تحاملت بعض الوسائط الاعلامية العربية على الجزائر ولم تجد حرجا في نشر ما تسميه ب " تحاليل " الخبير الاسرائيلي دانيال نيسمان، حول سر حصانة الجزائر امام رياح " الربيع العربي " ، وعلاقاتها الاستراتجية مع مختلف القوى الفاعلة في العالم، ولو تعلق الأمر بموقع " ميدل أست أونلاين " المقيم في لندن، لفهم الأمر بما أنه لا يمكن تحديد أصل وفصل وأجندة وخلفيات أي وسيلة اعلامية، لكن أن تسارع " الغد " الأردنية الى اعادة نشره، فذلك يعزز الدور المشبوه لبعض ملكيات الشام والخليج فيما يعرف بالربيع العربي، لأنه في الوقت الذي تتغاضى فيه عن انفجار الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الأردن على خلفية رفع الحكومة لدعم المواد الطاقوية، تشهر سهامها لطعن الجزائر، متناسية دور الجزائر القومي في ماضي وحاضر الأمة العربية والاسلامية، ومن كان يسرب أسرار اجتماعات القادة العرب الى تل أبيب قبل أن تنتهي. وفي تحليل دانيال سميث الموسوم ب " الجزائر- أمريكا.. العلاقة الملتبسة "، هلل ميدل أست اونلاين والغد الأردنية للربيع العربي، وكشف ضمنا الى الأيادي الخفية التي تريد توظيف الرغبة في التغيير السلمي والدمقراطة، لحساب أجندات باتت مكشوفة النوايا والأهداف في تفكيك أوصال العالم العربي واثارة الفوضى والفتن المفضية الى الارتماء في أحضان القوة " المستغلة الناعمة ". المحلل الاسرائيلي يتساءل عن سر ما أسماه " بدعم الولاياتالمتحدة من لآخر دكتاتورية باقية في شمال إفريقيا "، والتي يصادف أنها حليف متحمس بقوة لنظام الأسد، في وقت تقوم فيه بخطب ود إيران أيضاً؟ ويجيب: " ربما يكون ذلك لاعتبارات يرجح أن تكون وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، قد أخذتها بعين الاعتبار واحتفظت بها في عقلها الباطن خلال مباحثاتها الأخيرة التي أجرتها في الجزائر مؤخراً، حيث كان هذا البلد هو المحطة الشمال إفريقية الوحيدة التي حطت فيها في طريقها إلى منطقة البلقان ". ويضيف: " بينما بقيت الجزائر أكثر قليلاً من مجرد نقطة مضيئة على شاشة رادار الإعلام الدولي، فقد حلقت أهميتها الاستراتيجية في عنان السماء بعد الربيع العربي، وفي أعقاب سقوط الدكتاتوريين العلمانيين في عموم شمال إفريقيا ". ويصف الجزائر " بنظام بوتفليقة المدعوم من الجيش كآخر حليف لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب على الإرهاب، في وقت تحتاج فيه الولاياتالمتحدة إلى كل الأصدقاء الذين تستطيع الحصول عليهم ". ويرى نيسمان الذي يدير أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية في تل أبيب، أن محادثات كلينتون يوم 29 أكتوبر في الجزائر حشد الدعم لصالح التدخل الأجنبي في شمالي مالي، في أعقاب قدوم سلسلة من الوفود العسكرية الأميركية رفيعة المستوى إلى ذلك البلد في الشهور الأخيرة. كما استهدفت زيارة كلينتون ترويج صفقات اقتصادية مع الجزائر، وعلى نحو خاص مع مؤسسة الكهرباء العامة. ويضيف: "وكانت الجزائر قد عارضت من الناحية الأولية فكرة التدخل العسكري في شمالي مالي، غير أنه وافق من حيث المبدأ على دعم حملة عسكرية هناك كملاذ أخير في أعقاب المباحثات". ويقول: " كانت الجزائر قد اضطلعت بدور رئيسي في لجم التشدد الإسلامي في إفريقيا، مما أدى إلى هرب العديد من إسلامييها إلى مالي في الأعوام الأخيرة في أعقاب حملات أمنية شُنت عليهم في طول البلاد وعرضها. ومنذئذٍ، عمد الجيش في الجزائر إلى بذل أقصى الجهود من أجل وقف التهريب عبر الحدود، بما في ذلك من الجارتين ليبيا ومالي " . ويصر المحلل الاسرائيلي الذي تبركت بهم يدل أست والغد الأردنية على النيل من الجزائر بالقول: " نظام بوتفليقة المدعوم من الجيش يعد من بين آخر الدكتاتوريات العلمانية التي تبقت في المنطقة في أعقاب الربيع العربي. وبينما كانت لا تحظى بشعبية على نطاق واسع في داخل دوائرها الانتخابية، فقد عرفت أنظمة مبارك وبن علي والقذافي بتبنيها سياسات تتضمن شن حملات صارمة ضد صعود المشاعر الإسلامية، وضد المتشددين الإسلاميين. ولم يفض انهيار هذه الأنظمة إلى تمكين الفصائل الإسلامية سياسياً وحسب، لكنه مكّن المتشددين الراديكاليين من الاستيلاء على أسلحة، وفتح طرق للتهريب تتجاوز الحدود في غمرة الفراغ الأمني الناجم." ويبرز نيسمان قلق المخابرات الاسرائيلية من استقرار الجزائر لاختلاق نبوءات عن انفجارات مستقبلية في الجزائر بالقول: " وبينما تستمر الجزائر في التعايش مع حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي- الاقتصادي، فإن