سأقاطع مهرجان المسرح المحترف بسبب سوء التخطيط والارتجالية يتحدث الممثل والمخرج المسرحي باديس فضلاء في هذا الحوار ل "البلاد" عن مشواره الفني الذي قضاه بين المسرح والإذاعة والتلفزيون، وعن محطات أخرى فنية وثقافية جديدة تميز مسيرته الفنية في السنوات الأخيرة، كما يتوقف عند المشهد المسرحي في الجزائر وأهم ملامح السياسة الثقافية.
تغيب عن التلفزيون والمسرح إلى درجة أن المشاهد يعتقد بابتعادك عن الساحة الفنية، فهل إقامتك في باريس فرضت هذا الغياب أم هناك أسبابا أخرى؟ أنا غائب من غير أن أغادر الجزائر، بمعنى أنني غائب للضرورة، وحاضر في الواجب أقيم في باريس منذ سنوات وعلى حد المثل الذي يقول يزين الغريب إذا ما إغترب، ثلاث فمنهن حسن الأدب وثانية حسن أخلاقه، وثالثة اجتناب الرِيَب. هكذا نتصور غيابنا في بلاد الغربة. عرفت ممثلا مسرحيا وفي التلفزيون، وتوجهت مؤخرا للإخراج التلفزيوني هل تعتقد أنها ظاهرة صحية أن تكون ممثلا ثم مخرجا فيما بعد؟ أنا كنت مخرجا مطلع الثمانينات قبل أن أصبح ممثلا، والإخراج المسرحي ليس غريبا عني، ثم إن الممارسة التلفزيونية هي التي سمحت لنا أن نأخذ فكرة عن الموضوع، ثم إنني درست الإخراج التلفزيوني والسينمائي في جامعة "باريويت"، كان هذا عام 1989، حيث أحرزت على الشهادة وهكذا بدأت رحلتي في الإخراج التلفزيوني. أنت ابن الركح، اعتليت خشبته مند كان عمرك سبع سنوات كيف كان لوالديك الفنانين الفضل في اكتشاف موهبتك؟ رحلتي مع التلفزيون بدأت منذ سن الخمس سنوات من خلال فليم أمهاتنا، وبدأت المسرح وأنا إبن السبع سنوات، أول ما صعدت الخشبة بقاعة إبن خلدون حيث قدمت تمثيلية "صلاح الدين الأيوبي الجديد"، ومنذ ذلك الحين وأنا في هذا الميدان، أتنفس المسرح وأشعر أنني جزء منه وهو جزء مني ترعرعت به هو بيتي مع أبي وأمي كان مسرحا، كنت مولوعا بتمثيل أمي وكنت أقلدها وأعيد تمثيل الإنتاجات التي أشاهدها في البيت. قد يكون سؤالا كلاسيكيا، ولكن أين تجد نفسك أكثر في التلفزيون أم المسرح؟ المسرح حياتي ولا يمكنني أن أقارن بين المسرح والتلفزيون، هما شيئان متضادان غير مكتملين، مختلفان تماما في عملهما وإنتاجهما ومشاهدهما. كيف تقيم الحركية المسرحية في الجزائر ومن يؤسس لها هنا باعتقادك؟ هذا موضوع شائك ويتفرع إلى فروع.. أصبحنا بعد سنوات نبحث عن الجمهور ونقيم مهرجانات وندوات ونبحث عن الجمهور، ونتساءل لماذا يغيب الجمهور، هذا عبث الجمهور دائما هنا، لما يكون هناك عمل جيّد الجمهور يشاهده حتما مهما يكن الثمن، الجمهور الجزائري حسّاس وأجزم أنه لا يوجد هناك شعب حساس مثل الجزائري يضحك ويبكي معك بسهولة، لكن ليس الضحك الرخيص، نحن نشكو من غياب النص، الجزائر مليئة بالخامات والمواهب التي تبهر، وكثير من الشباب عندهم نصوص لا نستعملها لأننا نحتقر بعضنا، التعامل يكون بالصحبة العروض بالصحبة، اختيار النصوص يكون بالصحبة، حتى الدعوات تكون بالصحبة. بمناسبة الحديث عن المهرجانات، لماذا تقاطع المهرجان الوطني للمسرح المحترف الجارية فعالياته بالعاصمة؟ أقاطعه لأنه مهرجان تكثر فيه الارتجالية، أصبحنا نعمل بالارتجال لا وجود للتخطيط، إذهبوا إلى المسرح واسألوا إن كان هناك برنامج مسطر لخمس سنوات إلى الأمام، لن تجدوا. لما كان الفنان امحمد بن ڤطاف على رأس المسرح الوطني، هل كانت تطرح مشاكل التخطيط التي تتحدث عنها؟ اذكروا موتاكم بخير، أود أن أتجنب الحديث في هذا الموضوع، نترحم على الراحل لكن كمسيرين نحن لا نملك مسيرين في المسرح، طلبنا مرارا أن يكون التسيير المسرحي بموجب تكوين، في البلدان المتقدمة هناك فروع لدراسة التسيير المسرحي حتى التعيينات تتم بطريقة إرتجالية، يفترض بقاء أي مدير مسرح أن يعرض علينا سنويا حصيلة عمله. أنت اليوم سفير لمبادرة اليقظة الفنية في أوروبا، ماذا تعني هذه المبادرة؟ سبق وأن تحدثنا عن الارتجالية، بعد اليقظة الاقتصادية و التربوية، حان وقت اليقظة الفنية وهذا ما يهمني فهذا مجالي، نسعى إلى اجتماع كل الفنانين على اختلاف أهوائهم وأحوالهم. كيف تقيم السياسية الثقافية في الجزائر؟ المسؤولية تنقسم إلى قسمين، تتحملها الدولة وأصحاب القرار، وصولا إلى وزارة الثقافة، ومسؤولية يتحملها الفنان الذي لم يعد قائما بمسؤوليته، أصبح لا يعمل، بل يريد كل شيء جاهز، أذكر أنني لما بدأت المسرح فعلت ذلك في بيتنا، كانت جدتي تملك بهوا كنت أمارس فيه هوايتي في التمثيل المسرحي ويأتي الجيران لمشاهدتي. أخرجت مؤخرا فليما تلفزيونيا أسميته "بوجمعة راه يدور " حدثني عن هذا العمل؟ هو فيلم اجتماعي، يتناول بعض الآفات الاجتماعية في المجتمع الجزائري، يقوم أساسا على الفكاهة وفن الإضحاك وكما تعرفون أن فن الفكاهة من أصعب الفنون على الإطلاق، حاولت استعمال الفكاهة الذكية وأتمنى أن يكون قد حظي بإعجاب من شاهده منذ أيام بقاعة السينما الجزائرية بالعاصمة، بحضور وزير الثقافة. شاركت في مسلسل "دار أم هاني" وكانت تجربة غير موفقة لجميع شركائك في العمل خاصة الممثلين، ماذا عنك؟ يبستم.. تمنيت لو حدثتني عن مسلسل المصير لكنك ذهبتي بي إلى متاهة، خدعنا في هذا الإنتاج الذي ظهر للجمهور بصورة غير الصورة التي قدمناها.. لا أنكر أنني أعجبت بالنص في البداية وكانت فيه بعض المناظر مبهرة، لكنني وجدت العمل بعد التركيب يأخد منحى آخر. هل لك أن توضح؟ المخرجة اعتمدت كل ما هو ارتجالي، بعيدا عن مضمون النص، أبقت على الارتجال وحذفت النص، أنا ندمت على هذا الدور ولو عاد بي الزمن إلى الوراء ما أعدت الكرّة.