أكد مسؤولون أن تنظيم "داعش" الذي فقد ما يزيد على نصف مساحات الأراضي التي سيطر عليها في 2014، يعاني من شبه انهيار في إيراداته من النفط المهرب، وهو ما دفعه لخفض الأموال التي يدفعها لمقاتليه وفرض ضرائب جديدة وغرامات على من ينتهك القواعد الدينية. وفقد التنظيم سيطرته على مجموعة من الحقول النفطية، واضطر لبيع ما تبقى له من إنتاج بخصومات كبيرة، لحث سائقي الشاحنات على جمعه ومراوغة الهجمات الجوية التي تقودها الولاياتالمتحدة. وبجانب الضرائب والفدى وتجارة التحف، يعد النفط مصدرا رئيسيا لتمويل عمليات تنظيم "داعش"، فهو يدر ملايين الدولارات شهريا من بيعه لسوريا المجاورة وإيران أو لوحدات تكرير محلية صغيرة. وحرم التقدم الذي حققته الحكومة العراقية والقوات الكردية والميليشيات الشيعية، عناصر التنظيم من حقول نفطية كان يسيطر عليها، حيث لم يتبق له سوى حقلين يستغلهما جزئيا من خمسة حقول عراقية كانت في الماضي تحت سيطرته. وأدى ذلك إلى خفض عمليات التهريب بنحو 90%، على حد قول مسؤولين في الأمن والسلطات المحلية، وفقاً ل"رويترز". واعتاد تنظيم "داعش" بيع حمولة 50 شاحنة على الأقل يوميا من النفط، من حقلي القيارة والنجمة جنوب معقله القوي في الموصل. وقال عبدالرحمن الوكاع، عضو مجلس محافظة نينوى عن الموصل والذي انتقل إلى أربيل بعد سقوط الموصل في قبضة التنظيم، إن "هذا الخام كان ينقل بشكل رئيسي إلى سوريا لمقايضته بوقود السيارات". وتابع: "مع تقدم القوات العراقية وتصعيد الهجمات الجوية فإن التنظيم يستطيع بصعوبة بيع خمس شاحنات صغيرة". ومن الصعب معرفة حجم الأموال على وجه الدقة التي يحصل عليها تنظيم "داعش" من بيع النفط. وقال لؤي الخطيب، المدير التنفيذي لمعهد العراق للطاقة الذي أجرى بحثا مكثفا عن عمليات تهريب النفط التي يقوم بها التنظيم، إن "الإيرادات تأرجحت حتى خلال ذروتها في النصف الثاني من 2014 حينما كان التنظيم يحقق "في أفضل أيامه" نحو 700 ألف دولار يوميا من حقول النفط العراقية". وفي مايو، قدرت الولاياتالمتحدة أن إيرادات "داعش" هبطت بنحو النصف تقريبا إلى 250 مليون دولار سنويا من الأراضي التي يسيطر عليها في العراقوسوريا. ورغم أن المتطرفين تكبدوا مزيدا من الخسائر منذ ذلك الحين في العراق إلا أنهم لا يزالوا يسيطرون على عدة حقول نفطية في شرق سوريا، حيث لم يحالف المعارضة المسلحة التي تدعمها الولاياتالمتحدة النجاح في طردهم. إغراء التجار استولى تنظيم "داعش" على حقول نفطية عراقية تبلغ طاقتها الإجمالية نحو 60 ألف برميل يوميا، حينما اجتاح مناطق في شمال وغرب البلاد منذ عامين. وحفز ذلك هجمات جوية من تحالف تقوده الولاياتالمتحدة والذي يستهدف البنية التحتية المالية، إضافة إلى المقاتلين والقادة. وفقد التنظيم كميات من الإنتاج لبعض الوقت حينما استولت قوات البيشمركة الكردية على حقل عين زالة، الواقع في شمال غرب الموصل في أواخر 2014. وقال مسؤولون أمنيون ومستشار بوزارة النفط إن إيرادات النظيم هبطت مليون دولار يوميا في شهر أبريل 2015، بمفرده، حينما فقد حقلي عجيل وحمرين بالقرب من مدينة تكريت التي تبعد 150 كيلومترا (95 ميلا) إلى الشمال من بغداد. وفي الوقت الحاضر، تتقدم القوات العراقية صوب الموصل استعدادا لهجوم مخطط له في نهاية العام، واقتربت من حقلي القيارة والنجمة