نظام البلد، إلى جانب القوات الأمنية يبقيان في الجزء الأعظم مسيطرين على الأوضاع، مع وجود القليل من الفرص لاندلاع انتفاضة جماهيرية منظمة في المستقبل القريب ". وذلك بالرغم من اعترافه بقدرات الجهاز الأمني في الجزائر راهناً بالتحكم في الوضع الأمني " هو الأكثر خبرة وقدرة في المنطقة في مجال محاربة التطرف الإسلامي، الأمر الذي أفضى إلى قيام روابط متزايدة مع الولاياتالمتحدة. وكان من شأن هذا التعاون العسكري مع الولاياتالمتحدة، أنه قاد إلى تعزيز قدرات الجزائريين في مجالات جمع المعلومات الاستخبارية، وتوفير الدعم التكنولوجي اللازم لتعقب المتشددين في المناطق النائية أو الجبلية التي يعرف بأن الإسلاميين المتشددين قد أرسوا فيها قواعد لهم ". ويزدرئ المحلل موقف الجزائر من دفاعها عن الخيار السياسي في الأزمة المالية، بالدفاع عن مصالح النظام السياسي وليس البلاد وبالقول: " وبينما يظل نظام بوتفليقة ملتزماً بشدة وحزم بملاحقة وكبح التشدد الإسلامي، فإنه يستمر في التصرف في سياق الحفاظ على استمرارية حكمه الخاص في الجزائر. ومن المرجح أن يظل النظام، والحالة هذه، متردداً في تشجيع أي عملية عسكرية في شمالي مالي، والتي من شأنها أن تكون لها تداعيات، مباشرة أو غير مباشرة، على استقراره الداخلي". ويضيف: " ومنذ هروب الإسلاميين الجزائريين إلى شمالي مالي، نجحت القوات الأمنية الجزائرية في منع عودتهم إلى البلد بشكل كبير. وقد تتسبب عملية عسكرية من أجل استعادة السيطرة على شمالي مالي في هروب المتشددين وسعيهم للعثور على قواعد جديدة لعملياتهم، بما في ذلك النيجر وموريتانيا، والعودة إلى الجزائر". وبالإضافة إلى ذلك يقول: فإن مشاركة القوات الجزائرية في هذه العملية ستفضي إلى زيادة التهديد بوقوع الهجمات الانتقامية من جانب المتشددين المتمركزين في مالي، ومن جانب المتشددين المتمركزين محلياً على حد سواء، بما في ذلك في المناطق الجزائرية الغنية بالنفط وفي المنطقة الساحلية الشمالية الشرقية. وأخيراً، سوف تضع المشاركة في عملية عسكرية مزيداً من الضغوط والأعباء على نفقات الحكومة، وهي نفقات تسببت كثرتها في إثارة قلاقل اجتماعية-اقتصادية في عدة قطاعات بسبب خفض مساعدات الدعم وارتفاع أجور القطاع العام. ويضيف مدير استخبارات في مؤسسة "ماكس" للحلول الأمنية، وهي مؤسسة استشارات في المخاطر الجيوسياسية، تتخذ من الشرق الأوسط مركزاً لها: " ونظراً لذلك، من المرجح أن تكون أي مشاركة جزائرية في حملة تدخل عسكرية في شمالي مالي محدودة، على الرغم من الضغط الدبلوماسي الذي يرجح أن تمارسه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على البلد. وفي الأثناء، تظل الولاياتالمتحدة معتمدة على استمرار نظام بوتفليقة للحفاظ على الاستقرار في الجزائر التي تعد سابع أضخم مزود للنفط للولايات المتحدة، ولاعباً رئيسياً في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبيك". وعليه، فإن الروابط الاقتصادية والعسكرية الأميركية ستساعد على الأرجح في إبعاد شبح أي زعزعة للاستقرار، والتي ربما يقوم بها متشددون محليون أو تنشأ عن قلاقل اجتماعية – اقتصادية. ويعترف بدور الجزائر الاقليمي الذي يقلق اسرائيل، ويظهر مقاربته المتضاربة في توظيف الطائفية في نشر الفتن في العالم العربي بالقول: " ولعل مما يسلط المزيد من الأضواء على مدى اعتماد الولاياتالمتحدة على الجزائر، تردد الولاياتالمتحدة في الضغط على نظام بوتفليقة للانضمام إلى الائتلاف الدولي ضد نظام الأسد. وبينما تبقى الجزائر دولة مسلمة سنية في جزئها الأكبر، فإنها امتنعت عن دعم الثورة ذات القيادة السنية في سورية، على عكس ما فعلت أنظمة عربية أخرى في المنطقة. وهكذا، تنظر الحكومة الجزائرية المدعومة من جانب الجيش إلى حملة نظام الأسد بوصفها جهداً مشتركاً للجم التشدد الإسلامي، وهي اتجاهات قد يعاد التركيز عليها في الجزائر في حال تم إسقاط نظام الأسد. وقد أسهمت روابط الجزائر مع نظام الأسد في تدفئة علاقاتها مع إيران، بما في ذلك تعزيز التعاون المتزايد في قطاع الطاقة ". ويتحسر في الأخير نيسمان والأبواق التي تلقت سيلا من الردود المستغربة والمنددة، سواء من القراء الجزائريين أو العرب وحتى الأردنيين بالقول: "وفي الحقيقة، وعلى الرغم من وجود عدد من الأفيال السياسية في ركن اجتماعات كلينتون مع بوتفليقة، فإن الولاياتالمتحدة لا تستطيع ببساطة تكلف مؤونة نتف ريش آخر دكتاتورية في العالم العربي."