الجمعة 13 من كل سنة، يوم يعتبره الأوربيون مصدر شؤم، وفيه يمتنع الكل عن الخروج و يفضلون الانزواء في بيوتهم، خشية جلب المصائب لهم، وبرز التشاؤم عندهم مند العصور القديمة إذ كانوا يعتبرونه طقسا من طقوس الشر أو اللعنة التي تصيب صاحبها حين يقوم بشيء خاطئ، وتنعكس الصورة عند الجزائريين الذين ورثوا التشاؤم أو التطيّر من أجدادهم، الذين يتمسكون بالعادات القديمة البالية، يراها بعضهم مجرّد خرافات ويجدها معظمهم واقعا لا مفرّ منه، فهل التشاؤم عند الجزائريين حقيقة أم خرافة؟. جيجل.. تشاؤم من العروس والخيل والبندقية الحاجة زكية، ربة بيت مصابة بالشلل النصفي، التقينا بها في إحدى الصيدليات، تقول: "التشاؤم حقيقة مرت بها كل عائلتي من الجدّ إلى أحفادي، فهو حقيقة ووراثة من أجدادنا، أنا مثلا اعتدت على هذه الفكرة منذ أن كنت عروسا، ففي منطقتنا بجيجل نتشاءم من ثلاثة أشياء، العروس، الخيل والبندقية، فإذا دخلت البيت واحدة من الثلاثة ووقع أي مرض أو فاجعة بتشاؤم منهم، نطلق العروس أو نطمر البندقية أو ننحر الخيل"، واستطردت قائلة: "مازال النحس يطاردني إلى يومنا هذا، عمري 65 سنة ومازلت أؤمن به، رغم أن زوجي الذي حجّ إلى بيت الله يدعوني دائما إلى تجنب الشؤم وينصحني بالصدقة تجنبا لأي مكروه، أحاول في كل مرة تطبيق نصيحته، ولكن صدقيني يا ابنتي كل ما أقوله لكي عن تجربة مررت بها في حياتي، لدرجة أنني كلما تفاءلت بشيء يسبقني تشاؤم"، تسكت العجوز ثم تواصل: "مؤخرا اشتريت نعلا وكنت قد رأيته عند امرأة مريضة فتشاءمت منه، لكني في اليوم الذي انتعلته أصبت بكسور، عندها حملته وتصدقت به مباشرة". "النحس والتشاؤم حقيقة ورثناها من أجدادنا" من جهته أبدى أحمد، شاب ينحدر من مدينة سطيف رأيه في الموضوع، وأفصح عن إيمانه التام بالتشاؤم بعدما أطلق ضحكاته ليقول " التشاؤم أو النحس واقع موجود لدى العرب، خاصة عندنا نحن الجزائريون، يتساءل مبتسما: "العين والحسد موجود والتشاؤم غير موجود؟، بلا فهو بكثرة، أنا مثلا أكبر تشاؤم لدي هو من جارتي سامحها الله...كلما تأهبت للخروج صباحا، أطلت علي من الباب وترمي الماء لتسألني "وين" بصوت عال، ويعتبر هذا السؤال "وين" عندنا نحن السطايفية مصدر شؤم، يقول أجدادنا "إذا نادى وراءك أي كان صباحا وأنت متأهب للخروج سائلا إياك "وين"، فما عليك إلا الرجوع، فلا حظ يحالفك في ذاك اليوم ولا توفيق في شغلك بعد ذاك السؤال. كل شيء توفق أي كما نقول "الضبيح عليك" يجلب الشؤم، وهذا ما يحدث لي مع الخالة الله يسامحها، ولأني أخجل أن أصدها أصبحت اختفي وأخرج خلسة منها، مضيفا " ولا يقتصر التشاؤم على ذلك، فلقائك قطا أسودا عند مغادرة المنزل والمقص عند فتحه، النعل المقلوب وتدفق الملح في البيت، وغير ذلك مما يتشاءم منه أجدادنا، ويقولون أن ذلك ينبأ بشجار سيقع، وهي اعتقادات من أجدادنا أصبحنا ندركها نفسيا قبل أن تحدث. وليس التشاؤم أو النحس موجود عند الشيوخ أو