تستعد الجزائر لاستقبال ''سنة ثقافية'' جديدة بينما تودع أخرى شهدت العديد من التظاهرات والأحداث التي يصعب الحكم عليها، لكن من الإجحاف التقليل من أهميتها كون الثقافة الجزائرية خلال سنة 2010 التي تحزم حقائبها استعدادا للرحيل، عرفت نوعا من ''الانتعاش'' مقارنة بما مضى. وبين هذا وذاك يبقى التأكيد على أنها كانت سنة ''المصائب الكبرى''، وفق تعبير الفنان القدير عثمان عريوات في فيلمه ''عايلة كي الناس''، فالساحة الثقافية فجعت هذا العام في أبرز وأشهر أعلامها الذين رحلوا تباعا تاركين وراءهم فراغا رهيبا يصعب تجاوزه. ومن بين هؤلاء يأتي في المقدمة ''أب الرواية الجزائرية'' الطاهر وطار الذي رحل فجأة وسط صدمة ودهشة كل من عرفوه، فالرجل عانى طويلا مع المرض الذي جعله يقضي أشهره الأخيرة متنقلا بين باريس والجزائر للعلاج، لتوافيه المنية بعدما قدم للجزائر أعمالا روائية لا يمكن ذكرها دون أن يقفز وجه الرجل الطيب إلى الأذهان، وعبارته الشهيرة التي يستقبل بها ضيوفه في ''الجاحظية ''أهلا يا شباب''. وشهدت السنة أيضا رحيل أحد أبرز أقطاب الأغنية الشعبية وهو الفنان عبد القادر قسوم إثر تعرضه لسكتة قلبية وهو على متن سيارة في ولاية البليدة. واعتبر الأمر خسارة للساحة الفنية والثقافية الجزائرية كون الرجل لم يكن إنسانا عاديا..بل كان عبد القادر قسوم بكل بساطة الذي يحتفظ محبو أغنية ''الشعبي'' في أذهانهم بقصائد تبقى خالدة على غرار ''قولوا لشهيلة لعياني'' و''عزيز علي سيدي رسول الله'' و''محمد محمد صلوا يا الأمة عليه''. من ناحية أخرى، أعادت الوفاة الغريبة للممثل المسرحي توفيق ميميش الحديث مجددا عن وضعية الفنان الجزائري الذي يعاني الأمرين في ظل العديد من العوائق التي لا تشجع على الإبداع والعطاء إلا لذوي العزيمة الكبيرة أمثال ميميش. ومكمن الغرابة في وفاة هذا الفنان أنه رحل دون سابق إنذار.. وأين؟.. على خشبة مسرح ''عز الدين مجوبي'' في عنابة بعدما أصيب بذبحة صدرية أتت على آخر أنفاسه.. وحينها كان الرجل يجسد آخر أدواره في مسرحية ''حياة مؤجلة'' التي كتبها وأخرجها جمال حمودة.. غير أن العرض تحول بقدر قادر إلى مأتم حقيقي وسط ذهول الجمهور وزملائه الذين حاولوا عبثا إنقاذه قبل أن يصمت إلى الأبد. .. ويتواصل رحيل رموز الثقافة سجلت الساحة الفنية سنة 2010 رحيل العديد من الرموز من بينها الموسيقار المميز هارون رشيد الذي توفي هو الآخر ب''المرض العضال'' الذي أتى على العديد من زملائه في الفن والثقافة. وخلف الرجل إرثا موسيقيا لا يستهان به، حيث برع كثيرا في العزف على ''آلة الكمان''، وشارك في الثورة وكان أحد صانعي أحداثها من خلال انتسابه إليها في سنواتها الأولى متوليا رئاسة خلية للمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني بالعاصمة. وبعد أيام قليلة من رحيل الرجل، صدمت الساحة الثقافية برحيل قامة أخرى اسمها الشريف قرطبي الذي توفي بمدينة ''مرسيليا'' ب''المرض العضال'' هو الآخر .. التحق ابن مدينة المدية بفرقة الإذاعة الوطنية قبل الاستقلال كموسيقي ثم كملحن ليصبح بعدها قائدا للجوق، فيما قام بالتلحين لعدة فنانين على غرار السيدة سلوى ونادية بن يوسف ومحمد العماري وأميرة الطرب العربي وردة الجزائرية التي غنت له قصيده ''الصومام''. من ناحية أخرى، فقدت الجزائر سنة 2010 ممثلها وفنانها المسرحي البارز العربي زكال الذي بدأ حياته الفنية من المسرح ليشارك بعد الاستقلال في العديد من الأعمال السينمائية، حيث لاقت أدواره في أفلام ثورة التحرير نجاحا كبيرا على غرار فيلم ''معركة الجزائر'' و''الأفيون والعصا'' و''وقائع سنين الجمر'' و''ريح الجنوب''. وكان آخر ظهور للفنان من خلال الفيلم الجزائري التونسي ''شارع النخيل الجريح'' الذي توج بجائزة ''الأهقار الذهبي'' في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران ''كلثوم''.. السينما الجزائرية تفقد أمها لم تكن امرأة عادية.. فهي الجزائرية الطيبة التي أرهقها الزمن ومشت على البساط الأحمر في مهرجان ''كان'' كأول امرأة عربية تفعل ذلك.. رحلت فجأة بعد معاناة طويلة مع المرض بينما لم يصدق كثيرون أن عائشة عجوري لم تعد موجودة. وتعد ''كلثوم'' أما للمسرح الجزائري بامتياز، فهي أول امرأة تقتحم عالم ''أبي الفنون'' في فترة لم تكن سهلة بالنسبة لغالبية النسوة في الجزائر، وهي فترة الثلاثينات، فكانت بدايتها كفنانة راقصة رفقة فرقة مسرحية تونسية، لتلتحق بعدها بالمسرح الوطني وتتفجر طاقاتها الإبداعية فيه رفقة رموز وأعمدة ''أبي الفنون'' أمثال مصطفى كاتب وعبد الحليم رايس. ولم يقتصر إبداع الفنانة ''كلثوم'' على المسرح فقط، حيث أن حضورها في السينما لا يقل أهمية، مما جعل منظمي مهرجان الفيلم العربي بباريس يخصونها بحفل تكريمي لافت سنة ,1984 كما أنها صاحبة العشرين فيلما أبرزها وأهمها على الإطلاق ''ريح الأوراس'' للمخرج محمد لحضر حامينة، وهو الفيلم الذي توج بجائزة أحسن عمل في الطبعة العشرين لمهرجان ''كان'' السينمائي سنة 1967 الذي شهد مشاركة مميزة للفنانة الراحلة، حيث كانت أول امرأة عربية وجزائرية تمشي على السجاد الأحمر لمهرجان ''كان''، لتتكرر التجربة مرة أخرى سنة 1975 خلال تتويج فيلم ''وقائع سنين الجمر'' للمخرج لخضر حامينة ب''السعفة الذهبية''.