يحتفل المسرح بيومه العالمي يوم غد الموافق ل27 مارس من كل سنة، فيتفتَح العالم على برامج مختلفة مكمَلة لمشاريع المسرح المتواصلة لديهم، غير أنه يكاد أن يكون غائبا عن نواة الحياة عندنا، رغم بروز بعض المختصين في مجال كتابة الدراما المسرحية، ورغم التحسن الذي شهده واعتماده على جذب الجمهور، إلا أنه تراجع وانحصرت قاعات العرض وغاب دوره الحقيقي، وهو لا يزال في مسار من أجل الوصول إلى الخشبة الحقيقية. وقد عرف المسرح الجزائري الكثير من الصعوبات ومر بمراحل تاريخية متعددة ورغم أن هذه المراحل كانت قصيرة إلا أن كل واحدة منها تتميز بصفات خاصة تعطيها طابعها المستقل عن المرحلة التي سبقتها وتعود أولها إلى سنوات العشرينات، لكن إن تحدثنا بتعداد الوقت القريب فإننا سنعود إلى سنوات الستينات والسبعينات، فظهر عز الدين مجّوبي، عبد القادر علّولة، وغيرهم، لكن لم يتعود عليه أحد خلال العشرية السوداء، فالأعمال التي كان المعلمون يقرّرونها آنذاك والتي يدرجونها ضمن فترة النشاطات في مختلف المستويات خلال التسعينات لم تكن بالقدر الكافي، دون التغاضي على أنها كانت تؤجل في بعض الأحيان بل وتلغى في أغلبها، وكلما مر الوقت قلت النشاطات في المدارس حتى أصبحت غائبة تماما. وللأسرة دور أيضا في دعم هذا التجاهل لهذه الثقافة التي استطاعت الجزائر التميز فيها بعد الاستقلال، فهي الأخرى لم ترسخ ثقافة المسرح في أبنائها، فلم تأخذ بيدهم إلى قاعات المسارح لمشاهدة العروض، وبالتالي لم يكن الأطفال يعرفون هذا الفن ولم يشاهد أغلبهم خشبته عن قرب. وقد يكون السبب في عدم توجيه الأسرة لأبنائها نحو المسرح وتعويدهم عليه هو نقص النشاطات آنذاك، كما قد يكون عدم اكتراثها به في الأصل، فالاهتمام بشيء معين ينبع من الاهتمام والحب بالدرجة الأولى، فإن لم تتوفر هذه الشروط لا يمكننا المواظبة على أي ممارسة. المناسباتية وتدهور المستوى المعيشي من جهة أخرى فإن مسرحنا مرتبط في العموم بالمناسباتية ولا نسمع به إلا عند اقتراب مناسبة معينة، وقتها يأتي بعض الجمهور من باب الفضول لرؤية العروض وتمتلئ الصالات والقاعات غير أنها تقترب من "الخالية" في الأيام الأخرى الأمر الذي جعل العروض تتراجع، بالإضافة إلى نقص النصوص والاعتماد على الاقتباس في كل مرة، فالمسرح ليس مجرد عرض لا هدف له، وإنما لابد وأن يرتبط بالحدث حتى يكون مواكبا للأحداث والظروف. كما لعب انخفاض المستوى المعيشي دورا كبيرا لدى الفنانين، حيث منع الوضع التفكير والابتكار والإبداع، فالفنان المسرحي كان ينفق مجهوده في تلبية احتياجاته اليومية، وعندما لا يتمكن الفنان من توفير احتياجاته الاجتماعية فإن معدل نهوض المسرح يكون منعدما. إقرار المسرح كمادة في البرنامج التربوي جاء في مقترح المشروع شهر فيفري المنصرم، إدماج المسرح كمادة في البرنامج التربوي، الذي يندرج في إطار الاتفاقية المبرمة بين وزارتي التربية الوطنية ووزارة الثقافة، بهدف تطوير الفكر التربوي للطفل وتزويده بالقدرة على التعلم الذاتي في استغلال جميع مَلَكاته وصولا إلى نتائج وتحصيل علمي أفضل.