خطابات ماكرون المغازلة للجزائر جاءت للتودد لجميع المستعمرات الفرنسية حاورته/ فاطمة حمدي
يرى المختص في الشأن الدولي، الإعلامي التونسي سيف الله المشاط، أن المجتمع الفرنسي يتجه نحو التغيير الجذري للذهنيات السياسية، خلافا لما شهده تاريخ الإليزيه، مشيرا في الحوار الذي جمعه ب"البلاد" إلى أن المرشح الشاب ماكرون سيكون الأوفر حظا في افتكاك صدارة صناديق الاقتراع في المرحلة الثانية من الانتخابات ببلاده.
ما هي قراءتك لنتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟
أول ما نقرأه في نتيجة الدورة الأولى للاستحقاق الرئاسي الفرنسي، أن مفهوم الممارسة السياسية التقليدي المتمحور حول مؤسسة الأحزاب العريقة بات يواجه واقعا جديدا ومختلفا ينسف منظومة العمل الحزبي القديم أمام قوة تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال الحديثة التي تواكب جيل الشباب لتجعل من حركة فرنسا إلى الأمام بمرشحها المستقل الشاب امانويل ماكرون رقما صعبا يطيح بأعمدة المشهد السياسي التقليدي للجمهورية الفرنسية الخامسة بين حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي ليتصدر هذا المرشح نتائج الدورة الأولى بنسبة قاربت ربع أصوات الناخبين، متحديا في الدور الثاني نظيرته ماري لوبان من حزب اليمين المتطرف الحائزة على أعلى نسبة تصويت في تاريخ حزبها بحوالي 7 ملايين ونصف ناخب.. نتائج تعكس في جوهرها رغبة عميقة في إحداث تغيير جوهري في نظام الحكم الفرنسي بتسجيل أول إقصاء للجمهوريين والاشتراكيين معا منذ الدور الأول، كما تعكس تحولا في المعايير لدى الناخب والمواطن الفرنسي، حيث نلحظ أيضا حصول جون لوك من حزب فرنسا الأبية على نسبة 20 % من أصوات الناخبين وهو ما يعكس تصاعد النفس القومي والنفس الانفصالي عن الفضاء الأوروبي..
تقارب النسبة بين ماكرون ولوبان.. يجعل "التكهنات" صعبة لما ستفرزه النتائج النهائية في الثانية، إلا أن أغلب الأصوات تميل إلى فرضية "ماكرون خلف هولاند في رئاسة فرنسا".. ماذا تتوقع بدورك وما هي معطياتك للمرحلة المقبلة؟
في الواقع، في السياسة، لا نتكهن بقدر ما نتعامل مع الوقائع والحال الآن في فرنسا أن المشهد الانتخابي متحرك ولا تحكمه قاعدة محددة.. فكما قلنا سالفا فإن المجتمع الفرنسي يذهب نحو رحلة تجديد للنظام والتموقع لفرنسا ودورها الدولي وبالتالي قد يتجسد التغير لدى الناخب في اتجاه السمت القومي الذي يؤمن بسيادة الدولة داخل حدودها والثورة على منضومة العولمة وتبعاتها على مفهوم السيادة الوطنية والاقتصادية والتحديات الأمنية وفي هذه الحال سيكون الخيار أقرب لليمين المتطرف .. ومن ناحية أخرى، فإن الخروج التام على الشكل والمضمون التقليدي لتجسيد مفهوم التغيير قد يجعل لصاحب ال39 ربيعا فرصة حقيقية لجلب الأصوات باعتباره شابا مستقلا عن القوى التقليدية قادر على تجميع الناس باختلافاتهم.. وبالعودة إلى لغة الأرقام والتصريحات لدى الفاعل السياسي الفرنسي فإن التوجه نحو تشكيل جبهة للجمهوريين للحيلولة دون بلوغ زعيمة اليمين المتطرف قد ترفع من حظوظ المرشح المستقل أكثر ولكن يبقى التنافس قويا، خاصة إذا ما انتبهنا إلى أن لوبان قادرة على إقناع جمهور الناخبين المصوتين لصاحب المركز الرابع جون لوك صاحب 20 % من الأصوات وهو ما قد يجعل لوبان قادرة على ضمان أكثر من 40% من الأصوات، وهو ما قد يجعل التنافس صعبا.. ولكن يبقى في نظري ماكرون الأوفر حظا للفوز بالاستحقاق.
