تشهد الجزائر تحركات دبلوماسية ذهابا واستقبالا في حملة لترويج مواقفها، لكن الحديث عن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في إدارة ملفات إقليمية وحل النزاعات ثم اعتماد ما يعود عليها بالنفع في النهاية، يبقى مجرد ”تصريحات” لا أثر لها في الواقع، ولا يمكن لحكومة الرئيس بوتفليقة أن تتبجح بتحقيق أي نجاح على الصعيد الخارجي، لا دبلوماسيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا ولا حتى كرويا. وآخر دليل على الإخفاق في كل الميادين، أن ممثل مالي في اللجنة التنفيذية للكاف منح صوته للغابون فيما يخص تنظيم كان 2017! مالي التي منحت الجزائر طلبتها مؤخرا عشرات المنح الدراسية في المدرسة العليا لعلوم وتكنولوجيا الرياضة. وهل بعد التيه الذي ميَز خطوات الجزائر في أزمات اليمن وليبيا ومالي وغيرها، يمكن الحديث عن ”إنجازات” حققتها الجزائر؟ مواقفها ناقضت ”العرب” وانسجمت مع ”الغرب” الجزائر تضاعف تحركاتها الدبلوماسية لإبعاد تهمة ”النشاز” رفعت الجزائر من وتيرة تحركاتها الدبلوماسية لترويج مواقفها العربية والإقليمية، بعدما تبين للآخرين أن هذه المواقف بدت بمثابة ”نشاز” أو سباحة ضد التيار، في المخيال العربي أو الإقليمي، ضمن التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة في الدول العربية، وانتقل وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى باريس ثم واشنطن، حيث افتك تزكية بخصوص الحل الأنسب في مالي وليبيا، وشارك عبد القادر مساهل الأربعاء الماضي في الاجتماع ثلاثي الأطراف حول ليبيا، إلى جانب نظيريه الإيطالي باولو جنتيلوني والمصري سامح شكري. وتمحورت المشاورات السياسية أساسا حول الوضع السائد في ليبيا والمنطقة ومكافحة الإرهاب. في مالي هناك ”تشكيك” في أن يعرف اتفاق الجزائر منتهاه إلى توقيع الحركات الأزوادية على الاتفاق، رغم أن التوجه الغالب للمواقف يفيد بعدم وجود خيار آخر سوى التوقيع، وثمة ”حشد” دولي تعمل عليه الجزائر لجعل المجموعة الدولية تضغط لإنهاء القضية سريعا. أما الملف الليبي، فأظهرت ردود الفعل الدولية وجهات نظر تفيد بأن الأزمة الليبية أكبر من أن تحلها الجزائر، رغم احتضانها جولة حوار للأحزاب الليبية، بينما في فصول علاقة الجزائر بالحوار الليبي، ثمة تشويش على أي مبادرة جزائرية، خاصة من قبل الرباط التي دخلت خط الأزمة الليبية. وهناك ملفات أظهرت أن المساعي الدبلوماسية الجزائرية فيها لم تكن موفقة إلى حد كبير، فالجزائر رفضت تدخل الناتو لمعاقبة معمر القذافي في ليبيا، إلا أن الناتو تدخل وحصل ما حصل هناك، كما تحفظت على التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وقد تم ذلك، ودفعت الجزائر الفاتورة في اعتداء تيڤنتورين. وحتى إن باركت فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية الوساطة الجزائرية في مالي أو ليبيا، فإن مسار الحوار الليبي والمالي لم يكن ”بارومتر” لقياس نجاعة المواقف الجزائرية في عيون حكومات عربية تبحث حل أزمات شقيقتها ”اليمن”، والمتتبع للمواقف الدولية حيال نظرة الجزائر إزاء الحلول الممكنة للنزاعات، يجد أنها انقسمت بين حكومات غربية تشيد وتشاطر، وأخرى عربية تبطن ما لا تظهر، مواقف تعتبر فيها الجزائر ”نشازا” بين الدول العربية لعدم مجاراتها في ملفات نزاع تثير انشغالا دوليا وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، حيث لم تستسغ حكومات عربية رفض الجزائر الانخراط ”كليا” في تشكيل قوة عسكرية عربية وفق مخرجات القمة العربية بشرم الشيخ، حتى إن أظهرت الحكومات العربية احترامها لموقف الجزائر السيادي في هذه المسألة، إلا أنها تساءلت عن خلفيات ما تراه ”ترددا” من قبل الجزائر، وزادت قناعتَها بذلك رفضُها المشاركة في ”عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين باليمن. ومهما أشادت الجزائر بجودة العلاقات مع عدد من الدول العربية، وكان آخرها تفنيدها لما راج من معلومات حول عراقيل واجهت طاقم طائرة إجلاء الرعايا الجزائريين من اليمن، بالإضافة إلى التحفظات التي جاءت على لسان أكثر من مسؤول عربي، طرحت في شكل تساؤلات إزاء المواقف الجزائرية المعاكسة للتيار، وتطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات ”الجزائرية العربية”، مع تسجيل ربط محوري للجزائر مع الدول الغربية يفيد بانسجام المواقف خارج الخلفيات الباطنة لهذا الانسجام اقتصاديا، بينما تباعدت المواقف مع الدول العربية التي صارت تخشى على داخلها من المؤثرات الخارجية، وفي مقدمتها الإرهاب.