وأفادت وثيقة المقترح، أن مسرح الطفل أقوى معلم للأخلاق وهو دافع إلى السلوك الطيب والواجهة الحضارية والمقياس الدقيق للظواهر الاجتماعية والسلوكية سلبية كانت أم إيجابية، ويعتبر كفيلا بتقديم الصورة الصحيحة عن مدى تقدم الشعوب ورقيّها بل هو رافد أساسي للمناهج التعليمية بعيدا عن التلقين المباشر. ومن المقرر بعث ورشات تكوينية لمنشطين مسرحيين بالوسط المدرسي خلال الموسم الدراسي 2015-2016 تسعى للتقديم الفني وتسلية الطفل، الترقية والتطوير النفسي ومساعدة الطفل على التمتع بروح المبادرة والأفكار، التأهيل الفني والمعرفي لرجل الغد، تحفيز الملَكة الفنية وإثراء القريحة الجمالية عند الطفل، ترسيخ القيم والمبادئ الإيجابية لدى الطفل، وتقويم سلوكه ولغته، ومساعدته على النمو الوجداني والانفعالي والاجتماعي السليم، تدريب الطفل على التأثير والتأثر بمحيطه منذ نعومة أظافره وترقية الحس الفني والجمالي لديه والارتقاء بثقافته الفنية ووعيه الجمالي، وكذا تدعيم معاني المواطنة المثالية لديه وغرس روح التواصل مع الآخر دون خجل أو انهزام، كما يطمح الفريق القائم على الندوات إلى إعداد نخبة من المنشطين المسرحيين بالوسط المدرسي من أجل تفعيل النشاط المسرحي بدوره البيداغوجي الذي يضمن للطفل اكتساب مهارات وخبرات. وتكمن أهمية الورشات في القضاء على حملة العوائق المرتبطة بواقع مسرح الطفل في الجزائر، فحداثة هذا الفن وحداثة سن جمهوره وتنوع متطلبات المراحل العمرية المختلفة التي تحدده دفعت إلى هذا المقترح لولوج هذا العالم بل لأن الطفل شريك فعال وغير مستقل عن العرض الموجه إليه. المخرج المسرحي جمال قرمي: مسرحنا متذبذب ولابد من إرادة سياسية لخدمة الثقافة وقال المخرج المسرحي في حديث ل"الجزائر الجديدة"، أن الوضع الحالي للمسرح متذبذب، وإن تحدثنا عن المسار المسرحي للجزائر فإننا سنعود مباشرة إلى فترة الستينات والسبعينات وبعض من الثمانينات، وقتها كان المسرح منبرا للكلام الجارح وحرية التعبير، وقد كانت الحياة الإجتماعية والسياسية والاقتصادية تسمح للمبدع أن يقدم لديه، وقتها تغلّب "حب المسرح" على المادة. وأضاف قرمي، أن العشرية السوداء جاءت لتقضي على الحركية فكان الإنتاج قليلا، ورغم برور بعض التظاهرات في 2003، وكذلك في 2007 من خلال عاصمة الثقافة وغيرها، كانت هناك حركة مسرحية لكنها جاءت محصورة بالمناسبة مثلا التراث التلمساني خلال عاصمة الثقافة الإسلامية، وكانت العروض عبارة عن أرشفة للحضارة التاريخية، مشيرا إلى قيمة بعض العروض وجديتها رغم انحصارها في المناسباتية، لكنها كانت مقزّمة إعلاميا. وقال قرمي أنه من الضروري تواجد مشروع مجتمع ومشروع ثقافي جاد ليصل إلى المتلقي، وكذا تغيير في المستوى الاقتصادي والاجتماعي ومواكبة العصر، فالمسرح ليس خاصا بالمسرحين فقط بل على كل الأطراف المساهمة فيه، على غرار الجماعات المحلية، ولعل المبادرة الأخيرة التي نادى بها مؤخرا رفقة بعض الفاعلين والمتعلقة بإدراج المسرح في البرنامج التربوي من أهم النقاط الإيجابية لهذه السنة، كما أن مدير المسرح يحياوي قد أعاد تفعيل المديرية الفنية منذ ثلاثة أشهر حيث تهدف من خلال مشاريع مسرحية إلى إرجاع الجمهور إلى القاعات وإقامة الإبداع لخلق الكتابة الركحية، والأهم إضافة المسرح إلى المنظومة التربوية حتى يتعلم الطفل كيفية تذوق المسرح بمختلف أجزائه من موسيقى، عرض، سينوغرافيا وغيرها، مشيرا أنهم بانتظار