خاتمة الأئمة والحفاظ من أكابر المحدثين والفقهاء في تاريخ مصر الإسلامية، ومن علماء الأمة المتبحرين في فنون كثيرة مثل الحديث والتفسير والفقه واللغة والتاريخ والأدب، هو العلامة الفذ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن عثمان الخضيري الأسيوطي الشافعي، ولد سنة 849ه 1445م بأسيوط في صعيد مصر لأسرة ذات وجاهة ومكانة، وقد توفي والده وهو دون السادسة فأسندت وصايته إلى جماعة من العلماء، وأبدى الصبي ذكاءً وتفوقًا في الحفظ فحفظ القرآن وهو في الثامنة، وبعدها أقبل على دراسة العلم من كل باب وهو في الخامسة عشرة أي في سنة 864ه، وجلس لعلماء زمانه، ولزم شيخ الإسلام علم الدين البلقيني حتى وفاته، ثم شرف الدين المناوي حتى وفاته، وقرأ اللغة والبديع والأصول والتفسير على الشبلي والكافيجي، وقد بلغ عدد شيوخه 51 شيخًا، هذه غير رحلاته العلمية إلى الشام واليمن والحجاز والهند والمغرب والتكرور. يعتبر السيوطي بحرًا زخارًا في التصنيف والتآليف، فلقد شرع في الكتابة والتأليف وهو في السابعة عشرة من عمره وواصل التأليف حتى وفاته، وقد بلغت مصنفاته حوالي 450 كتابًا معظمها مطبوع مشهور، ورزق التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع، ولما بلغ أربعين سنة، لزم التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى وأعرض عن الدنيا وترك المناصب والوظائف وتفرغ للتأليف والعبادة ففتح الله عز وجل عليه في التأليف فأخرج كنوزًا للمكتبة الإسلامية. كان الأمراء والأكابر يأتون لزيارته ويقدمون إليه الهدايا والأموال فلا يقبلها، وقد أهداه السلطان الغوري هدية عظيمة فلم يقبلها، وكان لا يتردد إلى أحد من السلاطين أبدًا وينهى عن ذلك على عادة العلماء الربانيين، وقد توفي رحمه الله ليلة الجمعة 19 جمادى الأولى سنة 911ه 18 أكتوبر 1505م، بالقاهرة عن عمر يناهز الثانية والستين. الجدير بالذكر أنه مما يؤخذ على السيوطي رغم تبحره في العلوم؛ ميله الظاهر للتصوف وتبرئته لابن عربي من الكفر والإلحاد رغم كثرة من قال بذلك من العلماء، ولكن لا أحد يسلم من زلات وهفوات وكما قيل: الكمال عزيز.