مواقفها متذبذبة ورؤية مسؤوليها غامضة حيال الأزمات ”بالي” أجنبي لا يعكس أي نفوذ للجزائر في الملفات الكبرى تتوافد البعثات الأجنبية على الجزائر، بعضها لعقد صفقات وإبرام عقود، والبعض الآخر ل”أخذ المشورة من مالك التجربة والخبرة الطويلتين في العلاقات الدولية، صاحب الفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”، بحسب الصيغة الدبلوماسية التي يرددها الأجانب عندما يزورون الجزائر. هذا ”البالي” الأجنبي الذي عرفته الجزائر في المدة الأخيرة لا يعكسه أي أثر للدبلوماسية الجزائرية على مسرح الأزمات والمشاكل التي تعيشها بعض الدول، بما فيها تلك التي تشكل عمقا للجزائر مثل مالي وليبيا. أما التأثير في الملفات الكبيرة مثل الصراع العربي الإسرائيلي، فذلك أضحى في حكم الماضي البعيد. لم يعد للجزائر تقريبا نفوذ يذكر في إدارة الأزمات وتسيير الملفات ذات الأبعاد الاستراتيجية. وأصبحت الميزة الأساسية التي تفرقها عن الكثير من الدول هي ”تجربتها في محاربة الإرهاب”، أي أن ”التفوق” الوحيد الذي حققته الجزائر ذو طابع سلبي للغاية، كونه مقترنا بالدم والقتل والخراب. فجولات الحوار الاستراتيجي التي تجري مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا طابعها أمني بحت. ولا تخرج الشراكة التي تقام مع القوى العظمى في شقها السياسي عن قضايا تبادل المعلومات حول الإرهابيين النشطين في ”داعش” و ”القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” و ”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”. أما اقتصاديا، فما عدا عقود الشراكة التي تخص الغاز والنفط، لا أحد في العالم يغريه الخطاب الرسمي الجزائري بخصوص تنويع الاقتصاد بتوسيعه إلى الاستثمار في الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات، لأن شركاء الجزائر، وحتى البلدان حديثة التعاون معها، تدرك أن الريع النفطي هو الشيء الوحيد الذي يختص فيه الجزائريون. هم يعلمون ذلك بفضل تقارير الممثليات الدبلوماسية والأجهزة والهيئات الدولية التي توجد بالجزائر. والمسؤولون في الحكومة الجزائرية يعلمون أن الثناء الذي يأتيهم من الأجانب الذين يزورونهم، بخصوص ”المؤهلات الاقتصادية التي تتوفر عليها الجزائر، خارج مجال الطاقة”، لا يعدو أن يكون استجابة لرغبة الجزائريين الذين يحبون أن يثني عليهم الأجانب، حتى لو كان كذبا ونفاقا. يكفي فقط سماع بعض المسؤولين العرب وحتى الغربيين، ممن يصرحون في ختام لقائهم برئيس الجمهورية أنهم ”جاءوا للاستفادة من حكمة ورجاحة عقل فخامة الرئيس” بخصوص هذا الملف أو ذاك. ولكن في الميدان لا يعرف ل”رجاحة عقل” بوتفليقة أي انعكاس إيجابي لصالح الجزائر. فموقف البلاد من الحرب في اليمن ليس مؤثرا في توجيه الأزمة وحسب، وإنما غير مفهوم لدى الكثير من الدول. ويشبه ذلك إلى حد بعيد الموقف من أزمة ليبيا عندما تفجرت في 2011. فقد ظلت الجزائر تتعرض لتهمة ”دعم نظام القذافي بالسلاح والمرتزقة” مدة طويلة، دون أن تعرف كيف ترد محاولة التخفي وراء ”مبدأ” لم يعد يؤمن به أحد، ”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان”. وتم