- الأستاذة فاسي فاطمة الزهراء: لا دخل للتقشف بالظاهرة والإدمان وراء ارتفاعها - الدكتور جلول حجيمي: أذى الجسم حرام وهو ناتج عن ضعف الوازع الديني تسببت أزمة التقشف والبطالة والسكن بالجزائر في تطوير أساليب الاحتجاج والانتحار، فبعدما كانت الاحتجاجات سلمية أضحت اليوم عن طريق الحرق وتقطيع الأجساد والانتحار عبر القطارات.. شباب ضائع بين التقشف وطموحات الحياة وأزمة السكن وبين "صم وبكم "المسؤولين... مجموعة تخيط أفواهها وأخرى تقطع أجسادها ورجال ينتحرون حرقا بالبنزين ويرمون أنفسهم أمام عجلات القطارات المكهربة تعبيرا عن اليأس من الحياة والحل "يجيب ربي". من قطع الطرقات بالمتاريس والحجارة ... إلى تقطيع الأجساد بشفرة حلاقة تطورت طريقة الاحتجاج في الجزائر من قطع الطرقات بالعجلات المطاطية والمتاريس وإشعال النيران سابقا إلى خياطة الأفواه وتقطيع الأجساد والانتحار حرقا بالبنزين، طمعا في جلب انتباه السلطات، إلا أن الواقع هو مأساة ستتكبدها العائلة قبل كل شيء، فكم من أسرة خسرت معيلها لأنه انتحر حرقا بالبنزين احتجاجا على إقصائه من السكن. وكم من أم أحرقت كبدها بسبب الاحتجاج الغريب لابنها الذي قطع جسده أو مات في قارب"حراڤة"... وفي الوقت الذي تتعالى فيه تصريحات الكثير من المسؤولين المطمئنة، حول تراجع نسب البطالة وقضاء الحكومة على الفقر، دق الخبراء والمختصون الاجتماعيون ناقوس الخطر، من خلال الدعوة إلى ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة الاختلالات التي تعيشها بنية المجتمع الجزائري، الذي يعاني مرحلة تفكك خطيرة وخير مثال على ذلك استفحال ظاهرة الانتحار، التي أخذت أبعادا خطيرة وأشكالا عدة، خصوصا بين الشباب الذين لم تعد وسيلة الموت بالنسبة لهم تهم، سواء أكانت غرقا في البحر عبر قوارب "الحراڤة" أو بشفرة حلاقة تقطع جسده أو إبرة تخيط فمه أو دلو بنزين يسكب عليه من فوق مقر بلدية أو ولاية... والواقعة الأولى من مبني مقر ولاية عنابة منذ أيام قليلة حينما أقدم ثلاثة شبان على تقطيع أجسامهم في مشهد مرعب، بعد أن تسلقوا مبنى الولاية وشوهد هؤلاء البطالون، منذ الساعة الثامنة صباحا، رغم برودة الطقس، عراة وأجسادهم تنزف دما، إضافة إلى حملهم وشاحات وأعلاما وطنية لفوا بها أجسادهم الممزقة... بينما سبقهم قرائنهم بولاية ورڤلة وهم مجموعة بطالين دخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجا على عدم توظيفهم في شركات أجنبية عاملة هناك والاستفادة من خيرات الصحراء وبترولها قبل أن يقوم أربعة منهم ب "خياطة أفواههم" في حادثة غريبة، لإيصال أصواتها إلى السلطات العليا في البلاد وقد لاقى فيديو البطالين عبر مواقع التواصل الاجتماعي التوتير والفايسبوك إقبالا كبيرا، بعد أن تداوله عدد كبير من النشطاء محملين الحكومة مسؤولية ما آلت إليه أوضاع شباب الجزائر، بينما دعا آخرون للعودة إلى الشرع والتمسك بالصبر والوازع الديني والابتعاد عن مثل هذه الأفعال والطقوس الغريبة عن مجتمعا والتي عادت ما يرتكبها ما يعرف بعبدة الشيطان. شباب ينتحرون في محطات القطار وآخرون بالطريقة البوعزيزية استفاق سكان العاصمة صباح أول أمس على فاجعة إقدام خمسيني على الانتحار بمحطة السكك الحديدية بعين النعجة، حيث رمى بنفسه على القطار الذي كان متجها إلى محطة الجزائر وقادما من العفرون أمام صدمة كبيرة من طرف المسافرين الذين ذهلوا لفظاعة المنظر، فيما انتحر رجل في الأربعينات حرقا بالبنزين أمام مقر بلدية عين البنيان مؤخرا لإقصائه من السكن وتهديم كوخه الفوضوي، حيث مكث أربعة أيام في العناية المركزة قبل أن يفارق الحياة تاركا وراءه زوجة وأطفالا لا معيل لهم. وهي الطريقة التي أضحت تعرف بالطريقة البوعزيزية نسبة إلى البوعزيزي مفجر الثورة التونسية. أزيد من 10 آلاف محاولة انتحار في الجزائر سنويا و600 حالة انتحار مؤكدة تعد ظاهرة خياطة الأفواه وتمزيق الشرايين والتهديد بالانتحار الجماعي من أعلى البنايات، من الأساليب الجديدة لدى البطالين لإسماع أصواتهم رغم أنها محرمة شرعا، حيث تشير إحصائيات رسمية إلى أن ما يفوق ال10 آلاف محاولة انتحار فاشلة سنويا في الجزائر وأزيد من 600 حالة انتحار، 100 حالة منها تسجل سنويا في ولاية تيزي وزو التي تحتل الصدارة في ولايات الوطن من حيث عمليات الانتحار