كيف تقيم الحملة الانتخابية في الفترة الماضية؟
لقد سجلنا 3 ملاحظات أساسية طبعت حملة الانتخابات المؤدية للإيليزي في شوطها الأول وكانت منعكسة على النتائج بشكل كبير.. أولها استعمال أسلوب إضعاف الخصم والتشهير بالفضائح بين المرشحين وقد كان لذلك انعكاس واضح على ضرب الجمهوريين خاصة مع فضائح فيون وإقصائهم من السباق لأول مرة في التاريخ.. أما الملاحظة الثانية فهي تتعلق بتصاعد الخطاب القومي الداعي للانغلاق ضد العولمة والتطرف اليميني تحت شعار فرنسا أولا في محاكاة لشعارات الرئيس الأمريكي ترامب ورئيسة الوزراء البريطانية، الداعين إلى عودة الخطاب المدافع عن الدولة الوطنية القوية باستقلاليتها عن النظام العالمي المعولم وما في ذلك من تهجم على المهاجرين واللاجئين والمواطنين من أصول غير فرنسية وتقويض لبعض الحريات الدينية.. الملاحظة الثالثة تتعلق بالخطاب المدافع عن فرنسا متماسكة بتنوعها وقوية بهويتها الأوروبية المنفتحة هذا الخطاب تميز بالترويج لقيادة جديدة شابة تغازل المهاجرين من أصول مغاربية وإفريقية وتضمن المواطنة والمساواة لكل الفرنسيين باختلافاتهم المتنوعة وفي آن واحد هذا خطاب عول على استعمال الوسائل التقنية الجديدة ألتي تصل أكثر للشباب وهو ما جعل كفة الاشتراكيين تتراجع في نتائج التصويت مقابل استقطاب ماكرون لنسبة كبيرة من مسلمي ومهاجري فرنسا. وكملاحظة عامة يمكن أن نشير إلى أخلاقيات العمل السياسي.
ما هي قراءتك لبرنامج كلا الطرفين؟
ستكون المواجهة في الدورة الثانية بين الاشتراكية الليبرالية بقيادة ماكرون من جهة والنزعة القومية المتطرفة لماري لوبان من جهة أخرى، بين الانفتاح الراعي لقيم التعاون والشراكة الأممية وبين الانغلاق بين أوروبا الموحدة التي تلعب فيها فرنسا دورا قياديا مهما وفرنسا المعزولة المتوجسة.. بين خطاب يضخ الأمل بواجهة شابة وبين خطاب يستعمل التخويف بواجهة تقليدية قديمة هكذا يمكن أن نختزل جوهر البرنامجين الانتخابيين للمترشحين المتواجهين في المرحلة الثانية.. فماري لوبان تعتزم تعليق الهجرة الشرعية وإلغاء الحق في الجنسية للمولدين في فرنسا وحضر الحجاب، إضافة إلى تشديد شروط اللجوء ولمّ الشمل العائلي في حين يعارضها المرشح الشاب في هذه السياسات ويعد في المقابل بتسريع النظر في طلب اللجوء في أقل من ستة أشهر.. وتضع لوبان في برنامجها الخروج من اليورو وفضاء شنغن مقابل دعوة ماكرون إلى إنشاء ميزانية وبرلمان لمنطقة اليورو. فنحن نشهد رؤيتين متناقضتين تماما ترسم منها جديد من الاستقطاب الثنائي فعوض الحديث عن استقطاب يميني يساري.. تنشأ في فرنسا عملية استقطاب الانفتاح والانغلاق.
ما هي التحديات التي تنتظر الرئيس الفرنسي الجديد؟
في الواقع، يمكن أن نقسم التحديات الفرنسية إلى مستويين داخلي وخارجي، ويأتي تحدي الأمن القومي الفرنسي بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أول سلم التحديات، حيث تشهد الدولة تراجعا اقتصاديا وعدم تماسك اجتماعي وتهديدا إرهابيا متعاظما وهو ما يسعى كلا المتنافسين إلى إيجاد الحلول الملائمة لمواجهته عبر سياسة تراجع الضرائب وتولي أهمية للمسائل الاجتماعية وتدعم جهاز الأمن وهو ما يفسر اعتزام كلا المرشحين انتداب أعداد جديدة لعناصر الأمن والجمارك. وتعتبر السياسة الخارجية الفرنسية في وسطها الطبيعي داخل القارة الأوروبية من ناحية أو داخل الفضاء المغاربي والإفريقي من ناحية أخرى أو في علاقتها بالملفات الدولية الساخنة كالملف السوري والملف النووي الإيراني والتسوية الليبية حقول ألغام قد تعكر الوضع الداخلي الفرنسي أكثر وقد تورط الدولة في مستنقعات مكلفة على المستوى الأمني والاقتصادي .. وهو ما يجعل مسؤولية رئاسة الجمهورية في وضع دولي راهن يتسم بالتحول والاضطراب وعدم الاستقرار إلى جانب انقسام في الداخل الفرنسي وإعادة تشكل للرأي العام أمرا صعبا يحتاج سمات قيادية لرجال الدولة الأقوياء.. وهو ما جعل بعض المحللين يتحدثون على فرنسا ما بعد الجمهورية الخامسة.