حسم الصراع بقتل القذافي دون أن يكون للجزائر أي دور في تجنيب الجارة الفوضى التي تعيشها اليوم. وفي مالي، يبدو شكلا أن الجزائر هي التي تترأس الوساطة لإيجاد انفراج للصراع بين الحكومة والحركات الانفصالية، لكن فرنسا هي التي تدير خيوط الأزمة حقيقة. وحتى في الملفات التي يظهر أنها في متناول الجزائريين لم يفلحوا في إدارتها بنجاح. وأبلغ دليل على ذلك عجزهم عن إقناع اللجنة التنفيذية للكاف بتنظيم كأس أمم إفريقيا 2017.
رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة سابقا، صويلح بوجمعة، ل ”الخبر” ”الدور الجزائري معترف به ومقدر لدى القوى العظمى” ما رأيك في التحليل القائل إن الدبلوماسية الجزائرية تواجه مشكلة في التكيف مع التغيرات الدولية، وأن الدولة الجزائرية تعتمد مواقف نشازا. ما وضعها في صعوبات ومواجهة أوضاع صراع وأزمات وفي مواجهة قوى إقليمية ودولية؟ الجزائر لا تواجه مشكلة في التكيف مع التغيرات الدولية أو إدراك هذه التغيرات، بل تعتمد مواقف مستقلة متميزة، ورأينا ذلك في اليمن وقبلها في مالي وليبيا، هذا تميز واستقلال وليس نشارا في المواقف، ويظهر تمسك الدولة الجزائرية بالمبادئ التي تأسست عليها والقائمة على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب والدول. وطبيعة الحال هذه التوجهات لا تجد تفهما لدى بعض الدول الكبرى. ألا تعتقد أن اعتماد سياسات مستقلة في زمن التكتلات يعقد مهمتها في إيجاد حلول للنزاعات التي تهدد أمنها القومي؟ وهذا ما نشهده في مساعيها لتسوية النزاع في مالي وليبيا، حيث تواجه هذه الجهود بمقاومة ودخول أطراف أخرى على خط التسوية.. الجزائر تنسق جهودها مع أطراف دولية وإقليمية، وهي تشتغل مع تحالفات وتكتلات حسب طبيعة كل ملف، والزيارات التي قام بها مسؤولو الدبلوماسية الجزائرية إلى العواصم الكبرى في الأيام الأخيرة إلى فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية، بيان على أن الجزائر مدركة لقدراتها ولحدود تدخلها، أما بخصوص الصعوبات فهي متوقعة، ولم ننتظر أن تكون السبل مفروشة بالورود لإنجاح المبادرات، والمهم في المسار كله أن تكلل المساعي بالنجاح ويحل السلام والاستقرار والأمن على حدودنا، حتى لو جرت المفاوضات خارج الحدود الجزائرية. والدور الذي تلعبه الجزائر معترف به ومقدر من قبل القوى العظمى التي ترى في الجزائر شريكا محترما ولاعبا إقليميا ومحوريا، ولا يجب أن نحط من مكانة بلدنا على الساحة أو نكران ما تم تحقيقه من إنجازات، حققنا تقدما كبيرا في حل الأزمة في شمال مالي رغم تعقيد الملف، والعمل جار لتسوية الأزمة في ليبيا، حيث تستقبل الجزائر لاحقا أطرافا سياسية ليبية لبحث إنهاء الصراع القائم حاليا. لكن هناك من يعتقد أن السلطة ناقصة الشرعية، وهو عامل إضعاف للدور الجزائري إقليميا ودوليا.. تأثير دبلوماسيتنا لم يضعف على الساحة في أصعب المراحل التي واجهتها الجزائر سنوات التسعينات. وتحملت مسؤولياتها واتخذت مواقف شجاعة وصريحة في قضايا شائكة، وقد بينت الأحداث صواب المواقف الجزائري، سواء في معالجة الأزمات في مالي أو ليبيا وغيرها.
