تحمل الذكرى الخمسون لاسترجاع الاستقلال التي تحتفل بها الجزائر قريبا، طابعا خاصا تميزه عودة الحديث عن ضرورة سن قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي، ودفع باريس إلى الاعتراف بأنها أساءت إلى الشعب الجزائري كشرط لبعث العلاقات السياسية بشكل أفضل. وإن كانت الجزائر أطلقت برنامجا خاصا للاحتفال ب«الخمسينية» يتضمن إقامة سلسلة ندوات فكرية وتاريخية وإصدار كتب وإنجاز أفلام وثائقية وسينمائية، فإن فرنسا استبقت الحدث وجندت مختلف القنوات التلفزيونية لإعطاء وجهة نظر «خاصة» و«مصلحية» حول الثورة الجزائرية أو «حرب الجزائر» كما يحلو لها تسميتها. وضمن هذا الإطار، يقول المؤرخ والباحث محمد الأمين بلغيث في حديث ل«البلاد» إنه لو كان مسؤولا عن الجزائر لقطع العلاقات مع فرنسا لمدة قرنين من الزمن، وذلك لأن باريس لا تزال حاضرة في الخطاب السياسي إلى يومنا هذا، وهي التي تحتاج إلى الجزائر اليوم وليس العكس. ولأنها قامت بتدمير خمسة أجيال من الجزائريين منذ عام 1830 إلى غاية استرجاع الاستقلال سنة 1962 «أقول على لسان جميع المؤرخين إن فرنسا قتلت منا ما يزيد على 10 ملايين ونهبت خيراتنا واستولت على خزينة الداي، وهو كلام موثق من طرف الفرنسيين أنفسهم في دراسات أرشيفية»، على حد قوله. ويرى محدثنا أنه إذا أردنا إقامة علاقات مع الفرنسيين يجب على باريس أولا أن تعيد إلينا ممتلكاتنا وأموالنا ورؤوس شهدائنا وثوار منطقة «الزعاطشة»، وأن تعتذر للذاكرة المشتركة، وأن يشمل الاعتذار تعويضا يمتد من عام 1830 إلى غاية استرجاع الاستقلال». ووصف الدكتور بلغيث وصاحب كتاب «الجزائر في بانغدونغ» العلاقات الجزائرية الفرنسية من سنة 1962 إلى اليوم بشبه المتوترة، موضحا «لا تزال فرنسا تعتبر الجزائريين إلى يومنا هذا مجرد أهالٍ.. أو من تسميهم بالأنديجان». ويعتقد باعتباره باحثا ودارسا في التاريخ، أن فرنسا الاستعمارية تبقى بالنسبة للجزائر والجزائريين عدو الأمس واليوم والمستقبل، وكل من يريد أن يمد يده لمصافحة الفرنسيين عليه أولا أن يحسب ألف حساب لعشرة ملايين من الشهداء الذين قضى عليهم جيش الاحتلال»، مضيفا «أقول ما قاله العرب.. تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها». ومضى محدثنا بلهجة الغاضب قائلا «إذا مددنا أيدينا إلى فرنسا فذلك خيانة للشهداء.. أعتقد أن فرنسا هي التي تحتاج إلينا وإلى أراضينا وخيراتنا.. إلى فولنا وبقولنا وتمرنا.. فرنسا لم تجد لشركاتها المفلسة مكانا تحت الشمس إلا في الجزائر.. هم يحتاجون بترولنا وغازنا وشبابنا لتجديد المجتمع الفرنسي العجوز». وفي السياق ذاته، أكد الدكتور محمد الأمين بلغيث على ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها التي يقول إن الجزائريين لن يغفروا لها ذلك لأن الماضي جزء لا يتجزأ من بناء الحاضر والمستقبل»، موضحا «لا يمكن لأي أمة أن تلعن ماضيها حتى لو كان أسود، فما بالك بماضي الجزائر المشرق.. علينا ألا ننسى جرائم فرنسا، والذين فشلوا في إصدار قانون بسيط يجرّم الاستعمار فليتعلموا من دروس الأمير عبد القادر وبن مهيدي وعبان رمضان الذين أعطوا الاحتلال الفرنسي درسا لن ينساه». من جهته، يرى الوزير والسفير السابق والكاتب كمال بوشامة، في حديث ل«البلاد»، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد خمسين سنة على استرجاع الاستقلال يجب أن تكون متطورة أكثر مما هي عليه الآن، وذلك على جميع الأصعدة والمجالات السياسية والثقافية والاجتماعية. ويقول صاحب كتاب «رسالة إلى رونيه» إن ما يجمع البلدين هو «صفحة كبيرة وطويلة تمنينا أن تكون ناصعة البياض خاصة إذا ما غيرت فرنسا موقفها تجاه الثورة الجزائرية، وما عاناه شعبها على مدار ما يفوق القرن.. كنا نتمنى أن يتخذ الفرنسيون موقفا جليا كتلك المواقف التي اتخذت عبر العالم، وتعترف بأنها أساءت إلى الشعب الجزائري». ويعتبر كمال بوشامة أن هناك مصالح مشتركة بين الجزائروفرنسا خاصة الاقتصادية، ولكن ما يهم، حسبه، هو الجانب السياسي التقديري، حيث إن هناك مسائل كثيرة عالقة بين البلدين يجب توضيحها للجيل الجديد الذي لا يجب أن يعيش ب«تركة قاتمة». ويواصل محدثنا «فرنسا نسيت أنها اغتصبت الجزائر وجردتها من سيادتها الوطنية، وأن كفاح الشعب الجزائري كان ردا على كل تلك الاعتداءات. وركزت على وصف كفاح الجزائريين بالإرهاب والقمع.. كما نسيت أن تقول إن كل هذا هو رد فعل ناتج عن قمع الجزائريين، فهذا العنف قد يكون ثقافة عند الشعب المضطهد». وعن ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها، يرى الوزير والدبلوماسي السابق أنه من الضروري إصدار قانون يقضي بهذا، موضحا «أنا مع الناس الذين يطالبون بتجريم الاستعمار الفرنسي على أعماله الشنيعة في حق الجزائريين». اعتراف فرنسا بجرائمها مسألة رمزية غير مجدية من ناحية أخرى، يعتقد الكاتب محمد ساري في حديث ل«البلاد»، أنه على البلدين تجاوز ما يسمى ب«العنف»، وذلك لبناء علاقات ثنائية جزائرية فرنسية قائمة على الكرامة ومبدأ الند للند بالنظر إلى الروابط الاقتصادية والمصالح المشتركة بين الجزائر ودول الغرب وفرنسا على وجه التحديد. وقال المتحدث إن «فرنسا لا تزال تسير المصالح الجزائرية الاقتصادية من خلال المؤسسات الاستثمارية التي تؤتي ثمارها هنا في الجزائر»، مضيفا أنه على الجزائر تجاوز الإيديولوجيا التي قد تجعلها أول الخاسرين لأن فرنسا دولة قوية اقتصاديا وعلاقاتها أقوى مع دول أخرى للجزائر مصلحة معها أيضا. ويرى المترجم والأستاذ بجامعة الجزائر أن مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها مسألة رمزية وليست مجدية، معتبرا أن الجزائر لم تنجح في كتابة تاريخها والتأريخ لثورتها «ما قمنا بكتابته نحن مجرد خطابات جوفاء سطحية تخلو من الثوابت والشهود والبراهين.. أما فرنسا فقد نجحت في التأريخ لثورتنا أفضل منا بكثير»، على حد تعبيره.