رغم التطورات التي حظي بها الجزائريون إلا أنهم لازالوا يعتقدون بخرافات وأباطيل لازالت تتحكم بمسار حياتهم، مثل ظاهرة التطير التي تتزايد في وقتنا الحاضر بسرعة رهيبة وأخلت بالحياة الهادئة البعيدة عن هذه الخزعبلات. سلوكات مختلفة تصدر عن أشخاص ذهب عنهم الوعي والمنطق وراحوا يبنون أسس حياتهم على أشياء ومعتقدات غير واقعية، الأمر الذي جعل الكثير منهم يعيش في حياة ملؤها الخوف والوهم وتؤثر عليهم في أحيان كثيرة المتاهات التي صنعوها بأنفسهم وبقوا محجوزين بداخلها . من التطير العادي إلى الطقوس الغريبة رغم انتشار الكثير من الاعتقادات في مجتمعنا الجزائري إلا أن التطير لم يعد ذلك الاعتقاد المشؤوم بشخص معين أو بحدث معين أو تاريخ معين، بل أصبح هذا الأخير الشغل الشاغل لأصحاب الوسواس وضعفاء الشخصية وأضحى الكثيرون يمارسون طقوس غريبة . لإبعاد الشؤم عن المنازل سواء كان ذلك عند السحرة والمشعوذون أو عند الرقاة الذين أضحت مهنتهم تدر أموالا طائلة . وفي هذا الصدد تقول "سعيدة"46 عاما أنها لا تتفاءل عند رؤية شخص كان لها معه حادثة سابقة، بمعنى أنها رأته سابقا وحدث لها مكروه بعد رؤيتها إياه، وقد حدث لها ذلك مع جارتها، فعندما رأتها في أحد الأيام في الصباح الباكر وكانت أول من قالت لها صباح الخير، عندما توجهت إلى العمل حدث لها مشكل هناك استمر أيام عديدة، ما جعلها تنسب ما حدث لها من شؤم إلى جارتها وهكذا بقيت تتفاداها خاصة في فترات الصباح، ضف إلى ذلك فهي لا تحب أن ترى أحدا إلا بعد مرور الفترة الصباحية . أنواع من التطير هناك أمثلة وأنواع كثيرة عن التطير الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من كيان المجتمع الجزائري، فمثلا: التشاؤم من رؤية شخص معين أو من رضيع، ولكن الآن تجاوز التطير إلى معتقدات أوروبية مثل التشاؤم من الرقم 13، ومن رؤية القط الأسود و البومة . وعن التشاؤم والتطير تقول "فضيلة " 28 سنة موظفة أن التطير كان خاصا بجيل الماضي، ولكنه ما لبث أن عاد و استقر وضرب بجذوره في وقتنا الحاضر رغم كل التطورات التي وصل إليها الإنسان، وما زاد الطين بله بالإضافة إلى معتقداتنا أصبح الجزائريون يؤمنون بمعتقدات تخص مجتمعات أخرى كالقط الأسود والبومة، وتضيف فضيلة أن زوجة عمها اخدت التطير من ابنتها الصغيرة، فهي عندما أنجبتها طلقها زوجها وعمر الفتاة أشهر، ليس لأنها فتاة أنجبت قبلا 3 أولاد، ولكن لسوء تفاهم بينهما، وبعد طلاق 3 سنوات عادت إلى زوجها، ولكنها إلى الآن لا تحب ابنتها ولا تتفق معها وهي الآن بنت العاشرة وتربيها الجدة . الوسواس هو مصير الاعتقاد بالتطير يتطير الناس من الأشخاص الذين يجلبون لهم السوء، ويفعلون المستحيل من اجل تجنبهم وعدم الظهور أمامهم، ولكن كل هذا الحرص قد يتحول إلى وسواس قهري يهدد استقرار المعيشة . وفي هذا الصدد يقول "مسعود ،ع" ماجستير علم الاجتماع أن التطير يجلب الشك والوسواس خاصة وان الجزائريين يعيشون في تجمعات متقاربة فالجيران يكونون عادة جنبا إلى جنب ما يمنع الخصوصية لدى الكثير منهم، حتى أن أسرار البعض يعرفها البعض الآخر، ولو كان التباعد لما كانت كل هذه الشكوك. ومن الناحية النفسية تقول "فطيمة،ن" أستاذة علم النفس أن هذا السلوك موجود منذ القدم، فالتطير