تزامنت عودة الحديث عن صحة الرئيس، ومحاولة تنسيقية الانتقال الديمقراطي وقطب التغيير الترويج لشغور منصب الرئيس، مع نشاط رئاسي غير عادي بكل المقاييس، غير عادي من حيث أن الجالس على كرسي متحرك يُحرك السياسة والإعلام في الداخل والخارج من خلال زيارات رسمية يؤديها له رؤساء ورؤساء حكومات، بدعوة منه شخصيا. نشاط رئاسي غير عادي أيضا ، من حيث شكل النشاط الرئاسي وترتيباته من منظور "الايتيكيت" الدبلوماسي، وكيفية استقبال الوفود الرسمية ومن يتولى الأمر نيابة عن الرئيس، وغير عادي من حيث كثافة هذا النشاط في الأسبوعين الأخيرين، بعيدا عن الرسائل التي يبعث بها بوتفليقة إلى ملوك ورؤساء العالم في مناسبات محسوبة سلفا. غيّر الرئيس نظرة معينة، في الخارج قبل الداخل، حيال ما يمكن لرئيس مقعد فعله، في وقت يشن معارضوه هجوما غير ثابت على نفس الكلام والموقف، فتارة يطالبون بتفعيل المادة 88 من الدستور التي تعني شغور منصب الرئيس لأسباب صحية، ومرة يشنون هجوما إعلاميا بناء على خبر تنقل الرئيس إلى الخارج للعلاج، وباريس نفسها ساكتة عن الأمر برمته، وفي هذا رسالة لصالح الرئيس، وضد من يقولون إن فال دو غراس عنصر مساعد على تحريك مطلب خرجت به المعارضة في الآونة الأخيرة وهو تنظيم رئاسيات مسبقة، وحتى هذا المطلب يبدو أنه يذوب شيئا فشيئا لسببين: نشاط الرئيس في المدة الأخيرة وظهوره المتواتر على شاشة التلفزيون الحكومي، واستقبال الضيوف الرسميين من رؤساء ووزراء ورؤساء حكومات، وثانيا ما قاله الحقوقي مقران آيت العربي، وهو معارض عارض مطلب الرئاسيات المسبقة بطريقة قانونية وقال للمطالبين بها إنها من صلاحيات الرئيس، فسكت من قال بها ولم تعد حصان طروادة. في الآونة الأخيرة حرك بوتفليقة أرمادة من الوزراء نحو باريس، لعقد اتفاقيات ورسم تحالفات، وافتكاك مطالب تاريخية نادى بها "الافالان" وغيره، ولكن هذه المرة بطريقة "رابح، رابح"، التي يهواها عبد المالك سلال، العائد من هناك باعتراف ضمني بجرائم فرنسا عن التفجيرات النووية في الصحراء وقبول باريس أخيرا تعويض ضحاياها، مقابل تعويض الجزائر للأقدام السوداء، وهذه هي "رابح رابح"، التي أعلنت في الاقتصاد والاستثمار (مصنع رونو بوهران مثلا)، وزحفت نحو السياسة والتاريخ المشترك بين البلدين. وبين هذا وذاك ما زال بوتفليقة فاتحا باب قصر المرادية لرئيس اليونان ورئيس وزراء اثيوبيا، وفارنسوا هولاند الذي دعاه سلال لزيارة الجزائر رسميا، وقبله رئيس حكومة ايطاليا، والأمير القطري، ووفود من الشرق والغرب، على السواء، في ظاهرة نشاط رئاسي لم يقم به بوتفليقة قبل الأزمة الصحية.