أبدا ليست مفاجأة لأحد أن نسمع بظهور عريضة “شعبية" تطالب رئيس الجمهورية بوقف بناء “جامع الجزائر"، حيث يثير المشروع، منذ إطلاقه، ردود فعل عنيفة من قبل بعض التيارات التي تجندت خلف الأرسيدي، أو تطوع الأرسيدي للتعبير باسمها ضد مشروع الجامع الأعظم. والغريب أن هؤلاء المعارضين لم يسمع لهم صوت في قضايا أخرى تتعلق بالمال العام ولا بقضايا الفساد ولا بفضائح التسيير، وركزوا فقط على الأموال التي ستضيع على الجزائريين في بناء مسجد جديد! وكما يقال فرب عذر أقبح من ذنب، ذلك أن مبرر معارضي بناء “جامع الجزائر" لم يخرج عن الدعوة إلى استثمار المليار أورو في بناء مساكن ومستشفيات وغيرها من المرافق الحيوية.. هذا الكلام كان مقبولا، لو أن الجزائر تفتقد الأموال اللازمة لبناء تلك المرافق الحيوية، وكانت دعوات هؤلاء ستعتبر في محلها لو أن الجزائر لا تملك إلا مليار أورو ووجهته لإقامة جامع. نعم لو كان هذا هو الواقع، لكنا جميعا قد وقفنا ضد صرف المليار أورو في بناء مسجد.. لكن الحقيقة غير هذا تماما، وأنصار العريضة (الإلكترونية) المطالبة بوقف المشروع، إنما استغلوا دعوى حاجة الجزائريين إلى سكنات ومستشفيات وغيرها للطعن في مشروع الجامع، لأنهم لا يملكون الشجاعة الكافية للإفصاح عن مبرراتهم ومنطلقاتهم الحقيقية ضد مشروع الجامع الأعظم. لو كان هؤلاء حريصين فعلا على حاجة الجزائريين إلى مساكن ومستشفيات لتوجهوا مباشرة إلى رئيس الجمهورية وطالبوا بتخصيص مبلغ مماثل لما خصصه لمشروع الجامع، وتوجيهه إلى ما يرونه مرافق حيوية أكثر أهمية من الجامع.. الجزائر تملك 186 مليار دولار من احتياطي الصرف، فلماذا لم ير هؤلاء إلا “المليار الواحد" الذي خصص لبناء الجامع، ليطعنوا في توجه الدولة، لماذا لم يطالبوا باستثمار هذه الأموال المكدسة في مشاريع “حيوية" مثلما يقولون، أم إن الهدف يكمن فقط في التشويش على جامع الجزائر؟.. ولماذا لم ينتبه هؤلاء إلى الأموال التي تصرف (الآن) في بناء سبعة ملاعب جديدة في كل من براقي والدويرة بالعاصمة، وسطيف وتيزي وزو ومستغانم ووهران وقسنطينة، وقيمة هذه الملاعب مشتركة تقارب أو تفوق مليار أورو، لماذا لم يطالبوا بوقف بناء هذه الملاعب وتوجيه هذه الأموال لبناء السكنات والمستشفيات، وغيرها؟ أم أن المساكن والمستشفيات (وغيرها) لا تصلح إلا إذا كان أموالها موجهة بالأساس إلى بناء الجامع؟ لسنا ضد بناء الملاعب الضخمة، بل إننا نطالب بذلك، ليس فقط الملاعب، إنما المسارح وقاعات السينما والمتاحف والمكتبات والجامعات، وكل المعالم الكبرى التي تعكس تطور المجتمع وتقدم البلد. كنا نعتقد أن عهد الإيديولوجيات البالية قد ولى إلى الأبد، وأن المفاضلة بين الاختلافات إنما تتم بالأفكار والإبداعات ومشاريع التقدم، لكن هذه العريضة “الإلكترونية" أكدت لنا خطأ هذا الحساب، ولذلك فلا نملك إلا أن نقول لبوتفليقة: لا تلفت إلى هؤلاء..