موجود منذ عصور غابرة ووجد عند عامة الناس وكذا لدى أصحاب القصور، فالنفس البشرية قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه ماهي إلا كومة من المشاعر والوساوس، كما أن التطير سلوك مكتسب حتما فكل يورثه لأولاده دون قصد فهم يرون الأولياء في خوف دائم كما يذكرون لهم مما يخسون فيتعلم هؤلاء منهم . التطير موروث يؤمن به الكثيرون من جهتها تقول "ليندة،ح" 26 سنة أن عائلتها تؤمن بطقوس كثيرة فوالدتها لا تعير أبدا قدرا أو مقصا أو إبرة فهذا نذير شؤم، بالإضافة إلى ذلك وان قدر لنا واعرنا احد هذه الأشياء يجب أن يكون ذلك مقابل دينار بقيمة رمزية، وتضيف ليندة أن جدتها قبلا ووالدتها الآن وهي حتما ستفعل ذلك فهن لا يقمن أبدا بتنظيف أرضية المنزل بعد خروج الضيوف بل حتى يتأكدوا تماما من وصولهم إلى منزلهم. أما "الهام" 22 سنة فتقول أن رؤية شخص مكروه في الصباح الباكر حتما يجلب الشؤم خاصة إذا كان اليوم بشعا جدا فالكثير يقولون :"ماربحتش عليه هاذ الصباح " أو "يادرا على من صبحت اليوم ؟". التطير الخاص بالعروس وطبعا للعروس مكانها من هذه الخرافات فالكثير من العائلات تربط مصائب تحل بها بعروس قدمت إلى منزل الزوجية حديث وعلى هذا الأساس اثرث موضوعنا "دليلة" 21 سنة طالبة جامعية التي أكدت قائلة :"في الحقيقة نحن لا نؤمن كثيرا بهذه الخرافات، ولكن فعلا عندما خطبنا لخالي كل مرة نذهب لخطبة هذه الفتاة نتعرض لحادث فالخطبة الأولى تعرضنا لحادث في الطريق وعند قطع الشرط كذلك وعندما ذهب أهلي لتحديد موعد العرس كذلك، ماجعل الأمر يسوء، وبعد ذلك لم تدم علاقة خالي بها، فعلا كان ذلك تطيرا لكنه حدث". الساعة والخياطة أما "إيمان"23 سنة طالبة جامعية فتقول :"لقد نبهتني جدتي وأمي منذ صغري من عدم الخياطة في فترات الظهيرة متحجبة بأنني سأنجب في المستقبل أطفالا صلع".بالإضافة إلى هذه التطيرات هناك من يتطير من أكل اللبان ليلا فتقول "هند":" نحن تعلمنا منذ الصغر أن لا نأكل اللبان في الفترات المسائية والليل فيقولون أننا نأكل عظام الموتى ولهذا السبب نحن ننفذ هذه الأوامر ". 5 أكتوبر و21 ماي أو تطير العصرنة، فالجزائريون اليوم يتطيرون من تاريخ الخامس أكتوبر في كل سنة وذلك نسبة لما حدث في 5 اكتوبر 1988، رغم مرور 21 سنة على هذه الحادثة، كما يتطير الجزائريون عامة من هذا الشهر ويسمونه شهر الكوارث .أما 21 ماي فيخاف الجزائريون من قدومه وذلك منذ زلزال 21 ماي 2003الذي خلف وراءه خسائر جسيمة فيخاف "محمد.ع" كثيرا من قدوم 21 ماي حيث أكد لنا في حديث معه انه كاد أن يجن عندما حدثت الكارثة وقد تابع كثيرا عند الطبيب نفسي حتى خرج قليلا من حالة الكآبة التي كان يعيشها وبقي إلى اليوم يتطير من هذا اليوم. تعزيز الإيمان استفحل التطير في مجتمعنا منذ سنوات كثيرة، ولكنه الآن في تزايد مستمر وبنسبة رهيبة تستدعي الوقوف عندها ولكن ما يجدر القول والتصريح به هو أن الأمية ساهمت كثيرا في دعم معتقدات خرافية وخزعبلات لا أساس لها من الصحة.ومن جهة أخرى يفتقر أغلبية الشعب الجزائري إلى قوة الإيمان ناسين التوكل على الله، ومستبدلين آياته عزوجل بخامسات بكل الأحجام، فصحيح أن هناك العين وهي حق ولكن التطير حرام كما ذكره رسولنا الكريم في أحاديثه.