بين محلية الفكرة، أنانية الناشر، ولهفة الموزع الرواية الجزائرية تبحث عن ظلّها في محافل التّتويج رغم صدور عناوين مختلفة لروايات لكتاب جزائريين، ورغم الأسماء القديمة وبروز أخرى جديدة، لازالت الرواية الجزائرية بعيدة عن المحافل الدولية، وفي كل مرة تُخفق فيها، حتى يُفتتح شراع النقد عليها، فهل هذا الإخفاق المتكرر يعود إلى محلية فكر الكاتب أو غياب الموزع، أو كليهما معا. ملف: زينة بن سعيد صحيح أن التفكير بالعالمية أمر بديهي لكل روائي، لكن قبل ذلك عليه الانصهار في المحلية التي وُجد منها، حتى يتمكن من بلورة بعده الكينوني، فمثلا غابريال غارسيا ماركيز لم ينفصل عن كولومبيا، بل نقلها روايات وأحداث جعلتها معروفة لدى الجميع،، فالكتابة مسؤولية تتجاوز التشكيل اللغوي وتحتاج إلى التكوين الثقافي والفكري، وليست وسيلة لسرد الأخبار والأحداث، والروايات التي وصلت للعالمية استطاع أصحابها تأثيثها فكريا وفنيا، واستطاعوا استيعاب العصر الذي ينتمون إليه بتعثّراته وأحلامه. جمال العمل الأدبي هو الذي يفرض سلطة النص، ومهمة الكاتب أن يترجّل عن السحاب، ويبرز الجانب الإنساني في عمله الأدبي، حتى ينجح في عملية الإبهار، ذلك ما وصلت إليه الروايات الأجنبية حيث تُرجمت إلى أعمال سينمائية، فقد ألهمت المخرجين السينمائيين على غرار "اسم الوردة" لأمبيرتو إيكو، وروايات أغاثا كريستي وغيرها، والرواية العربية أيضا قد أثبتت مكانتها خلال القرن الماضي وتوحولت إلى شاشة الفن السابع، كروايات نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، إلياس خوري، وحنا مينا وآخرون، أما الرواية الجزائرية فلم يتجاوز ما صوّرته، شاشات القنوات المحلية عندما أنتجت مسلسل "الحريق" عن رواية محمد ديب، ولا أحد شاهدها في قناة عربية أخرى، فالرواية الجزائرية مرتبطة بفترة الاستعمار، ثم فترة العشرية السوداء، وكأنها تبرّر لنفسها عدم الوصول إلى خارج الحدود وعدم الوصول إلى قائمة الجوائز الكبرى. لا يمكن إنكار التساهل الذي تمارسه دور النشر، حيث لا تولي اهتماما لاختيار النصوص وتفكيرها لا يتغير عن مفهوم التاجر فكرّست للرداءة، بالإضافة إلى الكاتب النرجسي ووصاية الأب في الكتابة، وإن كنا لا نعمّم إلا أن الأمور تتفاقم. وقد استطلعت "الجزائر الجديدة" ثلّة من المثقفين الجزائريين في مجال الكتابة الروائية، النقد والصحافة، للوقوف على الحقيقة وراء غياب الرواية الجزائرية عن أهم المنافسات، والأسباب الخفية التي تجعل الكتابة الجزائرية متوترة وغير قادرة على الظهور بثوبها أمام الآخرين. الناقد لونيس بن علي: غياب الرواية الجزائرية عن الجوائز الدولية لا يجب أن يتحوّل إلى مأساة وطنية قال الناقد الأدبي لونيس بن علي، أنه لا يجب أن ننسى أنّ قرار منح جائزة دولية على غرار البوكر لروائي ما هو قرار نسبي، طالما أنّه لا يوجد معيار موضوعي يحدّد لنا مواصفات الرواية التي تستحق الفوز، فالمسألة لا تتعلّق بالقيمة الجمالية والفنية بل بالحصول على الجائزة، إذ ثمّة فرق بين الحصول على جائزة وبين القول بجمال الرواية أو بقوتها، ولو أنّ فوز رواية بجائزة كالبوكر قد يرجع إلى قيمة الرواية فعلاً، حتى لا نغالي في أحكامنا، كما أنّ عدم الحصول عليها، حتى لو تعلق الأمر بجائزة أرفع منها مثل نوبل، لا يقلل من قيمة الروايات التي لم تنل هذا التشريف، متسائلا إن كان هناك من سينكر القيمة الجمالية والفنية لروايات كونديرا أو هاروكي فقط لأنهما لم يحظيا بالجائزة؟، فإذن حين نتحدث عن الجوائز يجب أن نتفق على قاعدة ننطلق منها للنقاش. وتابع بن علي، أنه في الجزائر يكثر الحديث بنوع من التشفّي عن غياب الرواية الجزائرية عن هذه الجائزة، لكن هل هذا مهم فعلا؟ إن النقاش حول الجائزة هو تحويل للنقاش الحقيقي حول الرواية الجزائرية نفسها، فإذا كنّا لم نشبع بعد من الحديث عن رواياتنا فما حاجتنا إلى فتح جبهة لنقاش سطحي حول جائزة البوكر التي قد لا تعني شيئا، لأنها في آخر المطاف تعزز المكانة التجارية للعمل المتوّج وليس مكانته الجمالية والفنية، لهذا أجد أنّ التهويل من غياب رواية جزائرية من القائمة القصيرة ليس مأساة وطنية. فكيف يعقل أن لا يتم اختيار رواية "كولونيل الزبربر" مصرحا أنه لم يقرأها وحكمه جاء استنادا إلى التجربة الروائية للحبيب السائح، فلا أحد يشكك في التجربة الروائية للروائي الحبيب السائح الذي كتب لنا أجمل الروايات وأعمقها. وهذا لا يعني أنه روائي فاشل، أو أنّ رواياته ضعيفة فقط لأنّ روايته لم يتم اختيارها للمنافسة. ومن جهة أخرى، تساءل بن علي، عن عدد المقالات التي كُتبت عن رواية الحبيب السائح، وإن هي وُزعت في الجزائر، فبدل إلقاء التهم على لجنة التحكيم، فمن الأخلاق الانتباه إلى غياب متابعات حول الرواية، ناهيك عن غياب هذه الرواية حتى في المعرض الدولي للكتاب الذي أقيم في نوفمبر من العام الماضي. الروائي بشير مفتي: على دور النشر عدم التفكير بشوفينية وأكد مسؤول منشورات الإختلاف الروائي بشير مفتي، فقد أكد أن أغلب دور النشر العربية تراهن على روايات عربية ليس بالضرورة هي لكتّاب من بلدانها فدار الآداب ترشح كتّابا من مصر أو سوريا، نفس الشيء تقوم به دور نشر مصرية فهي أحيانا تدخل السباق بكتّاب عرب، وهذا يعني أنه دار النشر المحترفة عليها أن لا تفكر بعقلية شوفينية محلية. وواصل مفتي حديثه، بأنهم في دار الاختلاف يركّزون على الأسماء والنصوص الجزائرية وهي الدار الجزائرية الوحيدة التي حفظت سمعة الجزائر في عدة دورات للبوكر حيث وصلت للقائمة الطويلة مرتين برواية لسمير قسيمي وأمين الزاوي، ومرة للقيرة مع روايته "دمية النار"، ولم يحدث هذا مع دار نشر جزائرية أخرى، مشيرا أنهم في الدار يحاولون اختيار النصوص بدقة ومن دون محاباة حتى تشرّفهم في مثل هذه التتويجات. وأضاف صاحب "غرفة الذكريات"، أننا جزء من الثقافة العربية والنشر العربي ولهذا يرشحون نصوصا عربية تعجبهم ويراهنون عليها كأي دار نشر عربية محترمة تؤمن بالثقافة والابداع العربي الواحد من المحيط إلى الخليج، مبديا سعادته بحضور رواية من منشورات الاختلاف وهي رواية الروائي المصري ابراهيم فرغلي "معبد أنامل الحرير" في القائمة الطويلة وروايات أخرى تعتبر الدار شريكة في نشرها مثل رواية "سماء قريبة من بيتنا" لشهلا العجيلي وغيرها، أما عدم ظهور عنوان جزائري في هذه الدورة فهو مؤسف لكن لا يدعو إلى التسرّع في إطلاق الأحكام الجاهزة أو بما يعرف بجلد الذات، فالجوائز فيها الكثير من الحظ أحيانا وأشياء أخرى. الإعلامي حميد عبد القادر: الرواية عالم مفتوح وهي روح العصر بكل تشعبه أما الإعلامي حميد عبد القادر، فذكر أنه لم يكن للرواية، كجنس أدبي، أي علاقة بالصحافة خلال مرحلة النمو والتطور من القرن الثامن عشر إلى غاية نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن لو قلبنا السؤال وقلنا ماذا قدمت الرواية للصحافة؟ فإننا في هذه الحالة نجد أن كثيرا من الصحافيين استنجدوا بأسلوب الحكي لتقديم مادة صحفي دسمة، حينما كانوا يدخلون أروقة المحاكم، ويتتبعون آثار المحققين للكشف عن الجرائم المستشرية. وضمن هذا التصور، خرج كثير من الروائيين من معطف الصحافة، على غرار غابريال غارسيا ماركيز، وماريو فارغاس يوسا، مضيفا أنه بخصوص السؤال المطروح "ماذا قدمت الصحافة للرواية؟"