''الصحافة هي السلطة الرابعة'' عبارة سمعناها كثيرا ولكنها تبقى مجرد حبر على ورق في الجزائر، بالرغم من أن مهنة المتاعب تعد أساسية في مختلف دول العالم ولها أهمية كبيرة للتحكم في الأوضاع وتوجيهها لخدمة أغراض وأهداف وطنية أولخدمة السلطة أو الجهة المالكة للصحافة. وقد عرفت الصحافة في السنوات الأخيرة تطورات لا يستهان بها في وسائل الاتصال، من أقمار صناعية وشبكات الأنترنت التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، مما أتاح الفرصة للصحفيين نقل أدق تفاصيل الخبر وآخر تطوراته لحظة بلحظة، والتعليق عليه وتحليله على الهواء مباشرة من موقع الحدث. غير أن هذا التقدم لم يزد الصحفي الجزائري سوى البؤس لغياب أي قانون يحدد واجبات الصحفي ويحمي حقوقه في آن واحد. ونشير في هذا الإطار إلى مرسوم حالة الطوارئ، ثم قانون العقوبات المعدل في جويلية 2001، حيث تم تشديد العقوبات على جنح الصحافة لا سيما القذف في حق رئيس الجمهورية والمسؤولين السامين في الدولة. بين الضغوط والتهديدات بالإضافة إلى القوانين التي تسجن الصحفي عقابا له على كتاباته، يفتقد رجال الإعلام أدنى حماية في ممارسة مهنتهم المضنية، فنجد أن الصحفي مازال عرضة للتهديدات عقب كل مقال من طرف المستهدف عبر الهاتف أو الفاكس قبل أن يجد الصحفيون أنفسهم حقيقة محل متابعة بمجرد ذكر كلمة فساد في أي موضوع. فلا داعي لذكر عدد الصحفيين الذين وقفوا أمام قاضي التحقيق، أو ذاقوا مرارة السجن أو تعرضوا لعدة مضايقات عقب تلقيهم استدعاءات. ولا تتوقف معاناة الصحفي عند الخطوط الحمراء، بل تجده يعيش مآسيَ أخرى، تأتي في مقدمتها ضغوط طبيعة العمل في قاعات التحرير أو قلة الوسائل، وهذا لضيق مكان العمل وضيق الوقت أو ضيق هامش الحرية، في غياب قانون يلزم الناشرين احترام مقاييس تحديد مكان المقر وظروف العمل داخله مثلما هو العمل به لفتح روضة للأطفال أو مدرسة خاصة. ضف إلى ذلك عدم مواكبة الدولة لتطور الأسرة الإعلامية وتزايد عدد الصحفيين لتشييد دار للصحافة تؤويهم في ظروف لائقة. معاناة الصحفي لا تتوقف عند هذا الحد، فهو لا يجد نفسه مضايقا في قاعة التحرير والمحاكم والسجون فقط، بل إن للصحفي حياة خاصة مريرة وشاقة، فهو يواجه على غرار باقي أفراد المجتمع وضعا اجتماعيا مريرا. فالصحفي المدافع عن المواطن للحصول على سكن والمندد بالقوائم التي تحمل أسماء أبناء المسؤولين، والناقد للوضع والناصح، إن صح التعبير، لا يجد من يحميه ويدافع عنه أو يرعى مصالحه كالحصول على سكن مثلا. فالكثير منهم يعانون الويل لإيجاد شقة للكراء بأسعار حارقة إن وجدت. فغالبا ما نجد الصحفيين يتعاونون في ستة أو سبعة لدفع أجر شقة صغيرة من غرفتين بعيدة عن مقر عملهم، ناهيك عن الضروريات الأخرى. وبالإضافة إلى أزمة السكن فإن الصحفي لا يتوفر على راتب يسمح له باقتناء وسائل الاتصال كالحصول على حاسوب محمول أو الاشتراك في الإنترنت بالبيت للاطلاع على الأخبار، لكون أجرة الصحفي لا تتعدى في أحسن الحالات 300 أورو. واختلطت حسابات الصحفيين وحسابات المالكين للعناوين الخاصة. فلم يعد يهم تحسين الرواتب التي لا تخضع لمقاييس موحدة بين مختلف العناوين. كما لم يعد مهما تشجيع المدراء الذين يتغاضون عن مكافأة السبق الصحفي أو إجراء تحقيقات تكلف صاحب الجريدة. قد تعطي هذه النبذة نظرة عن واقع مرير للصحافة عموما، يختلف تقديرها من عنوان إلى آخر، وهذا حسب حصة كل عنوان من الإشهار الذي يبقى محتكرا من طرف الحكومة مثلما تحتكر المطابع التي تعرف اكتظاظا كبيرا لتعدد العناوين.