على بعد 60 كيلومترا (40 ميلا) إلى الجنوب من المدينة، وهو ما خفض عمليات الحقلين بشكل كبير بحسب مسؤولين أمنيين ومحليين. واضطر تنظيم "داعش" إلى خفض أسعار النفط نظرا للمخاطر التي يتعرض لها المهربون الذين يحاولون جمعه جراء الهجمات الجوية. وقال الوكاع إن التنظيم يغري التجار المحليين في الموصل بشراء الخام من حقلي القيارة والنجمة، من خلال خفض الأسعار من 6000 دولار للشاحنة إلى 2000 دولار فقط". وقال متحدث باسم وزارة النفط إن المتطرفين يستخدمون آليات بدائية، مثل مضخات ري المياه في استخراج النفط من تلك الحقول. ومعظم حقول النفط العراقية التي تستمد منها الحكومة جميع إيراداتها تقريبا في جنوب البلاد، بعيدا عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش". مكافحة التهريب كانت مجموعة سونانجول الأنجولية الحكومية للطاقة تدير حقلي القيارة والنجمة، حتى انسحبت في 2013، نظرا لارتفاع تكلفة التطوير والمخاوف الأمنية. وكان حقل القيارة الذي تقدر احتياطياته بنحو 800 مليون برميل ينتج سبعة آلاف برميل يوميا من الخام الثقيل، قبل سيطرة تنظيم "داعش" عليه وعلى مصفاة قريبة بطاقة 16 ألف برميل يوميا. وتوقفت المصفاة ووحدة أصغر في الكاساك شمال غربي الموصل عن العمل بعد هروب العاملين منهما. واعتاد النجمة، وهو حقل ينتج الغاز بشكل رئيسي، على إنتاج نحو خمسة آلاف برميل يوميا. واستطاعت القوات العراقية في تقدمها هذا الشهر السيطرة على قاعدة القيارة الجوية، حيث ستستخدمها في الهجوم على الموصل، والذي ربما يبدأ خلال أشهر. وتضمنت المكاسب مناطق قريبة مجاورة لحقلي القيارة والنجمة. وقال صباح النعمان، المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الذي قاد التقدم الأخير: "دمرنا تقريبا جميع المنشآت وصهاريج التخزين التي يستخدمها التنظيم في تهريب النفط في مناطق قريبة من الموصل". وأضاف: "حصلنا على جميع الإحداثيات من وزارة النفط وتستهدف الهجمات الجوية شاحنات تهريب الخام"، مقدرا أن الهجمات ساهمت في خفض التهريب بنسبة 95%. وقال مثنى الجبارة، وهو مسؤول أمني كبير في محافظة صلاح الدين حيث يوجد حقلا عجيل وحمرين نقلا عن مصادر في مناطق يسيطر عليها تنظيم "داعش"، إن "فقدان الإيرادات النفطية دفع المتطرفين إلى خفض الأجور بمقدار الثلث". وأضاف أنهم فرضوا أيضا مزيدا من الضرائب على المزارعين وأصحاب الشاحنات والتجار، وزادوا الغرامات على انتهاكات بسيطة لمحظورات دينية مثل التدخين وحلاقة اللحى. وقال أبو عبد الله، وهو صاحب شاحنة من الموصل، إن معظم التجار توقفوا عن شراء النفط الخام من تنظيم "داعش"، بعدما دمرت الهجمات الجوية مئات الشاحنات على مدى الستة أشهر السابقة أو نحو ذلك. وقال أبو عبدالله لرويترز في مكالمة عبر الإنترنت: "قتل 100 سائق على الأقل وهم يحاولون تهريب الخام إلى سوريا. يرفض السائقون الذهاب نظرا لأن طريق التهريب بين الموصل وسوريا أصبح مصيدة للموت". وركز التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة استهدافه لشاحنات الصهاريج في العام السابق، بعدما كان يحجم في السابق عن شن مثل تلك الهجمات خشية قتل السائقين والذين لا ينتمون بالضرورة للتنظيم. وقال أبو عبدالله إن السائقين حاولوا مراوغة الهجمات الجوية بكتابة "مياه شرب" على الصهاريج لكنهم لم ينجحوا.