احتضن ظهيرة أمس مركز التوثيق الاقتصادي والاجتماعي (CDED)، بشارع الشهيد العربي بن مهيدي بوهران، مقهى فلسفي حول فكر العالم الجزائري محمد أركون، حيث كانت هذه الندوة الحوارية التي شارك فيها بعض الأساتذة الجامعيين، الطلبة والمثقفين، فرصة من أجل تثمين الإرث الفكري والثقافي الذي خلفه وراءه، هذا العالم المنسي، الذي كرس حياته كثيرا في البحث والنقد والتنقيب المعرفي، مبرزين أهمية مراجعه ومؤلفاته التي كتبها باللغة الفرنسية، حول الفلسفة ونقد العقل الإسلامي، ومختلف أطروحاته التي خلّفها وراءه بطريقة نقدية عقلانية مفتحة. كما أشار المتدخلون إلى أن الجامعة الجزائرية والنخب عندنا، لم تعط هذا الرجل المفكر حقه، حيث أن الكثير من الناس يجهلونه ولا يعرفون أعماله الغزيرة، على غرار "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، "الإسلام : الأخلاق والسياسة"، "العلمنة والدين : الإسلام، المسيحية، الغرب"، "القرآن من التفسير الموروث إلى إلى تحليل الخطاب الديني"، "نزعنة الأنسنة في الفكر العربي"...إلخ، داعين إلى ضرورة نفض الغبار عن هذا المفكر البارز، وإعادة قراءة أعماله قراءة جديدة وعلمية، وأن لا نترك رصيده المعرفي مهملا ومكدسا في الرفوف، خصوصا وأن محمد أركون من المفكرين القلائل الذين كانت لديهم الجرأة في كسر الكثير من الطابوهات، المتعلقة بالمقدس والدين بطريقة فلسفية وفكرية منطقية وبعيدة عن النقد الهدام غير البناء، والانحياز لأي مذهب من المذاهب، والوقوف مع عقيدة ضد العقائد التي ظهرت أو قد تظهر في التاريخ، فأركون مشروع تاريخي وأنثروبولوجي في آن معا، حيث أنه يثير أسئلة أنثروبولوجية في كل مرحلة من مراحل التاريخ. ولا يكتفي بمعلومات التاريخ الراوي المشير إلى أسماء وحوادث وأفكار وآثار دون أن يتساءل عن تاريخ المفهومات الأساسية المؤسسة كالدين والدولة والمجتمع والحقوق والحرام والحلال والمقدس والطبيعة والعقل والمخيال والضمير واللاشعور واللامعقول، والمعرفة القصصية (أي الأسطورية) والمعرفة التاريخية والمعرفة العلمية والمعرفة الفلسفية. مبرزين ضرورة الانفتاح على الآخر ودراسة إرثه وميراثه العلمي والأدبي والتاريخي بنظرة موضوعية، مثلما درسوا هم مؤلفات أسلافنا وفلاسفتنا على غرار ابن سينا والفرابي وابن الهثيم وباقي العلماء العرب والمسلمين. تجدر الإشارة إلى، أن محمد أركون ولد عام "1928 في بلدة A« \o بني يني"تاوريرت ميمون (آث يني) بالجزائر، انتقل مع عائلته إلى مدينة عين الأربعاء ولاية عين تموشنت"ولاية عين تموشنت حيث درس الابتدائي هناك، ثم واصل دراسته الثانوية في وهران ليتابع تخصص الأدب العربي والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر ثم بتدخل من المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون قام بإعداد التبريز في اللغة والآداب العربية جامعة السوربون في باريس، ليهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضوع أطروحته. عُين محمد أركون أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون عام 1980، بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها، وعمل كباحث مرافق في برلين عام 1986 و1987. ليشغل منذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن. إلا أن وافته المنية في 14 سبتمبر 2014.