العجائز فحسب، وإنما لفئة الشباب كذلك منها نصيب. "معدناش الزهر.. عبارة نزعت من روحي التفاؤل" عبد الله، طالب جامعي في قسم اللغات، أكد من جهته على وجود التشاؤم في الحياة عن تجربة، يقول عن صديق دائم التشاؤم" إنه مصدر شؤم لي، حتى ولوكان تطير فعن تجربتي أنصحكم بالابتعاد عن مرافقة الشخص الكثير الشكوى والتذمر، أنا شخصيا كان لي صديق دامت زمالتنا سنة، كل هذه المدة كان كثير التشاؤم واليأس والتذمر، كان يتحسر على كل صغيرة وكبيرة تمر بحايتنا، مرددا بكثرة (معندناش أنا وأنت الزهر)، لدرجة ألصق بي شؤمه، حيث كانت كل مشاويري التي أقوم بها لا تنجح، ولأن خبرة أمي في التشاؤم ليست جديدة، نصحتني بالابتعاد عنه أو قراءة المعوذتين في حالة رؤيتي لصديقي، لقد نجح في حياته وأنا مازلت أثابر لكي أصل، ورغم كل هذا ما زال يبحث عن الحظ كلما رآني"، صدقيني أصبحت أخافه، فهو مصدر شؤم لي بذاته و"ربي يغفر لي". "الشؤم .. حقيقة لا خيال" أشواق صاحبة 29 سنة، موظفة وخريجة كلية الإعلام والاتصال، ذات مستوى ثقافي، تقول متحسرة بعد تنهيدة عميقة " التشاؤم موجود لدى النساء أكثر من الرجال، تضيف " إذا تشاءمت من امرأة فما عليك إلا تجنبها كما يقال "الخير امرأة والشرّ امرأة"، موضحة على أنها كانت في السابق مخطوبة لمدة سنتين، وكلما حانت مناسبة دينية لجلب لها المهيبة من أهل العريس، بكيت أختها كثيرا قبل أن يحضروا، وحين خروجهم من البيت تردد "معنديش الزهر". حتى أنها تقوم بارتداء ملابس أختها العروس التي ارتدتها لاستقبال أهل العريس، وتشرب من كأس العريس، ولا تكف عن هذا، بل تعبس وجهها وتقفل الباب على نفسها مرددة" إن شاء الله أتزوج وأخرج قبلك، لدرجة أن الفتاة المخطوبة أصبحت تخاف من أختها وتشاءمت وأصبح كابوسا لها يراود منامها،تحلم بأختها وهي ترتدي حذائها يوميا، تضيف أشواق قائلة " أنا صادقة، فبعد كل هذا أصبحت أتشاؤم في كل مناسبة وبالفعل فسخت الخطوبة بدون سبب، وأختي تزوجت في مدة لا تزيد عن شهر بعد فسخي لخطبتي، ورغم أنها أم لطفلين اليوم، إلا أنني أقرأ المعوذتين كلما زارتنا . "تفاءلوا خيرا تجدوه" محمد ياسين، بائع عطور، عارض التشاؤم جملة وتفصيلا، مؤكدا أنه يحيا على تفاؤل كبير، مؤكدا على أنه خرافة ومرض نفسي للإنسان، ليصف المتشاءم بالشخص الفاشل، ويتساءل " كيف لشخص يعجز في أمر ما ويرى نجاح غيره أن يرمي عليه شؤم الغير؟". أما زكي عون نظافة التقينا به في محطة ميترو بحسين داي، يقول: "لا أبالي بالتشاؤم، وحتى وإن كان موجودا بالفعل وأمقت التطير والمتطيرين، فقد أنزل الله لأنبيائه التفاؤل قبل التشاؤم لقوله تعالى"لهم البشرى في الحياة الدنيا" سورة يونس، الآية 64، فكيف لنا أن نتشاءم بعد ذلك؟، ولو كان الفرد مثقفا دينا مؤمنا بقدر الله خيره وشرّه، لرأى أن أشياء كثيرة تصادفنا في حياتنا، ليختم قوله: "التشاؤم تطير من خرافات نسجت في الخيال، وما على الفرد سوى الاستدلال بكتاب الله الحكيم.