ليبيا تقترب من الوضع السوري وأزمة مالي مرهونة بنجاح الحوار العمق الأمني للجزائر على كف عفريت ستكون الأهوال بالجوار المضطرب أحد أخطر الامتحانات التي تواجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجماعته، وستضع على المحك مدى قدرة السلطة في بداية العهدة الرابعة، على الوفاء بوعد ”الاستقرار في الاستمرار”. وأكبر التحديات المفروضة على الجزائر في المرحلة المقبلة، الحد من طموح فرنسا في اللعب داخل عمقها الأمني بالساحل الإفريقي، وتفكيك اللغم الليبي على الحدود. سيضطر الرئيس الذي يعاني من هشاشة بدنية، إلى بذل جهود مضنية في المرحلة المقبلة لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وفاء لما تعهد به في الانتخابات الرئاسية الماضية. لكن التطورات السريعة على جبهة الحدود الجنوبية، تشكَّل أخطر رهان بالنسبة إليه. فالحرب الأهلية في ليبيا التي تزداد تعاظما من يوم لآخر، تهدد أمن الجزائر تهديدا مباشرا وتنذر بتدفق مستمر في المستقبل للسلاح، إلى التراب الجزائري وبتسلل مسلحين إلى المناطق الصحراوية الحدودية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر زحفهم إلى مواقع إنتاج النفط والغاز، ونقل السلاح إلى مناطق الشمال. لقد نجحت قوات الأمن إلى حد كبير في قطع الشرايين التي كانت تتغذى منها الجماعات المرتبطة بتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وبعدها القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، في الصحراء الكبرى. فالمعروف أن عناصر التنظيمات الإرهابية، كانت تنقل السلاح من مالي والنيجر إلى معاقلها في شمال وشرق الجزائر، عبر المسالك الصحراوية. وبفضل هذا السلاح، نظم الإرهابيون عدة أعمال مسلحة ضد أهداف استراتيجية. وحاليا تواجه قوات الأمن التحدي نفسه، لكن هذه المرة من الجارة المتفجّرة ليبيا، وبدرجة أقل من تونس التي عرفت اضطرابات أمنية خطيرة في 2013 انعكست مباشرة على الجزائر. وإذا كان في تونس سلطة ومؤسسات يمكن التواصل معها لتنسيق الأعمال بهدف مواجهة المخاطر المحدقة بالبلدين، فالأوضاع في ”جماهيرية” معمر القذافي سابقا، تختفي جذريا. في هذا البلد توجد مليشيات مسلحة متناحرة لا تملك أي مشروع سياسي، تقسم البلد إلى عدة مناطق نفوذ، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن الجزائر على المدى القريب. وتعي قوات الأمن جيدا أن الليبيين أعضاء المليشيات (عددهم ثمانية)، الذين حاولوا تنظيم كمين لدورية أمنية جزائرية الأسبوع الماضي بإليزي، مؤشر على أن التعامل مع إفرازات الوضع في ليبيا لن يكون سهلا أبدا. ويعي الجيش والسلطة المدنية أن ال900 كلم التي تربط الجزائر بليبيا، لا يمكن لا لوجستيا ولا بشريا تأمينها مهما بلغت قوة الجزائر. ومهما كانت درجة اليقظة كبيرة، فليبيا الحالية ستصدّر، لا محالة، المزيد من مشاكلها الأمنية إلى الجزائر. وفي مالي، إذا كانت خطورة التنظيمات المسلحة التي سيطرت على شماله شهورا طويلة، زالت (ربما مؤقتا)، فالجزائر تواجه نفوذا فرنسيا يتزايد باستمرار في المنطقة ويطال حاليا عمقها الأمني، وينافسها