، كان يجب انتظار الروائي الأمريكي جون دوس باسوس، لكي يصبح الأسلوب الصحفي جزءً من الأسلوب الروائي. لقد لجأ دوس باسوس في أغلب أعماله الروائية من "منهاتن ترانسفير"، إلى "خط العرض الثاني والأربعين"، مرورا بثلاثيته الشهيرة الموسومة ب"الولاياتالمتحدةالأمريكية". وقد استخدم "باسوس" في رواية" مانهاتن سترانسفير" أي "تحول منهاتن" تقنيات صحفية وسينمائية حديثة في تصوير الحياة في مدينة نيويورك بعد الحرب العالمية الأولى، وحظي هذا الأسلوب باهتمام كثير من الروائيين الكبار بعده. وفي الجزائر يعتبر الروائي والصحفي أحميدة العياشي أول من أدخل هذه التقنية في الرواية الجزائرية. وكشف عبد القادر، أنه لجأ بدوره إلى التقنية ذاتها عندما نشر روايته الأولى "الإنزلاق" سنة 1998، بحيث جعل من الأسلوب الصحفي جزءً من الأسلوب الروائي، وكان البطل كاتبا صحفيا، كما قام بإدراج مقاطع من مقالات صحفية خبرية عن أهم الأحداث التي كانت تعرفها البلاد خلال مرحلة التسعينات وهي الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية، موضحا أنه لجوءه إلى هذا التقنية ليس فقط لكونه صحفيا، أو لكون البطل صحفيا وشاعرا، بل بغية منه للرفع من حدة المأساة، من منطلق أن المأساة هي أساس كل عمل روائي، وقد قيل الكثير عن هذه التقنية، وهي "حضور الأسلوب" الصحفي في الرواية، وهناك من قال أنها تقلل من قوة الأسلوب الروائي، الذي يختلف عن الأسلوب الصحفي، في كونه يشتغل على اللغة، وقيل أنه يضفي بعض الضحالة على السرد الروائي، لكن هناك طرف آخر كان يقول أن الأسلوب الصحفي عبارة عن مظهر من مظاهر الحياة العصرية، وبما أنه يستحيل الاستغناء عن مظاهر الحياة أثناء كتابة الرواية، فإن حضوره في الرواية لا يمكن تفاديه، مؤكدا أنه من أنصار الطرح الثاني، حيث يرى أن الرواية عالم مفتوح على كل شيء، على علم الإجتماع، علم النفس والتاريخ، والصحافة، فالرواية هي روح العصر بكل تشعبه. الناشر نبيل دادوة: هناك فوضى والمكتبة تحوّلت إلى "وراقة" ومن جانبه، ذهب صاحب دار "الألمعية" للنشر والتوزيع، الكاتب نبيل دادوة، إلى أن التوزيع حاليا لا يعتمد على أية استراتيجية، فالفوضى عارمة، هناك غياب لمكتبات بالمعنى الحقيقي للمكتبة وهذا خلّف خرابا كبيرا يسمى مكتبة وهو في الحقيقة عبارة عن وراقة يتحكم صاحبها بزمامها وهو لا يفقه شيئا في عالم الكتاب، فيشتري ما يريد ويمنع ما لا يعرف، وفي هذه الحالة تضطر دور النشر لإنتاج ما يناسب صاحب الوراقة -فهي ليست مكتبة- وتتزاحم من أجل تسويق إنتاجها، ومن هنا نجد أن من يتحكم في ما يُنشر هو صاحب الوراقة. وأضاف دادوة أن قطاع الكتاب لابد له من مكتبات البيع العمومي لتوفّر له الكتاب بكل أنواعه ومجالاته، وهنا يرجع فعلا الحكم للمستهلك أو القاريء وهنا فقط يمكن صناعة سياسة واستراتيجية سواء للنشر أو للتوزيع والترويج. ماذا يبحث القارئ في الرواية؟ الرواية عالم مصغّر من أهم أهدافها جذب القارئ الذي يبحث عن المتعة بالدرجة الأولى، التي تأتي أساسا بسبب عنصر التشويق الذي تعتمده الرواية، بالإضافة إلى الوصف الجميل باستعمال لغة عذبة، وبإمكان القارئ لمس صدق الكاتب في طريقة سرده. وهناك أنواع من القارئين، فمنهم من يقرأ من باب التسلية وتمضية الوقت، ومنهم من باب المنافسة والمظاهر حيث يقرر الوصول إلى عدد معين في قراءة الروايات، كأن يقولوا عنه مستقبلا "قارئ الروايات"، ويتفاخر بالعدد الذي قرأه والأسماء والعناوين التي يعرفها، حين هناك من يقرأ الروايات من باب المعرفة وحب التعلم وحب الأدب، وآخرون للهروب من الواقع، لكن لا مجال من إنكار أن القارئ هو المتذوق الأول للنص ورأيه لا يُترك جانبا.