يعيش الكثير من الأشخاص في المجتمع الجزائري، عبيدا لاعتقادات وتفسيرات معينة للظواهر الطبيعية، أو لتخيلات وهمية تتحكم في سير يومياتهم، وتوجههم في الكثير من المواقف والقرارات، رغبة في جلب الخير، وخشية الوقوع في المصائب، ورغم ان هذا يدخل ضمن التطير الذي ينهى عنه ديننا الإسلامي، إلا أن الظاهرة انتقلت إلى أنماط سلوكية تلبسها الفرد الجزائري، لتعطيه في الكثير من الأحيان صفة الساذج الذي يؤمن بأن "الملح ينور". فبالرغم من التطور الحاصل داخل المجتمع الجزائري، غير أن هذا الأخير لم يشفع للجزائريين للتخلص من الخرافات والأباطيل التي لازالت تتلاعب بمسار حياتهم اليومية، ولم نلمح له ظلا في الحياة اليومية لهم، بمختلف أعمارهم، وتباين مستوياتهم العلمية. فمن المعروف، أن السلوكيات "الخزعبلاتية" تصدر في جل الاحيان عن أشخاص ذهب عنهم الوعي والمنطق، وراحوا يبنون أسس حياتهم على أشياء ومعتقدات غير واقعية، ما دفع بالكثرين إلى العيش في حياة ملؤها الخوف والوهم، بكامل وعيهم وإرادتهم ، وفي أحيان كثيرة، تؤثر عليهم المتاهات التي خلقوها بأنفسهم ولأنفسهم، ليبقوا رهائن عالمهم الذي بادروا إلى تشكيله. والتطير على اعتبار أنه واحد من الظواهر الغريبة التي تكتسح المجتمع الجزائري منذ القديم، ولم يعد بما كان ذلك الاعتقاد المشؤوم بشخص معين أو بحدث معين أو تاريخ معين، بل أصبح هذا الأخير الشغل الشاغل لأصحاب الوسواس، وضعفاء الشخصية، وأضحى الكثيرون يمارسون طقوس غريبة، بهدف إبعاد النحس والعين عن منازلهم، وذلك عن طريق طرق تبدو للمثقفين من الناس من أول وهلة عادات لا تمت للواقع المعاش بصلة. ثقافة شعبية متشبعة باللا واقع تقول الخالة مسعودة التي يتجاوز سنها 60 سنة، أنها لا تتفاءل البت برؤية قط أسود، عند خروجها من المنزل، لأن في ذلك ما ينبئ بيوم ليس فيه خير، وستصادفها عديد المشاكل قبل ان تقضي أعمالها، هذا إن قضت أصلا ما خرجت لأجله. وعن التشاؤم والتطير تقول "رتيبة " 26 سنة، معلمة بأن التطير كان خاصا بجيل الماضي، ولكنه ما لبث أن عاد واستقر وضرب بجذوره في وقتنا الحاضر، رغم كل التطورات التي وصل إليها الإنسان، وما زاد الطين بله بالإضافة إلى معتقداتنا أصبح الجزائريون يؤمنون بمعتقدات تخص مجتمعات أخرى كالقط الأسود والبومة، وتضيف فضيلة أن زوجة عمها تتطير من ابنتها الصغيرة، فهي عندما أنجبتها طلقها زوجها وعمر الفتاة بضع أشهر، ليس لأنها فتاة أنجبت قبلا 3 أولاد، ولكن لسوء تفاهم بينهما، وبعد طلاق 3 سنوات عادت إلى زوجها، ولكنها إلى الآن لا تحب ابنتها ولا تتفق معها وهي الآن بنت العاشرة وتربيها الجدة . الوسواس هو مصير المتطيرين من جهته، يقول مراد 30 سنة أن عائلته تؤمن بطقوس كثيرة، فوالدته لا تعير للجيران مثلا قدرا، أو مقصا، أو إبرة لأنه باعتقادها نذير شؤم، بالإضافة إلى ذلك وان قدر لنا واعرنا احد هذه الأشياء يجب أن يكون ذلك مقابل دينار بقيمة رمزية. أما عبد الله، 22 سنة فيقول أن رؤية شخص لا يحبه في الصباح الباكر حتما سيجلب الشؤم له، وغيره كثيرون ممن يعتقدون بهذا المعتقد، ويقولون "ما ربحتش عليه هاذ الصباح"، أو "يادرا على من صبحت اليوم ؟". نوادر الاعتقادات.. تلغي التفاسير العلمية بتفاسير الشعبية من الناحية العلمية تعتبر الاختلاجات التي يشعر بها الإنسان من حين لآخر، واحدة من الظواهر العضلية التي تنتاب الفرد فجأة وبطريقة لا إرادية، وقد صنفت ضمن أحد أنواع العلوم، التي تبحث عن اختلاج الانسان، وكذا على مختلف الأحوال التي ستنجر عليها. و لكن ...اختير لهذه المظاهر الكثيرة، التي تنتاب جسم الشخص خلال لحظة ما، طريقا محايدا تماما لطريق العلم، لتسترسل العجائز خاصة في استحضار أو إعطاء مجموعة من الشروحات المتوارثة سماعيا من عند الأجداد، عن التفسيرات الشعبية والتطيرية في غالب الأمر عن هذه الظواهر. فإن شعر الإنسان بحكة على مستوى يده اليمنى، فلا تفسير آخر يقف أمامه للجزم بأنه سيقبض مبلغا من المال، وكأنه يريد أن يقنع نفسه بأن المال سيدخل جيبه دون عناء منه، وعلى النقيض تماما، إذا ما شعر بحكة على مستوى يده اليسرى، فهنا تكمن الفاجعة، حيث أنه سينتابه تفكير بأن لا احد سيقف أمامه لصرف كل ما أوتي في جيبه. ولا يقف الأمر عند ذلك، حيث توجد قواعد شعبية أخرى، تنص على منع بعض السلوكيات أو التصرفات العفوية والعادية لدى الإنسان، فمثلا احذر ان تحك أنفك أمام عجوز طاعن في السن، لأنها ستنبؤك بلا شك بأن أحدا من معارفك سيموت، أما إن قمت بحك ذقنك فتفسير ذلك أنك ستتلقى دعوة من شخص ما إلى مناسبة أو وليمة. "ليسر ينصر و ليمن ينطر" هو واحد من الأمثلة الشعبية المتداولة وبكثرة في الجزائر، وإن عدنا الى تفسيره فلا يكاد يخلو هو الآخر من التطير، حيث يعني انك إذا احسست بحكة في حاجبك الايسر فهذا دليل قاطع على وجود اناس يغتابونك، اما اخوه الأيمن فيعني أن أناسا يذكرونك بخير. التطير موجود منذ الزل.. والجميع يؤمن به يرى أساتذة علم النفس، أن سلوك التطير موجود منذ الأزل، وعند عامة الناس بما فيهم أصحاب المال والقصور، ذلك أن النفس البشرية حسب علماء النفس وقبل أن تصل إلى ما وصلت إليه، هي في الأصل عبارة عن كومة من المشاعر والوساوس، والتطير –حسبهم- هو سلوك مكتسب حتما، فكل يورثه لأولاده دون قصد، فهم يرون الأولياء في خوف دائم كما يذكرون لهم مما يخشون فيتعلم هؤلاء منهم.