في فضاء تعتبره ”عرينها”. وليس أمام الجزائريين حاليا، من خيار إلا العمل على توفير شروط نجاح الوساطة التي يؤدونها بين أطراف الأزمة السياسية في مالي، لو أرادوا الحد من نفوذ فرنسا التي تستعد لنشر 3 آلاف من جنودها على الحدود المشتركة بين دول الساحل. حرب مالي وفوضى ليبيا وسعت نشاط الإرهاب وتجارة السلاح الجزائر في مواجهة فوضى الحدود بدول الجوار قالت مصادر إعلامية فرنسية إن وزير الدفاع الفرنسي خلال زيارته للجزائر استطاع قياس مدى درجة قلق وانشغال الحكومة الجزائرية إزاء التطورات الأخيرة في كيدال بمالي وبنغازي بليبيا، وفي ذلك رسالة تكون وصلت إلى جون إيف لودريان بأنه لولا تلك ”الحرب” للناتو في ليبيا لما كانت منطقة الساحل ملتهبة وعلى فوهة بركان ولما بلغ انتشار السلاح والإرهاب بمثل هذا المستوى المخيف. إذا كان وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان يريد من الجزائر الإسراع في جمع الفرقاء الماليين حول طاولة المفاوضات، وهو أحد أسباب زيارته للجزائر، حتى يسهل لفرنسا إيجاد مخرج لجنودها من المستنقع المالي، بعدما أثبتت عملية ”سرفال” التي شنتها القوات الفرنسية صواب الطرح الجزائري بأن الأزمة في مالي سياسية قبل أن تكون عسكرية أو أمنية، فإن الأزمة الليبية التي رمت بحممها البركانية على دول الجوار، من خلال انتشار السلاح بشكل غير مسبوق وتحولها إلى ما يسميه الخبراء الأمنيون ب ”ثقب مظلم”، بعد لجوء ”الجهاديين” الفارين من مالي إليها إلى مصدر استنزاف للقدرات الوطنية، بعدما وجدت الجزائر نفسها مجبرة ليس فقط على تأمين حدودها بمفردها ولكن أيضا على التصدي لعصابات تجار السلاح والمهربين والإرهابيين عبر المناطق الحدودية، في ظل عجز وضعف حكومات دول الجوار على الالتزام بمراقبة حدودها. ولم تدفع الجزائر من وراء حرب مالي وليبيا ارتفاع في ميزانية الدفاع والأمن التي تجاوزت 10 مليارات دولار، واضطرت إلى نقل عشرات الآلاف من الجنود باتجاه المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية، بل واجهت أكبر اعتداء إرهابي متعدد الجنسيات حاول الاعتداء على المنشأة الغازية بتيقنتورين، مع ما تسببت فيه من خسائر في الأرواح وفي توقف إمدادات الغاز، وهي فاتورة باهظة سددتها الجزائر بمفردها. ويكفي لمعرفة انعكاسات حربي مالي وليبيا على الجزائر، ما سجلته حصيلة الجيش خلال الفصل الأول من سنة 2014، فيما يخص مكافحة الإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة، حيث تم القضاء على 37 إرهابيا من بينهم 22 إرهابيا خلال شهر مارس المنصرم، واسترجاع أزيد من 46 بندقية حربية من بينها 26 بندقية آلية من نوع كلاشنيكوف و7 بندقيات نصف آلية من نوع سيمينوف و3 قذائف صاروخية من نوع أربيجي 7 ورشاش من نوع ”أفا.