تحديات أمنية كبيرة على الحدود وسط "تضارب" مصالح إقليمية مؤشرات على دبلوماسية اقتصادية "هجومية" في الأفق
البلاد - بهاء الدين.م - ستكون ملفات الأزمة الليبية والوضع في دول الساحل والعلاقات مع فرنسا ضمن "الأجندات" الاستعجالية التي تنتظر الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، في ظل مناخ دولي يعج ب«التدخلات" الإقليمية على مقربة من الحدود الجزائرية. وسيكون تبون أمام رهان إعادة بريق الدبلوماسية الجزائرية بعد غياب "اضطراري" عن الساحة العالمية طوال السبع سنوات الماضية، بسبب المرض الذي ألم بالرئيس السابق. أبرز ملف يطرح نفسه بإلحاح هذه الأيام، هو الوضع الملتهب في ليبيا في ظل إصرار قوى خارجية على الإمعان في التدخل والعبث بالمشهد الليبي الذي تتقاذفه "نزاعات" بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وفصائل اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، بالتزامن مع "طبخات" تعدها مخابر أجنبية بعيدا عن أعين الجزائر، المنشغلة طيلة الأشهر الماضية، بتطورات الوضع في الداخل. ورغم أن قوات الجيش قد نجحت إلى حد كبير في قطع الشرايين التي كانت تتغذى منها الجماعات المرتبطة بتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وبعدها القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وتنظيم داعش، إلا أن انشغالها بالوضع الداخلي كان له الأهمية القصوى، فالمعروف أن عناصر التنظيمات الإرهابية كانت تنقل السلاح من مالي والنيجر إلى معاقلها في شمال وشرق الجزائر، عبر المسالك الصحراوية، وبفضل هذا السلاح، نظم الإرهابيون عدة أعمال مسلحة ضد أهداف استراتيجية. وحاليا، تواجه قوات الأمن التحدي نفسه، لكن هذه المرة من الجارة المتفجّرة ليبيا، وبدرجة أقل من تونس، التي عرفت اضطرابات أمنية انعكست مباشرة على الجزائر. وإذا كان في تونس سلطة ومؤسسات يمكن التواصل معها لتنسيق الأعمال بهدف مواجهة المخاطر المحدقة بالبلدين، فالأوضاع في ليبيا تختلف جذريا. في هذا البلد توجد مليشيات مسلحة متناحرة لا تملك أي مشروع سياسي، تقسم البلد إلى عدة مناطق نفوذ، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن الجزائر على المدى القريب. ويرى مراقبون أن الحديث لم يعد يركز على تدفق للمهاجرين أو توقف لتدفق النفط من ليبيا، بل يدور حول حرب شاملة يمكن أن تشعل النار على الحدود الجزائرية في ظل "إقصائها" من مشاورات دولية لإيجاد مخارج للأزمة الليبية سابقا. وفي مالي، إذا كانت خطورة التنظيمات المسلحة التي سيطرت على شماله شهورا طويلة، زالت (ربما مؤقتا)، فالجزائر تواجه نفوذا فرنسيا يتزايد باستمرار في المنطقة ويطال حاليا عمقها الأمني، وينافسها في فضاء تعتبره "عرينها". وليس أمام الجزائريين حاليا، من خيار إلا العمل على ترجمة "ميثاق المصالحة" بين الماليين في الميدان في مالي، لو أرادوا الحد من نفوذ فرنسا التي تواصل نشر جنودها على الحدود المشتركة بين دول الساحل. وإضافة إلى القضيتين الليبية والمالية، فإن ملف العلاقات مع المستعمر القديم "فرنسا" يعود إلى سطح الأحداث في ضوء "الهجوم" الإعلامي الفرنسي، بإيعاز من الإيليزي على الرئيس تبون، وورقة طريقه لحل الأزمة. وفي إجابته على سؤال يتصل بموقف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تجاه انتخابه رئيسا للجزائر، اكتفى السيد تبون بالرد: "لا أجيب على الرئيس الفرنسي، ولا أعترف إلا بالشعب الجزائري". وينتظر رئيس الجمهورية الجديد عملا كبيرا من أجل استعادة الدبلوماسية الجزائرية قوتها وعهدها السابق، بعد أن شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة، أثر على دور الجزائر نسبيا في مختلف القضايا والمحافل الدولية والإقليمية، كما ينتظر منه إعادة بناء علاقات مع مختلف الدول على أساس المصالح المشتركة، بعد أن كانت هذه العلاقات في الغالب لا تخدم مصلحة الجزائر. ويرى مراقبون بأنه مطالب باعتماد سياسية خارجية "براغماتية" من الآن فصاعدا، وأن يلجأ إلى اعتماد سفراء متخصصين في عدة مجالات لتنويع العلاقات، وأن يتم اختيارهم بدقة، ويرون أن الرئيس الجديد قد يلجأ إلى تطوير العلاقات مع روسيا والصين أكثر فأكثر ثم مع القارة الأمريكية لإنهاء التبعية للاتحاد الأوروبي الموروثة من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على أن تكون هناك توازنات مع مختلف الأقطاب. وشدد الرئيس المنتخب، في هذا الإطار، على أنه "لا أحد بإمكانه الادعاء بأنه يمتلك الوصاية على الجزائر"، مضيفا بأن السياسة الخارجية للبلاد تقوم على "مبدأ المعاملة بالمثل". وفي ندوة صحفية نشطها بالعاصمة، عقب الإعلان عن النتائج الأولية للاقتراع الرئاسي الذي حاز فيه على الأغلبية، تطرق تبون إلى ملف السياسة الخارجية، حيث أكد على كونه "جد حساس عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية"، مؤكدا على أنه "لا أحد بإمكانه الادعاء بأنه يمتلك الوصاية على الجزائر". كما رد الرئيس المنتخب على سؤال يتعلق بالعلاقة مع المملكة المغربية ومسألة غلق الحدود التي تعود إلى سنة 1994، والتي اعتبرها "حساسة لأقصى درجة"، ليصرح قائلا: "هناك ظروف أدت إلى هذا الوضع، وزوال العلة لا يكون إلا بزوال أسبابها". وأبرز المتحدث أنه يتعهد بتعزيز سياسة خارجية ديناميكية واستباقية، وذلك عن طريق مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية، ووضع معالم دبلوماسية اقتصادية هجومية في خدمة التنمية الوطنية، إضافة إلى تجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر. وأكد تبون على ضرورة حماية الجالية الوطنية في الخارج والمغتربين، وترقية مشاركتهم في التجديد الوطني.