شرعت العواصم المؤثرة والفاعلة في الخروج عن صمتها الواحدة تلو الأخرى إزاء المشهد السياسي القائم، وعادت بعد انقطاع "تكتيكي" فرضه الحراك الشعبي وتطورات الوضع العام منذ رحيل النظام السابق، إلى تحسس وقراءة المرحلة القادمة وجس النبض من خلال تحركات ولقاءات مع أحزاب سياسية من الموالاة والمعارضة مع بداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية. بدأ الصمت الدولي حول تطوّر الأوضاع السياسية في الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي في البلاد، يخرج مكنوناته ويعبر عن توجهات ومواقف العواصم المؤثرة ذات العلاقات القوية مع الجزائر، حيث تحمل اللقاءات الأخيرة التي جمعت العديد من السفراء مع الطبقة السياسية، على غرار اللقاء الذي جمع السفير الروسي مع كل من عبد الرزاق مقري رئيس حركة حمس، وكذا محمد جميعي الأمين العام للأفلان، وكذا تحركات السفير الإيطالي من خلال لقائه مع حمس أيضا في هذا الوقت تحديدا، إلى جانب تصريحات وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، دلالات كثيرة ، وتوحي عن رغبة قوية لدى هذه الدول في استقراء مآلات المشهد السياسي القادم بعد الضبابية وحالة الانسداد التي طبعت الوضع العام منذ 7 أشهر من الأزمة، لاسيما أن هذه التحركات جاءت تزامنا مع توجه الأزمة وحالة الانسداد إلى انفراج تدريجي مع اقتراب موعد الرئاسيات التي تضعها السلطة القائمة كأولوية، ودعت قيادة الجيش إلى التعجيل بها وإجرائها في أقرب الآجال، حيث استقبل الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" محمد جميعي، السفير الروسي لدى الجزائر، إيغور بيليايف، وجاء هذا اللقاء بطلب من السفير الروسي، الذي كان التقى قيادة "حركة مجتمع السلم" برئاسة عبد الرزاق المقري، ما يعني شروعه في "جس نبض" أكبر الأحزاب في البلاد. ويرى مراقبون أن انحياز موسكو لصالح وجهة النظر التي تطرحها السلطة القائمة وقيادة الجيش للخروج من الأزمة عبر انتخابات رئاسية في أقرب الآجال ليس بالمثير للجدل، لاسيما أن موقف الشريك الروسي كان صريحا وعلنيا منذ بداية الأزمة، خاصة بعد الجولة التي قادت رمطان لعمامرة مارس الماضي، حيث كان يميل لصالح دعم ورقة السلطة، والحوار واحترام الدستور، مع التحذير من مغبة التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وبأن الشعب الجزائري هو الذي يختار مصيره وهو الموقف الذي عبر عنه الرئيس الروسي لافروف في وقت سابق، تحركات سفراء دول غربية بالجزائر لا يمكن قراءتها بمعزل عن لقاء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس نهاية الأسبوع المنقضي، حيث تطرق للأوضاع السياسية في الجزائر، لاسيما فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى مخارج توافقية للأزمة بين جميع الأطراف الفاعلة في المشهد، والتأكيد على احترام جميع المقاربات السياسية المطروحة، وقال "إن باريس تطمح إلى مخارج مرضية لجميع الأطراف، والتوافق بين كافة الفاعلين، لأن العلاقات المميزة والعريقة بين البلدين تحتّم إيجاد حلول تحقق طموحات الجزائريين". ويبدو أن محاولة التفرد الروسي بالبعد الخارجي للأزمة الجزائرية أثار مخاوف الفرنسيين من تحييدهم وسحب البساط من تحت أقدامهم، مما دفعهم إلى التعبير العلني عن موقفهم، على الرغم من أن اهتمامهم بالتطورات لم يتوقف منذ البدايات الأولى للحراك الشعبي، وتحدثت مصادر فرنسية على أن الاهتمام الفرنسي بتطورات الوضع الجزائري لم يتوقف منذ بداية الحراك الشعبي، وأن باريس التي نصبت خلية خاصة لمتابعة التطورات، ظهرت بصماتها في الدفع بالتطورات إلى اتجاه يدعم مقاربة السلطة للخروج من الأزمة بتنظيم انتخابات رئاسية في القريب العاجل، والحيلولة دون حدوث تغيير سياسي عميق في الجزائر. في السياق ذاته، استقبل أمس الأول، رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بمقر الحركة، سفير دولة إيطاليا بطلب من هذا الأخير، حسب بيان للحركة، وحضر اللقاء السكرتير الأول بالسفارة، ونائب رئيس الحركة، عبد الرزاق عاشوري، وعضو المكتب الوطني، ناصر حمدادوش. الطرفان تناقشا حول رؤى الحركة للأوضاع المحلية والدولية، حيث أكد مقري على أهمية الجزائر في المنطقة وأنها قادرة على تحقيق تطورها وازدهارها بإمكانياتها البشرية والمادية، وثمن سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تنتهجها السياسة الخارجية الإيطالية.