أم” إلى جانب بندقيات مختلفة، وتدمير ما يزيد عن 95 قنبلة تقليدية و79 قذيفة مدفعية واسترجاع 46 قذيفة من بينها 37 قذيفة جو-أرض بالإضافة إلى 3 صواريخ جو-أرض وكذا كمية كبيرة من القنابل اليدوية والذخيرة من مختلف العيارات جاءت كلها من وراء الحدود، دون حساب الترسانة الحربية التي حجزتها قوات الجيش في عملية تمنراست يوم 5 ماي الجاري، بعد القضاء على 12 إرهابيا من جنسيات مختلفة. هذه الأرقام الجزئية تعني أن الجزائر واجهت لوحدها فوضى حدود دول الجوار، وهي مرغمة على فعل ذلك، لأنه يمثل عمقها الأمني الذي أريد ضربه من عدة جهات ودول. حوار الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي ل ”الخبر” من الضروري إعادة النظر في عقيدة عدم التدخل في شؤون الآخرين قامت الإستراتيجية الأمنية للدولة الجزائرية على محاربة الجماعات الإرهابية وإبعاد خطرها عن الأراضي الجزائرية، لكن يبدو أن هذا الخطر عائد، هذا يطرح تحديات أمنية جديدة على الجزائر ما رأيكم؟ كان يجب إخراج هذه الجماعات من الأراضي الجزائرية، لكن عوض أن تضعف هذه الجماعات، أصبحت أقوى، بحيث استغلت وجودها في بلدان هشة غير مستقرة لإعادة تنظيم نفسها وتعزيز قدراتها، مستخدمة أموال التهريب والفدى، وضعف التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب. هل عسكرة المناطق الحدودية إجراء كاف لمكافحة هذه التهديدات الإرهابية؟ هو إجراء ضروري، ولكنه غير كاف، لأنه لا يمكن أن تنتظر غيرك أن يؤمّن الحدود مكانك. وفي رأيي، فإن التأمين الحقيقي يقوم على الاهتمام بسكان هذه المناطق الحدودية. من جانب آخر، نلاحظ أن الجزائر اكتفت بدور أمني وعسكري وكأنها قبلت بلعب دور باكستان إفريقيا، في حين أن قوتها ومقدراتها تؤهلها بلعب دور شريك كامل أمنيا. ما هي تأثيرات حرب استنزاف طويلة الأمد تتولاها هذه الجماعات على مقدرات البلد؟ الجزائر تواجه فعلا حرب استنزاف باهظة التكاليف، ومع ذلك لا خيار لدينا والمجهود العسكري ضروري ويجب تحمله، رغم محدودية الوسائل التي بحوزتنا، وفي ظل النفاق الغربي، حيث يرفض تزويد الجيش بالوسائل والتقنيات الضرورية للقضاء على هذه التهديدات. مقابل الجهد العسكري المبذول، هناك ما يوصف بعجز الدبلوماسية الجزائرية عن التعامل مع التغيرات في المنطقة، ألا تعتقدون أن المقاربة الدبلوماسية الجزائرية بقيت حبيسة عقائد قديمة؟ الدور الجزائري تراجع إفريقيا في السنوات 14 الأخيرة، ولم نشهد ولا زيارة دولة لدول منطقة الساحل، في حين قام الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد ب37 زيارة دولة، ووزير الخارجية الأسبق لم يضع أقدامه في دول المنطقة إلا نادرا خلال السنوات ال8 التي قضاها على رأس الوزارة، بعكس الوزير الحالي الذي يحمل هموم المنطقة. يجب أن نعترف أن الجزائر لم يعد لها وزن في إفريقيا، وهي تدفع ثمن السياسات الخاطئة وقلة إدراكها للتحولات. انظر ما يحدث في مالي، بعض قوى المعارضة ترفض وساطة الجزائر، وفي ليبيا خسرنا ود الشعب الليبي حين تصورنا أن القذافي سينتصر. ما هو البديل وما هو المخرج من هذا الوضع؟ من الضروري إعادة النظر في سياستنا الإفريقية، والعمل على وجود سياسي وأمني مكثف وإطلاق استثمارات مباشرة، في مجال الاتصالات والبنوك، وإعادة النظر في عقيدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، لأنه لا يخدم مصلحة الجزائر. أي عقيدة لا تخدم مصالح بلد، يجب تغييرها بعقيدة جديدة. ويبدأ هذا بالمشاركة في قوات دولية وقوات إفريقية، ومحاربة الإرهاب حيث يكون، وإلا استنزف قدراتنا وأموالنا ونحن ننتظره على حدودنا. الجزائر: حاوره جمال فنينش رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة إبراهيم بولحية ل”الخبر” الجزائر تحمّلت ولا زالت تتحمّل الفاتورة نلاحظ في الفترة الأخيرة تعزيزات أمنية متزايدة على الحدود الجنوبية للجزائر لمنع انتقال السلاح والاضطرابات إلى عمق التراب الوطنين، هل تعتقدون أن عسكرة المناطق الحدودية هو الحل؟ توظيف كلمة العسكرة ليس مناسبا لاستقراء الوضع، لأن هذه المناطق جزائرية وهذه الإجراءات تعني الإقليم الوطني فقط، ولم تتعد الحدود، ومن الضروري وضع سياسات أمنية مناسبة لمواجهة التهديدات. هذا دور الدولة لحماية حدودها وشعبها وهي تقوم بما هو مناسب، بالموازاة مع دورها في تنمية المناطق الحدودية. قامت الإستراتيجية الأمنية للدولة الجزائرية على محاربة الجماعات الإرهابية وإبعاد خطرها عن الأراضي الجزائرية، لكن يبدو أن هذا الخطر عائد، هذا يطرح تحديات أمنية جديدة، ما رأيكم؟ التهديد الإرهابي ليس جديدا، والجزائر تحمّلت ولا زالت تتحمّل الفاتورة وتتكفل بأعباء مواجهة مثل هذه المخاطر الظاهرة تحد مفروض على العالم ككل. هذا التهديد تزايدت حدته في ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة، وأمام عجز الدبلوماسية الجزائرية عن قراءة صحيحة لهذه التحولات والاستجابة للتغييرات، ما رأيكم؟ الفوضى في المنطقة ليست حديثة العهد، وتزايدت بعد ما يعرف ب«الثورات المحمولة جوا”، أو التي يصطلح عليها بثورات ”الربيع العربي”، ثم أن التدخلات الأجنبية والغربية زادت في تأجيج الأوضاع المتفجرة وغير المتحكم فيها. والجزائر تحوز على السبق في تنبيه العالم إلى حقيقة المخاطر التي تواجهها المنطقة، وأن الأمور ستزيد تعقيدا بشكل يصعب التحكم فيها، كما بذلت ما بوسعها لإيجاد حلول وإطلاق حوار بين المتخاصمين، ومدت يدها للأشقاء في المنطقة لإيجاد حلول وإبعاد خطر التدخل الأجنبي. وماذا تحقق إذا؟ الجزائر لم تقل أبدا أنها وضعت حدا لكل المشاكل، وهي تسعى لإيجاد الحلول المناسبة بالتشاور مع الأطراف المعنية، دون فرض حلولها، هي تلعب دور المسهل فقط. وأؤكد أن الجزائر لم تتخل عن إفريقيا، والمسؤولون الأفارقة يقولون بهذا. كيف تقولون بدور جزائري في المنطقة، في حين أن بعض القوى والأطراف ترفض وساطتها في النزاعات الداخلية التي تعيشها، فمالي عادت إلى الحرب الأهلية؟ هناك واقع جديد على الأرض بوجود عسكري غربي، والجزائر ليست فاعلا لوحدها في المنطقة، ومع ذلك فدورها قائم وجاد لحل النزاع لتعزيز الأمن الداخلي للبلد ومختلف دول الجوار، بشكل يساعد على تأمين الجزائر أيضا. ومن النكران القول بغياب الجزائر عن الساحة الإقليمية في مالي أو غيرها، فالرئيس المالي الجديد ومختلف أطراف النزاع مثلا والقوى الغربية قبلوا بدور جزائري وطالبوا به، وما يصدر عنهم ليس مجاملات دبلوماسية، لأن في مصالح الدول والجماعات لا توجد للمجاملات قيمة. الجزائر: حاوره ف.جمال