في جنازة رسمية، شيع جثمان الفقيد رضا مالك رئيس الحكومة الأسبق، بمقبرة العالية في الجهة المقابلة لمربع الشهداء، حيث يرقد رؤساء الجزائر الراحلين، على وقع طلقات نارية وتشييع على أكتاف عساكر الحرس الجمهوري، الذين ترجلوا لخطوات على حوالي 200 متر انطلاقا من مدخل المقبرة إلى غاية قبره ليوارى عليه التراب، في موقف يسترجع سجل تاريخي حافل من النضال الثوري لأحد رجالات الرعيل الأول، الذي وافته المنية أول أمس عن عمر يناهز 86 سنة. في حدود الساعة الواحدة زوالا إلا ربع، شرع رجالات السياسة ومسؤولو الدولة وتبعهم أعضاء الحكومة في التوافد على القاعة الشرفية، لتوديع الرجل السياسي والمفاوض والمفكر رضا مالك، وسبقهم المجاهد صالح قوجيل، وتخلل توافد المسؤولين وصول عدد من سفراء الدول بينهم السفير الفرنسي وسفراء دول عربية، ثم ظهر بلقاسم ساحلي الوزير السابق من تولى مسؤولية الحزب الذي كان يرأسه رضا مالك، ثم عبد القادر حجار ووالي العاصمة عبد القادر زوخ، وظهر عبد الحكيم بطاش رئيس بلدية الجزائر الذي يقود حركة تصحيحية في حزب عمارة بن يونس وهو يتجاذب أطراف الحديث مع سابقه رئيس بلدية الجزائر الوسطى الطيب زيتوني الذي بدوره كان ضمن من قادوا حركة تصحيحية في اللأرندي ويتولى حاليا منصب مدير قصر المعارض. "دبلوماسية الجنائز" حاضرة بقوة هذان الأخيران، لحق بهما علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات القادم من اجتماع الثلاثية مع الحكومة والمركزية النقابية، بعدما سلم على محمد جميعي القيادي في حزب جبهة التحرير، وفي تلك اللحظة اتجهت كل كاميرات وسائل الإعلام إلى الرجل بحكم ما روج عن صراع بينه وبين الوزير الأول عبد المجيد تبون، غير أن الرجل أظهر ابتسامات متوالية رافضا التعليق. "البلاد" اقتربت من علي حداد بعدما خف عنه وميض كاميرات التصوير، وسألته ما حقيقة الصراع؟ وهل سويت الخلاف اليوم في لقائكم مع الوزير الأول؟ الرجل يجيب ببساطة "القضية ضخمتها الصحافة وهذه الإجراءات عادية اعتدت عليها في مجال عملي وإدارة المشاريع". وفي حدود الواحدة وعشرين دقيقة، يصل مستشار رئيس الجمهورية، سعيد بوتفليقة وكل الكاميرات تتجه إليه وبشكل أكثر تركيزا، تواصل سيارته المسير إلى الأمام، ثم يأتي الرجل مترجلا بخطوات متثاقلة يتظلل بإحدى أشجار النخيل وبينه وبين علي حداد مسافة لا تزيد عن 5 أمتار، يقف برهة، ثم يواصل سيره باتجاه علي حداد، يحتضن الرجلان بعضهما البعض، تزيد الصحافة تركيزها على الرجلين، في موقف جعل أحد المسؤلين يقول "لماذا كل هذا؟ أين هو السبق الذي ترجوه الصحافة؟". بعد 10 دقائق يغادر عبد المجيد سيدي السعيد أمين عام المركزية النقابية مدخل القاعة الشرفية بعدما لاحظ تجمع الرجلين قبالته- في موقف وكأنه فضولي- فيلتحق بهما ويسلم عليهما، في مشهد تحول إلى "ثلاثية" موازية لتلك الثلاثية التي كانت قد انعقدت في تلك الصبيحة. وبعد حوالي 5 دقائق يصل الوزير الأول، عبد المجيد تبون، إلى القاعة الشرفية، فتنتقل كاميرات وسائل الإعلام إليه، بعدها بدقيقتين يصل مستشار رئيس الجمهورية وزير العدل الأسبق، الطيب بلعيز. كما كان أحمد أويحيى أمين عام الأرندي قد وصل هو الآخر إلى جانب رئيس مجلس الأمة عبد االقادر بن صالح، وكذا عدد من الوزراء وأمين عام الأفلان جمال ولد عباس، إلى جانب علي هارون ومحمد الغازي مستشار رئيس الجمهورية. وعقب أداء صلاة الجنازة ترحم الإمام على الفقيد مع الدعاء له، وفي تأبينة للرجل قال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي "إن الجزائر فقدت المفاوض والرجل النوفمبري والسياسي والدبلوماسي المحنك، والمفكر"، مضيفا "لقد خدم الجزائر سفيرا ووزيرا ورئيسا للحكومة". وبعدما ووري التراب على جثمان رضا مالك، قال عنه الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى "إن تاريخه يتجاوز منصب رئيس حكومة وكان لي شرف العمل معه، وهو من بين القلائل الذين تحملوا المسؤولية في فترة صعبة ميزتها همجية الإرهاب"، وأضاف "إنه رجل مفاوض حتى مع صندوق أفامي-النقد الدولي". ولد عباس: عرفته منذ 54.. والجزائر فقدت أحد عمالقتها أما ولد عباس، فقال عن الفقيد "لقد عرفته منذ 1954 إلى حد الآن، وهو رجل دبلوماسي ومحنك وكاتب وصحافي.. الجزائر خسرت أحد عمالقة التاريخ والثورة"، أما يزيد زرهوني وزير الداخلية الأسبق فرفض التعليق واكتفى بالقول "الله يرحمه..". وكانت عبارات التعزية لدى أغلب المسؤولين تتناغم مع تعزية السعيد بوحجة رئيس المجلس الشعبي الوطني، التي جاءت في مضمونها أن "وفاة المجاهد ورئيس الحكومة الأسبق رضا مالك لتعد فجيعة ليس على أسرته الكريمة فحسب وإنما على كافة أفراد الشعب الجزائري".