وزارة التربية تشكل لجنة لينطلق المشروع على أرض الواقع، هذه اللجنة متكونة من أهل المهنة الذين سيستقبلون الكتاب، مضيفا أنه لابد من تظافر الجهود لصنع النشء فطفل اليوم هو جمهور الغد، كما أن المشروع يخدم البيئة والمواطن الجزائري. وأكد المخرج المسرحي، أنه حان الوقت أن تتخلص المسارح الجهوية من فكرة أن التموين لابد أن يكون من الوزارة وعليها تموين نفسها بنفسها، فالدعم ليس عائقا، وعلى الجميع تسخير كل ما يخدم المسرح، وجعله مكانا للالتقاء وتبادل الأفكار وتحديث العلاقة مع الإعلام لأنه غير مروّج له وينقصه التسيير، وكذا الإشهار على الأعمال المسرحية وكذلك الروائية والسينمائية، والتخلص من عادة أن المهرجانات حبيسة فندق وإقامة، لأنه في الأخير نحن نحتاج إلى إرادة سياسية لخدمة الثقافة الجزائرية لأنها السلاح الحالي والحقيقي. عمر فطموش: حان الوقت لتكون المهرجانات جزائرية للاستثمار في مواهبنا من جانبه ثمن مدير مسرح بجاية، عمر فطموش لدى التقاء الجريدة معه، أن الشباب الذين يراهم نشيطين في المجال المسرحي، فهناك طاقات ومواهب شابة متواجدون في ورشات إنتاجية وإبداعية، وأحسن طريقة لظهورهم هي إعطاؤهم فرصة للمشاركة في مهرجانات والتقائهم مع كتّاب محترفين سبقوهم في الميدان حتى يكون هناك تبادل للخبرات، مشيرا إلى أن طبعة المهرجان الوطني للمسرح المحترف لسنة 2015، قد قدمت شيئا جديدا تشكر عليه، وهو عروض للجزائريين فقط، فقد حان الوقت لأن تكون المهرجانات جزائرية، وهذا ليس من باب الإنغلاق لأن هناك مهرجانات دولية، ولكن من باب فتح المجال للعديد من التجارب والأعمال المسرحية الجزائرية، فالمهرجان الماضي برزت فيه أعمال جميلة تندرج في مجال التجريب لكنها قدمت نتائج جد إيجابية، حتى بعرض الإفتتاح "مسار الذاكرة" من إخراجه اعتبره تجربة جديدة. وتابع فطموش أن مهمة الشباب اختراق الركح، ولابد من التجريب لأن المسرح في الأصل عمل مخبراتي ودقيق سواء في التمثيل أو السينوغرافيا أو السيناريو وغيرها، لكن لا أحد فهم هذه النقطة جيدا، فالراحل عبد القادر علولة قد صنع مسرحا وكان يستطيع شدّ انتباه الجمهور لمدة ثلاث ساعات دون أن يملَّ هذا الأخير، فهو صنع مسرحا يمكن أن يتأثر به الآخرون وقد حدث هذا مع بيتر بروغ، وكان الراحل يجرب في الممثل ويعمل على مستوى الكلمة، والسرد مدقق بالنسبة لشكل وموسيقى الجملة، وجمع تجربته في مقولة "مسرحي كلام، والكلام مسرح". أحسن ثليلاني: انطفاء أنوار المسرح يعني انتصار الموت على الحياة وفي الكلمة التي خصصها الدكتور أحسن ثليلاني لتاريخ 27 مارس، قال أنه مناسبة مهمة لكل عشاق فن المسرح، ذلك أن هذا اليوم يصادف ذكرى اليوم العالمي للمسرح، حيث تفتح المسارح في كل بلدان العالم أبوابها للجمهور العريض وهي تزدهي بأجمل الألوان والأضواء، ومن المؤكد أن هذه الاحتفالات الكبيرة إنما تعبر عن اعتراف شعوب العالم والإنسانية جمعاء بعظمة المسرح من حيث كونه الفن الأكثر جمالا وتأثيرا في الوجود والكون. وأضاف أن الاحتفال باليوم العالمي للمسرح إنما هو احتفال بكل أنواع الفنون من سرد وشعر وموسيقى ورسم ورقص وتمثيل وغناء ونحت وتصوير، لأن المسرح يضم كل هذه الفنون وغيرها مما لا يتسع له المجال لذكرها جميعا، وفوق ذلك فهو