلمانية والدفاع عن حقوق وحرية المرأة التي كرّمها الإسلام بحضور ولي أمرها زواجها، لأنه الملجأ الحصين والصديق لها، فإن لم ينجح زواجها وطلقت فأحسن مكان وأنسب بيت يحمي المطلقة وأولادها هو بيت أبيها وجد أولادها، فمن الضروري أن يستأذن عند إبرام العقد. ودعا هؤلاء الأئمة إلى المطالبة بإعادة الاعتبار والقيمة الاجتماعية للمرأة بالإبقاء على شرط الولي كركن أساسي لأنه الوحيد من يهمه شرف ابنته ومستقبلها، وإلغاء ركن الولي من الزواج لا يهدف أبدا إلى رفع مكانة المرأة وإنما هو احتقار لها وإهانة بسلخها عن جلدتها بلا سند يدعمها أو درع واق يحميها. وخلص هؤلاء إلى أن الحلال بيّن والحرام بيّن، ولا اجتهاد في مسألة مفروغ منها، وإن وجد الاجتهاد فإن هناك أهل وناس له، ولا حق لمن لا تربطه صلة بالفقه أو الفتوى المطالبة بمثل هذه المطالب.