منذ أن بدأت ريح الغرب تكوي القلب مع هبوب عواصف ثلجيّة وأمطار طوفانية لم يسبق لها مثيل منذ عقود وماخلفته من هبات جحيم بالنسبة لعامة الخلق، ظهرت في الصحف على الأقل دعوات وطنية تقول فيما معناه لكل الذين تجرأوا على نقد دولة البؤساء التي يحكمها السعداء في الليالي الظلماء دون كهرباء (وماء) وغاز وشموع، ”لا للتدخل في شؤون الطقس” والأحوال الجوّية (والمعيشية)؟ ··· مع ريح الغرب!!
بالمناسبة واحد من السعداء وهو معروف باسم محمد سعيد العماري، جنرال متقاعد والذي رحل مؤخرا، يكون قد شاهد في تلك الأيام بأم عينه هذه الدولة الهشة، على غرار غير السعيد سعيد سعدي·
والسعداء ممن ذكرت وممن لم أذكر ممّن لم يأت الدور عليهم في التغيير بواسطة عزرائيل وليس بغيره، يبذلون حاليا قصارى جهدهم من أجل ألا تظهر دولتهم التي شيدوها لنا في نحو عشرين عاما كدولة جنوب السودان الذي استقل حديثا يتقاتل فيها العريان مع العريان على قارورة غاز بوتان أو دلو بنزين، بعد أن كان الاقتتال قبل العاصفة مستعرا حول الإسكان بتنظيم اعتصمات أو قطع طرقات أو حرق النفس بالنار (والنار على أية حال خير من العار)، والفرق بين عاصفة هذا العام الثلجيّة الاستثنائية وشتاء أو حر الأعوام الماضيّة، أن هذه الأخيرة لم تكشف فقط عربدة ”الأميار” والمقاولات في أعمال الحفر وإعادة الحفر والاستهتار في أعمال الطرقات، مما يستوجب جمعهم وترحليهم نحو السجون· ولم تكشف أيضا هشاشة الدولة برمتها بعد أن أصبحت عارية كمن هو في الحمام لاتملك شيئا، مع استحواذ الأعوان والرعيان على مقدراتها باسم القانون تارة، وباسم الحق (التاريخي) المضمون على أساس أنها ضيعتهم، أو باسم شعار كل شيء قابل للقسمة!
إنما تلك العاصفة كشفت ضعف مايسمى تجاوزا بالمواطن ومجموعهم اسمه ”شعب” لايشبع ولايقنع ولايقتنع، بعد أن خرج كما صورته دولته ”نفسي نفسي وبعدي الطوفان!
فكيف تتصور أن دولة فيها أكثر من خمسين حزبا و 50 ألف جمعية غير سياسية ليس لها وجود في الميدان، وكأنها جمعيات تشبه جمعيات المتسولين في مصر يجمعها تنظيم وزعيم! ولعل هذا الزعيم يلتقي بكبار المسؤولين!
فهذا الغياب الكلي مؤشر خطير على كون إصلاح الدولة غير ممكن في غياب المفتاح! ألم يقولوا لنا مثل أن المواطن هو أساس الأمن وما ”البوليسي” إلا الأداة! وبالطبع لايمكن تصور ذلك في ظل توزع هذا المواطن أساسا في كتلتين: ”بيزنست” ولو بيع سرواله وهو في الطريق أو ”حيطيست” أي ممن يستند على الحائط·
اتقاء البطالة وتضييها للوقت، وبالمناسبة أيضا هذا الموقف يحسدنا عليه بعض جيراننا في تونس فهم يقولون إن هذا الجدار الذي يستندون إليه ربما كان غير موجود عندنا أصلا! لكن اليونانيين وهم قوم كانوا أول من بعثوا الفلسفة ويمرون الآن بمرحلة إفلاس لايتكئ فيها البطال على الحائط إنما يهيم بوجهه يتأمل المارة ويجوب الطرقات، حتى إذا أصابه إعياء عرج نحو دار رحمة أو مسنين وربما أكل ونام! وليس غريبا أن تسمعوا أن جمعيات عندهم وعند غيرهم من الجيران يسعفون الفقراء بما أمكن، بما فيها بناء المساكن والتي حيرت الأذهان في دولة ينجبون فيها حسب متواليات هندسية ولايبالون لأنه قدر محتوم!
حالة جويّة مغاربية!!
قبل أيام نزل علينا ضيفا الرئيس التونسي الجديد منصف المزروقي، ومن جملة ماقام به على طريقة إذا صاحت الأغنام أي بمعنى عادت تغثو عرفت بعضها البعض أن الرجل ترحم على روح الفقيد يوسف فتح الله في قبره وهو المحامي الذي اغتالته أيادي خفية غادرة إرهابية، كما تقول الرواية الرسميّة، ربما لأنه لم يحكم بالعدل وهو الذي أنشأ وترأس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان! فإذا كان راشد الغنوشي، رئيس حركة النضهة التونسية قبله قد زار عائلة المرحوم محفوظ نحناح، اعترافا بفضله يوم ساندة حين قام غيره بإذلاله ومطاردته، تكون مسألة الاعترافات بالجميل على سبيل أنصفوا عزيز قوم إن ذل قد بانت بشكل ساطع، فالإسلامي يساند الإسلامي والحقوقي يساند الحقوقي·
هذه الزيارة ذكرتها على سبيل الحصر وليس الذكر، لأن المرزوفي وهو دكتور في الطبّ ومناضلّ حقوقي، حظي بعدة تكريمات دوليّة في مجال حقوق الإنسان (والحيوان)، شكك مثلا في الإعلام السوري حين سئل ذات مرة، معتبرا بأنه لايثق حتى في الأخبار التي يوردها حول الأحوال الجويّة!