فن الناس والساحات حيث تكون المواجهة مفتوحة وجها لوجه بين الممثل والمتفرج في لعبة سحرية جميلة جدا قوامها تمثل الواقع والحياة من خلال فرجة حية. ولأن المسرح يحمل عصارة الفنون كلها فقد أصبحت حضارة الشعوب تقاس بمدى تقدم مسرحها، فالأمة المتقدمة المتطورة لابد وأن لها مسرحا عظيما فعالا ومتطورا والعكس صحيح، وقد صدق من قال "أعطني مسرحا أعطيك شعبا عبقريا". وأوضح أن اقتران المسرح بقيم التمدن والتحضر لا تتأتى فقط من علاقة المسرح بمختلف الفنون، ولكنها تتأتى أيضا من علاقة المسرح بالمدينة، فالمسارح إنما جعلت في المدن الكبيرة وليس في البوادي والأرياف، وهذا بالإضافة إلى أن المسرح فن مسائي حيث يسهر الناس ويخرجون فرادى وجماعات مع عائلاتهم ينشدون الترفيه والمتعة الفنية، وقد لاحظنا أن المدن العالمية الكبيرة لا تنام أبدا فهي عامرة بالمسارح وتسهر حتى الصباح. إننا ونحن نحتفل بذكرى اليوم العالمي للمسرح لابد وأن نتذكر الحالة المأساوية البائسة التي تمر بها أمتنا العربية اليوم، حيث نلاحظ بكل أسف تراجع الحركة المسرحية وتحول أهم مدننا العربية إلى أرياف، فمن بغداد إلى دمشق والقاهرة وحتى تونس، فإننا نجد روح البداوة والتخلف تنتصر كل يوم على قيم المدنية والتحضر. إن قضية المسرح هي في اعتقادي قضية كبيرة ومصيرية لأن انتصار المسرح معناه انتصار الجمال على القبح وانتصار الخير على الشر وانتصار الحق على الباطل وبالمقابل فإن انطفاء أنوار المسرح معناه بالتأكيد انتصار الموت على الحياة. المخرج لطفي بن سبع: تجربة علّولة تحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق أوضح المخرج والممثل لطفي بن سبع أن مطالبته الخروج من عباءة عبد القادر علّولة، لا تعني ترك تجربة الراحل جانبا وإهمالها، فهي في حد ذاتها مازالت تحتاج إلى دراسة وبحث وتعميق وتدقيق، فالراحل قد قدم تجربته المسرحية بكل قوتها وتوقف عند مستوى معين، ولكننا بقينا في هذا المستوى ولم نكمل المسيرة بعده وتطوير ما قدمه للركح، كما لم نعمل على تحقيق فضاءات أخرى وتطبيقها في مدارس مسرحية أخرى. وأشار بن سبع، أنه رغم بعض العراقيل التي يعاني منها المسرح الجزائري ككل، إلا أنه حاليا بخير من جانب الإنتاج ومن جانب النظرة الإخراجية، والسبب أنه ليس مركّزا في اتجاه واحد، فالتنوع الذي يحظى به يعطيه قوة وجمالا، مؤكدا على أن الديمقراطية التي يتمتع بها مسرحنا جعلت منه مسرحا جريئا يطرح قضايا يستحيل أن تطرح في وطن عربي آخر. واعتبر بن سبع "الإقتباس" إيجابيا مثل بعض المسرحيات التي أخرجها مثل "الطيحة"، "عودة هولاكو" وغيرها من مسرحيات مُثلت بثلاثين ممثل بينما اكتفى هو بخمسة ممثلين، ما يعبر عن جهود تُبذل، لكن لا يمكن الإنكار أن هناك بعض الضعف فيما يخص الاقتباس بسبب الدخلاء في المجال والبعيدين عنه كما لا يمكن إنكار دور التكوين، بمعنى ليس ضد الاقتباس على أن لا يكون النسبة الأكبر من الإنتاج وأن يتم إسقاط الواقع من خلاله، موضحا أن الإقتباس له قواعده وأسسه ومتطلباته وليس في متناول الجميع، فهناك كتابات مقتبسة من نصوص رائعة لكنها في الحقيقية لا علاقة لها بمفهوم الاقتباس الحقيقي، فهذا يتطلب تكوينا كما أن المقتبس لابد أن يكون على دراية بالمجال وأن يكون صاحب خبرة.