والتي اقتحمت المدرسة الجزائرية أيضا في السنوات الأخيرة، مما جعل الباحثين يشددون على عدم تمرير حالات الانتحار ومحاولاته التي أخذت منحنيات خطيرة منذ بداية القرن الحالي، وقصص الموت التي بدأت تشغل بال المجتمع مرور الكرام دون أن تثير تحرك السلطات العمومية، التي لا تزال مكتوفة الأيدي ولا تعير أية أهمية للظاهرة مثلما يؤكد على ذلك الخبراء والباحثين، الذين بالرغم من صرخاتهم ونداءاتهم المتكررة إلا أن الموضوع ظل على حاله ولم يشهد أي تحرك من أية جهة. ويؤكد الدارسون أن المجتمع الجزائري يعيش حاليا مرحلة تفكك خطيرة سوف تخلق كوارث عديدة في المستقبل القريب لو ظلت الأمور على حالها، ولم تتحرك بشأنها الجهات الوصية. واستدل الباحثون في تأكيد فرضيتهم بخصوص ظاهرة الانتحار التي شهدت منحنيات خطيرة منذ أزيد من عشر سنوات، حيث تجاوزت كل الحدود وتشابكت ظروفها وأصبحت أكثر تعقيدا، بعدما كانت في الماضي مجرد حالات عارضة تستهدف أشخاصا أغلبهم يعانون أمراضا عصبية واختلالات في تركيبتهم النفسية، حيث أصبحت لا تفرق الآن مثلما يؤكده الباحثون بين المراهق، الكهل والشيخ وبين الغني والفقير، كما أنها أصبحت تستهدف المتعلم والأمي، وفي تقييمهم لفرضيتهم هو تخلي الجهات الوصية عن دورها الحقيقي في معالجة الأزمات، التي يعيشها المجتمع وتؤثر على توازنه، حيث ذهب البعض إلى ضرورة إنشاء مرصد وطني أو مركز بحث متخصص حول الوقاية من الانتحار ومن التقشف أيضا. الأستاذة فاسي فاطمة الزهراء: أغلب المنتحرين مدمنون ويجب إنشاء شرطة لمحاربة أسواق المخدرات كشفت الأستاذة فاسي فاطمة الزهراء، محللة اجتماعية ونفسانية في اتصال مع "البلاد" أن الظاهرة لها عدة تحليلات تقع أغلبها في مستنقع الإدمان والمخدرات، سواء تعلق الأمر بمحاولات الانتحار أو الانتحار حرقا بالبنزين أو تقطيع الأجساد بشفرات حلاقة وتخبيط الأفواه وهي الظاهرة التي أضحت "مودال السنة"، مضيفة أنهت لم تصادف أي حالة من الحالات السابقة، إلا وكان أصحابها تحت وقع المخدرات والحبوب المهلوسة، إن لم نقل إنهم مدمنين أصلا وقد بلغوا درجة ما يعرف في علم الاجتماع "بالحيونة" حيث يقوم الإنسان بتصرفات شبيهة بتصرف الحيوانات في الغابة، ولا يهمه إن قطع جسده أو قتل نفسه أو رمى بها في سكك القطارات. واستبعدت المحللة أن يكون للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد او سياسة التقشف علاقة بالقضية، مستدلة بأن سنوات التسعينيات بلغ سعر البترول 12 دولارا وعاش الجزائريون عشرية سوداء، أشخاص يذبحون ويقتلون في الشوارع، ورغم ذلك لم تبلغ درجة الانتحار إلى ما بلغت عليه اليوم، مطالبة بضرورة إنشاء ما يعرف بشرطة المخدرات مهمتها الأساسية محاربة أسواق المخدرات والحبوب المهلوسة التي انتشرت بكثرة في مختلف الأحياء الشعبية والتي تعد السبب الرئيسي للظاهرة. الدكتور جلول حجيمي رئيس نقابة الأئمة: الظاهرة تقليد أعمى والأزمات الاقتصادية وراءها أكد الدكتور جلول حجيمي رئيس نقابة الأئمة في لقاء مع "البلاد" أن الظاهرة تقليد أعمى نتيجة تفشي المواقع الإباحية والإنترنت والقنوات الفضائية. وبرر الدكتور ذلك بحكمة معروفة وهي "يحدث للناس أقضية بما أحدثوا من فجور" لأن الابتعاد عن الدين وولوج عالم الانحراف والمخدرات وراء ضعف الشخصية وعدم قدرة الشخص على مواجهة الواقع ومصاعبه، لذلك أصبح للانتحار فنون في بلادنا من تقطيع للأجساد والانتحار حرقا بالبنزين أو رميا من أعلى جسر وغيرها من الحالات التي تعددت لتدخل في ظاهرة الانتحار والهروب من الواقع، مضيفا أن للأزمة الاقتصادية والتقشف يدا في القضية، مطالبا الحكومة بخطاب صريح للشعب عن الوضع الاقتصادي للبلاد وتبعياته. ورغم ذلك لا يجوز شرعا الانتحار لأنه "لاضرر ولا ضرار" حيث لا يجوز للإنسان إلحاق الضرر بنفسه مهما كانت الوضعية النفسية أو الاجتماعية له، وعليه الصبر إلى حين الفرج والحلول تكمل حسب المتحدث في فتح باب الحوار مع جميع المؤسسات واللجان المدنية وجمعيات حقوق الإنسان لإيجاد الحل اللازم والخروج بنتيجة تقلل من الظاهرة كما لم يخف دور المساجد وخطب الأئمة في التوعية الدينية التي تزرع الوازع الديني وتعين الإنسان على مصاعب المجتمع ومواجهة الحياة بصورة سوية، يقول الدكتور جلول حجيمي رئيس نقابة الأئمة بالجزائر.