تعقدت أزمة حزب جبهة التحرير الوطني بشكل غير مسبوق، فيعدما كان الانسداد حاصل على مستوى اللجنة المركزية فقط، انتقل الانسداد إلى النواة الضيقة التي تدير الحزب في ظل شغور منصب الأمين العام للحزب، ممثلة في المكتب السياسي. فبعد قرار أغلبية المكتب السياسي بسحب الثقة من منسق المكتب، عبد الرحمن بلعياط، على خلفية القرارات الانفرادية التي اتخذها بخصوص تعيين ممثلي الحزب في هياكل المجلس الشعبي الوطني، متجاوزا الأعراف التي دأب الحزب على اتباعها، وهي الانتخاب بداية من السنة الثانية، رد عليهم بلعياط بالهروب ورفض عقد أي اجتماع للمكتب في الظرف الراهن، بعد أن اصبح هو ومن يسير غلى جانبه أقلية. ومعلوم أن كل وزراء الحزب الأعضاء في المكتب السياسي، في صورة الطيب لوح وعبد العزيز زياري ورشيد حراوبية وموسى بن حمادي وعمار تو، إلى جانب أعضاء آخرين في المكتب مثل حبيبة بهلول وليلى الطيب، في حين لم يتبق مع بلعياط، سوى عبد الحميد سي عفيف وعبد القادر زحالي وعبد القادر مشبك، أربعة فقط من مجموع 14 عضوا في المكتب، في حين يبقى المنصب الآخر شاغرا بعد سحب الثقة من بلخادم. وكان آخر اجتماع للمكتب السياسي يعود إلى ما قبل ستة أشهر، بعد شغور منصب الأمين العام، ومنذ ذلك الحين ظل عبد الرحمن بلعياط يقول إنه يدير شؤون المكتب باعتباره العضو الأكبر سنا، وقد كان يجتمع مع بعض الأعضاء في لقاءات بقيت غير رسمية في ظل النزاع الدائر حول أهلية تسييره للحزب. غير أن انزلاق الحزب في أزمة جديدة بعد التعيينات التي قام بها بلعياط لتمثيل الحزب في هياكل المجلس، دفع أغلبية أعضاء المكتب للخروج عن صمتهم، والاجتماع في العشرين من جويلية، كي يضعوا النقاط على الحروف، ويقرروا كما جاء في البيان الذي أصدروه عقب اللقاء، رفض كل القرارات التي اتخذها بلعياط باسم الحزب، قبل أن تتم الدعوة لعقد لقاء للمكتب السياسي يومين بعد ذلك، غير أن ذلك قوبل بالرفض من طرف عبد الحمن بلعياط، ليتم بعدها برمجة لقاء آخر للمكتب السياسي السبت المقبل، سواء حضر المنسق او لم يحضر، بحسب مصادر في المكتب السياسي. وتسبب هذا القرار في خروج عبد الرحمن بلعياط عن صمته، من خلال بيان وزع على الصحافة، ذكر فيه أنه هو الوحيد القادر على دعوة المكتب السياسي للانعقاد، باعتباره، كما جاء في البيان، هو الرجل الأول في الحزب حاليا، في ظل شغور منصب الأمين العام للحزب، الذي مضى عليه أكثر من نصف العام. كما أكد عدم إمكانية تنظيم اجتماع المكتب السياسي السبت المقبل، بحجة وجود بعض الأعضاء في الخارج، لكن من دون أن يسميهم، واقترح موعدا بعد عيد الفطر المبارك، فيما بدا أنها محاولة لربح الوقت، وكذا اللعب على عامل الزمن، على أمل أن يحدث انشقاق المعارضة المتنامية ضده والتي تتمتع بأغلبية أعضاء المكتب، مشيرا إلى أنه يرفض نتائج اجتماع السبت في حال قرر خصومه الاجتماع دونه. وبهذا تكون عوائق انعقاد دورة للجنة المركزية لانتخاب أمينا عاما جديدا للحزب قد انسحبت على المكتب السياسي، وهو ما يؤشر على أن أزمة الحزب العتيد باتت تفاقم أكثر من أنها تتجه نحو الانفراج، في وقت تقترب البلاد من استحقاقات على قدر كبير من الأهمية.