إلى أي مدى تحاول القوى الكبرى في العالم الاستفادة من الانتخابات الفرنسية ومحاولة دعم وإيصال من يخدم مصالحها مع باريس؟
بات من الواضح أن ماكرون يمثل رهان المجموعة الأوروبية المؤمنة بكتلة أوربية قوية وتأتي ألمانيا على رأس هذه الدول فتاريخ الاتحاد الأوروبي كتب بمبادرة فرنسية ألمانية لتبقى فرنسا ثاني أهم شريك اقتصادي في الاتحاد الأوروبي وهو ما يجعل الدول المدافعة عن مشروع الوحدة تراهن ودون شك على خيار لا يزيد من تعقيدات ومشاكل الاتحاد على المستوى الاقتصادي والسياسي وهو ما جعل موغيريني مندوبة الاتحاد الأوربي تعبر عن سعادة بروكسال لبلوغ زعيم حركة فرنسا إلى الأمام الدور الثاني لما في ذلك من حماية للهوية الأوروبية.. دول المغرب العربي أيضا وغرب ووسط إفريقيا لن يكونوا مرحبين بزعيمة اليمين المتطرف المناهضة للمهاجرين والمسلمين من ذوي هذه الأصول. ولكن من جهة أخرى صعود نفس قومي جديد بفكر يعادي مشروع الوحدة الأوروبية قد يجعل الروس والأتراك ينتفعون ويمتلكون أوراقا سياسية جديدة في تعاملهم مع دول القارة الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل عام وهو ما فسر التقارب بين بوتن ولوبان التي زارته في إطار حملتها الانتخابية وكانت بذلك أول زيارة لمرشح رئاسي فرنسي يستقبله رئيس الدولة الروسية في رسالة قوية للعالم عن إمكانية إعادة صياغة التحالفات. وبالنسبة للولايات المتحدة فمشروع ترامب الذي يسعى فيه لإعادة الهيمنة والقوة الأمريكية سيكون منتفعا في كلتا الحالتين سواء فاز ماكرون المؤمن بمزيد الانفتاح وترسيخ الشراكات كحلف شمال الأطلسي أو جاءت لوبان المتشاركة معه في سياسة تقويض الهجرة واللاجئين ومحاربة الإرهاب.
كيف يمكن قراءة مشهد التفاف أغلب الفرنسيين من أصول مغاربية حول ماكرون، الأمر الذي تجسد في المجموعات التي تكتلت؟
إن سياسة ماكرون المدافعة عن قيم العدالة والحرية والمساواة بين كل المواطنين ونبذ خطاب أقصى اليمين المستهدف للمهاجرين ودفاعه عن حرية اللباس المسلمات وأمام تراجع شعبية الحزب الاشتراكي في عهدة هولاند التي لم تعرف رواجا في الاقتصاد، إلى جانب اختلال الوضع الأمني في عهدته قد جعل من المرشح المستقل الشاب بديلا موضوعيا للجاليات المغاربية وأعتقد باقي الجاليات من الأصول الإفريقية أيضا. ففي حين تحصل مرشح الحزب الاشتراكي على 6.3% من أصوات الناخبين كان نصيب ماكرون 24%.
السؤال الثامن ما هي قراءتك لتصريحات ماكرون تجاه الثورة الجزائرية وجرائم الاستعمار؟
موقف ايمانويل ماكرون وجرأته في تعبيره عن الاستعداد بالاعتراف والاعتذار عن جرائم الحقبة الاستعمارية وتشبثه بموقفه رغم اللغط الذي أثير من حوله في عاصمة الأنوار يعكس جرأة وشجاعة السياسي القادر على اتخاذ القرارات الصعبة وهو ما يحيلنا على كاريزما الشاب الثلاثيني الذي استطاع جمع الناس من حوله.. للإشارة، فإن اختياره للجزائر كمحطة يعلن فيها عن مثل هذا التصريح لهي رسالة محملة بالمعاني والأبعاد .. أولا هناك بعد أخلاقي مهم يتجسد في الاعتذار ومن هنا ننتقل إلى الانعكاس السياسي والاقتصادي لهذا الاعتراف فالتعويضات عن الجرائم ستكون في شكل شراكة اقتصادية وسياسية جديدة تلعب فيها الجزائر دورا مهما في إقليمها المفتوح على غرب إفريقيا وفي التأثير أيضا على الفرنسيين من تلك الأصول المغاربية عامة والإفريقية بأكثر انفتاح.. فالاعتذار والاعتراف برأيي يتجاوز الملف الجزائري ليتعداه إلى سائر المستعمرات الفرنسية السابقة في باقي الدول الإفريقية لما لتلك الدول عموما والجزائر خصوصا من قدرة على فتح أفق بشكل جديد لاقتصاد فرنسي يشكو في عهدة هولاند ومن قبلها عهدة ساركوزي.