مع أن أحوال الطقس عموما وليس حكرا على جهة، باعتبار أنه ليس به حدود (كالريح) وتحتكر المعلومة الرئيسية والصحيحة مصالح الأرصاد الجوية الأمريكية والأوروبية بشكل خاص، وهذا بالاعتماد على الأقمار الصناعية! وما المصالح الوطنية كالسورية أو الجزائريةوالتونسية إلا مجرد ناقل، وناقل الكفر (أو أخبار المطر والحجر) كما يقولون ليس بكافر!
فما الجدوى مثلا في تحريف نشرة الأخبار الجويّة – إن فرضنا بالقول أن التحريف يشمله أو على الأقل لغة الحطب والخشب (الأحمر)! قد يكون الهدف حسنا ومقبولا لكي لايخشى الناس مثلما خشي عندنا هؤلاء ذات عام يوم كسوف الشمس فدخلوا إلى بيوتهم كالنمل في وقت تمتع فيه بقية العالم بمنظر طبيعي قلما يتكرر، أو مثلما فزعوا بعد أن سمعوا نقلا عن مدير ولائي للري مؤخرا مع العاصفة الحالية أن سدّا ما امتلأ عن آخره، مما يهدد بالفيضان، وهو ماجعل هؤلاء يهيأون أنفسهم للفرار أو لصنع فلك على شاكلة فلك نوح عليه السّلام! ودعوة إلى المزروقي والحالة الجوية (المغاربية) إذا سلما بأنه حقوقي أصلا وفصلا، كما أثبتت زيارته لقبر رجل قانون، لم يخطر في بال السلطة الجزائرية أبدا بأن يكون محل مزار، فماذا يمكن أن يكون رأيه الحقيقي في مسألة التجربة السياسية الجزائرية خلال العشريتين السابقتين؟ الرئيس التونسي المزروقي سئل في هذه المسألة انطلاقا من تصريح كان أدلى به خلال زيارة سابقة لطرابلس قال فيه مامعناه إن توقيف المسار الانتخابي كان خطأ وأنه كان سببا في سقوط آلاف الضحايا وحصول خسائر رهيبة· وهذا الكلام لايختلف تماما عما قاله الرئيس بوتفليقة نفسه في الأيام الأولى من توليه الرئاسة، حين صرح بأن توقيف المسار الإنتخابي كان أول عمل عنيف، والعنف يولد العنف وبالطبع كذب المرزوقي ما قوّلوه ماسحا ”الموس” في الإعلام الليبي، وربما فعل ذلك من باب اللباقة ومراعاة لكرم الضيافة، لأن النظام الذي تحدث عنه لم يتغير، فلماذا يريد إعلامنا إحراج كل قائل يريد أن يقول الحق، أو مايعتقد بأنه حق وفي نفس الوقت يريد هذا الإعلام ومعه جانب من الرأي العام (مشتق من راي وهران) الوقوف ضد الآخرين الذين يريدون أن يحشروا أنفسهم في موضوع الأحوال الجوية السيئة ومافعلته في البرية؟
هذا السؤال يمكن طرحه من باب أن نفس السلطة التي تشجع غيرها على عدم التدخل في الأحوال الجوية (الداخلية)! من كون نفس الجهة هي التي تريد أن يتدخل غيرها وتحديدا الفرنسيون في شؤونها الداخلية، فكيف نفسر مثلا هرولة وزير الخارجية مراد مدلسي نحو لجنة الشؤون الخارجية في ”السينا”، أي البرلمان الفرنسي لكي يشرح وجهة النظر الرسمية في الأزمة الليبية بعد أن أبهر الموقف الجميع! وكيف نفسر حاليا هرولة وزير المالية كريم جودي نحو الأكاديمية الديبلوماسية الدولية لكي يحاضر حول السياسات الاقتصادية والمالية للجزائر التي لم يفهما أحد منا· وقد يكون الفرنسيون هم الوحيدين الذين يفهمونها!
وهذا الرأي مرده ما قاله مدير صانع السيارات رونو و(نونو) وهو من أصل لبناني من أنه لن يكون هناك مصنع في الجزائر، وإن كان هناك مصنع في الجزائر، على اعتبار أن السوق محمية فرنسية ومحتكرو التجارة الخارجية ممن عوضوا الدولة، لا يهنأون إلا إذا هل عليهم فرنسي! فهذه المسائل الجدية التي تقدم عروضا مجانية للتدخل في الشؤون الداخلية ليست تدخلا في نظر السلطة وتوابعها، إنما التدخل إذا جاء مع الأحوال الجوية ورفع الناس المظلات قبل أن تمطر في موسكو التي ينتظرها ربيع وفي باريس!