الخبير السياسي، رشيد تلمساني، ل ”الخبر” ”الجزائر دولة هشة ولا تستطيع أن تفرض مواقفها” تبذل الجزائر جهودا دبلوماسية لحل الصراعات القائمة في محيطها الاستراتيجي كمالي وليبيا. هل تتوفر في رأيك على وسائل تحقيق هذه الأهداف وإنجاح هذه الوساطة؟ الجزائر نظريا لديها خبرة في تسوية النزاعات، ولها أوراق يمكن أن تلعبها على المدى المتوسط، باستعمال شبكاتها لتحقيق هذا التحدي بالتعاون مع أطراف أخرى مثل الجامعة العربية في حالة ليبيا، ولو أن هذه المنظمة لا تلعب دورها بل أصبحت طرفا في تغذية الصراعات. ما رأيك في التحليل القائل إن الدبلوماسية الجزائرية تواجه مشكلة في التكيف مع التغيرات الدولية؟ الوضع تغير عما كان عليه في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، وقتها كانت الجزائر صاحبة دور محوري في الساحة الدولية، وعلينا أن نعترف أن الجزائر غائبة في المشهد السياسي منذ مطلع القرن الجديد، لأنه لو كان لها القدرة التي يتحدثون عنها لمنعت استمرار الأزمة في مالي، حيث الوضع شديد الخطورة ويطرح تحديات صعبة على الأمن الداخلي للدولة الجزائرية. استقبلت الجزائر في الفترة الأخيرة عدة مسؤولين دوليين وخصوصا من إفريقيا، ومسؤولو الدبلوماسية الجزائرية يُستقبلون في العواصم الكبرى، هذا يوحي بأن صوت الجزائر مازال مسموعا. ألا ترى ذلك؟ هذا مجرد فولكلور دبلوماسي، وكل الدول الإفريقية في حالة أزمة، والاتحاد الإفريقي تحول إلى قوقعة فارغة، ونحن نلحظ مؤخرا استنجاد الدول الإفريقية بمستعمرها السابق، على غرار مالي التي لجأت إلى فرنسا لمواجهة الإرهاب، وهذا بيان على فشل هذه الدول. ألا تعتقد أن نقص شرعية السلطة عامل إضعاف للدور الجزائري إقليميا ودوليا؟ الجزائر في مأزق، فهي لا تتوفر على قدرات لفرض نفسها كفاعل في المنطقة، وهي في طريق فقدان آخر أوراقها كلاعب صغير في مجال توريد الطاقة، ومن الضروري أن نتوقف عن خداع أنفسنا، فالجزائر بلد شديد الهشاشة رغم الخطاب الذي يردده ممثلو قوى عظمى بكونها دولة محورية.. يجب أن ننظر إلى واقع بلدنا لنحكم على أنفسنا: هل نحن دولة فاشلة أم لا؟ ومن الواضح أن السلطة عجزت عن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتسوية ملف عين صالح، فكيف لها أن تحل أزمات أكثر تعقيدا؟ وزيرا خارجية فرنساوالولاياتالمتحدة جددا في الأيام الماضية مقولة إن الجزائر شريك استراتيجي وفاعل إقليمي. ما رأيك؟ هذه مجاملة دبلوماسية، والكارثة أن النخبة السياسية الحاكمة تصدق ذلك وتسوقها للرأي العام. فهاتان الدولتان تشكلان الداعم الرئيس للمغرب الأقصى، وترفضان المساهمة في إنهاء النزاع على أساس الشرعية الدولية.