كل التحليلات والكلام الذي قيل ويقال عن المكمل الغذائي " رحمة ربي " والذي ادعى صاحبه توفيق زعيبط أنه يشفي من داء السكري ، يبقى لحد الآن الجزء الظاهر من جبل الجليد، فالقضية التي أصبحت تشغل الرأي العام الجزائري ، لا يمكن حصرها في بعدها الطبي فقط ، بل أخذت أبعادا سياسية واجتماعية وحتى ثقافية. ليس الأمر هينا أن نرجع أسباب ثقة غالبية الجزائريين في منتوج زعيبط إلى الجهل وتصديق الخرافات، لأن الجدل أظهر أن كثيرين لا يثقون تماما في المنظومة الصحية الجزائرية ، وأبان عن هوة سحيقة بين ما يسمون أنفسهم ب " النخبة " وعامة الشعب ، وهي الهوة التي تعرف اتساعا يوما بعد يوم ، هناك إعتقاد خاصة عند سكان المناطق الداخلية والأرياف أنهم يعاملون بقلة احترام عندما يتوجهون إلى الطبيب أو الصيدلي أو مخبر التحاليل ، قلة الاحترام أو الاستعلاء تبدأ عندما يتم التحدث إليهم باللغة الفرنسية وأغلبهم لا يفهمونها ! الجزائري الذي مل من الأكاذيب ومن التضليل ومن الرداءة ولغة الخشب ، أصبح لا يثق في السياسي وفي رجال الأعمال وفي الصحفي وفي الطبيب والباحث والقاضي، أصبح لا يثق في النخبة ومتمرد عليها ، لهذا نرى الناس قد شكلت مجتمعا خاصا بها ، لجأت إلى الطب البديل ،وإلى الإعلام البديل وإلى التعليم البديل ، وحتى الاقتصاد و القضاء البديل ! مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مثلا تصنع الرأي العام ،هناك يقال كل شيئ بدون رقابة وبدون ضغوط وبدون حسابات عكس أخبار الصحافة المعتمدة التي تفقد تدريجيا ثقة الناس فيها ، حتى في الرياضة أغلب الشباب اتجه إلى تشجيع الأندية الأوروبية والاهتمام بأخبارها بعد أن أصابه القرف من الأندية الجزائرية وفضائحها. في قطاع البنوك أيضا نرى عزوف الجزائري عن التعامل معها وتفضيله للشكارة ولإستثمار أمواله في "الوعد الصادق"، على الحساب البنكي والتعاملات المصرفية ، لأن التاجر البسيط عندما يتوجه إلى البنك يعامل بازدراء ويخاطب بلغة لا يفهمها ، وتتلذذ تلك الحسناء الجالسة وراء مكتبها الفخم في تعذيب العميل بالإجراءات البيروقراطية المعقدة، نفس الأمر ينعكس على القضاء ... العديد من النزاعات أصبحت تحل بسرعة في المساجد وعند شيخ العرش أو أعيان المدينة ،بدل التوجه إلى القضاء بكل مصاريفه وتعقيداته وإجراءاته التي لا تتنهي ، دون الحديث عن التدخلات الفوقية وتطبيق القانون على الضعيف فقط . لا يجب على السياسي أو المثقف أن يستغرب كيف صدق الناس زعيبط وسبسيفيك والوعد الصادق وبلحمر ، بعد أن كذب هو عليهم وضللهم وزور إرادتهم، وهو يزرع ما يحصد فقط ، دائما يجب العودة إلى السياسة التي تحكم كل القطاعات وتؤثر فيها ، هنا مربط الفرس ومن هنا فقط يمكن بناء الثقة من جديد بين عامة الشعب والنخب في مختلف المجالات، عندما يثق الجزائري في المسؤول السياسي وفي الوزير والوالي ورئيس البلدية ، ستنعكس ثقته في الصحة وفي التعليم والاقتصاد وغيرها من القطاعات. للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 تويتر: https://twitter.com/anesdjema أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]