كغيرها من ولايات الوطن ينزل رمضان على مدينة قسنطينة ضيفا عزيزا مقدسا تعد له العائلات كل ما بوسعها من طقوس خاصة بهذا الشهر عن غيره من أيام و شهور السنة وإن كانت الأيام الأخيرة اختلفت عن العهد السابق في مدينة سيرتا حيث تغيرت بعض الأجواء لرمضان بعد أن اختفت العديد من العادات و التقاليد و لم يبقى منها سوى الذكريات و الحنين في نفوس السكان من كبار السن خاصة. ولعل أهم هذه العادات "بو طبيلة" الشخص الذي كان يجوب الأحياء و الحارات ليلا في وقت السحور لايقاض الناس حاملا طبله معه ليمر بكل الأبواب و ينادي أصحاب البيوت كل باسمه "قم يا فلان ..لتتسحر..هذا و كان ينال مكافأته على هذا العمل أن تقدم له الحلويات حسب روايات الجدات اللاتي مازلن يتذكرنه كما يتذكرن غيره من العادات الأخرى" كدار الجيران " و هو مكان خاص يجهز بالبيت لتجتمع في نساء الحي بعد الفطور لتمضية السهرة بتبادل أطراف الحديث الذي لا يخلو من إلقاء "الأحاجي" و البوقالات " التي كانت تمثل مصدر فال آنذاك لهن وان كانت هذه العادات اندثر مجملها إلا أن مازالت أخرى باقية بمرور الأيام و إن كانت لدى بعض العائلات فقط و في بعض الأماكن دون سواها لكن و بالإجمال تبقى لرمضان نكهته و حلاوته التي يتميز بها في مدينة الجسور المعلقة لما يحتفيه سكانها بهذا الشهر حيث يعدون له العدة قبل دخوله بعدة ايام اين تعكف النسوة على تنظيف البيوت و تلميع الأواني النحاسية كما جرت العادة فلا تحلو القهوة و لا تشرب من دون سينية النحاس و اكسسواراتها اللامعةوبعد ذلك تأتي ثاني خطوة و هي التوجه إلى التسوق لاقتناء مختلف التوابل و البقول إضافة إلى الأواني و غيرها من المستلزمات. وان كانت بعض النسوة تكتفي بالذهاب الى التسوق تعكف اخريات الى صناعة واعداد بعض المعجنات بنفسها في البيت. وهي عادة اخرى مازالت سارية في المناطق الشعبية حيث تقام التويزة لتلتقي نساء الحي لصناعة "الكسكسي "وهو طبق السحور خلال أيام رمضان و " الثريدة" و" الفريك"و هو أهمهم إذ يعتبر أهم عنصر في إعداد طبق الشوربة وهو يصنع من القمح الأخضر لتوضع بعد ذلك هذه المعجنات في ساحات الحي حتى تجف تحت أشعة الشمس. ولان شهر رمضان هو شهر العبادات تغتنم اغلب العائلات اول يوم من الشهر لتصويم الأطفال أول مرة و عند الإفطار يقدم لهم مشروبا من الماء و السكر و الليمون يوضع بوسطه خاتم ذهب للبنات أو فضة للصبيان كما يلبسونهم ملابس تقليدية ليتميزوا في هذا اليوم تشجيعا لهم على الصيام اما مائدة الافطار في هذا الشهر الكريم فهي لا تخلو من الاطباق اللذيذة التي تتفنن ربات البيوت في إعدادها كالشخشوخة والتليتلي والتريدة والشوا في نصفية رمضان، وهو الأمر الذي لا يمكن تركه في نصفية رمضان، ويزين بالتوابل والبهارات والطواجن المختلفة والمتعددة الى جانب شوربة الفريك والبوراك. بمجرد الانتهاء من الإفطار، تدب الحركة عبر طرقات وأزقة المدينة إذ تتوجه الأغلبية إلى بيوت الله لأداء صلاة التراويح وحضور حلقات الذكر وسط جو من الخشوع و الروحانيات لتكتسي مساجد سيرتا أبهى حللها وتتزين بالأنوار المتلألئة لاستقبال ضيوف الرحمن خلال هذه الأيام و الليالي المباركة لاسيما ليلة السابعة والعشرين التي تعنى باهتمام خاص عن كل الليالي حيث يتم فيها ختم تلاوة المصحف الكريم لترتفع تكبيرات المصلين اما في البيوت فتملا زغاريت النسوة مختلف الأحياء احتفاءا بهذه الليلة كم أنهم يقومون بعملية الختان أو ما يعرف بالطهارة عند العامية لابنائهم في جو احتفالي بحضور الأقارب و ترتدي النساء أجمل الألبسة التقليدية كما تخضب الايادي بالحناء وبهذه المناسبة تحضر أشهى الاطباق و الحلويات التقليدية كالبقلاوة والقطايف والمقرود وحلوة اللوزية او النوقة كما تشتهر بها قسنطينة. أما ليلة العيد فيجتمع الاولاد حول الجدة لتضع لهم الحنة وينامون فرحين بقدوم العيد و بملابسهم الجديدة. غاب الدندان في بشار يفتقد العديد من سكان بشار هذه السنوات الدندان وهو المسحراتي الذي كان يأخذ على عاتقه إيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور حيث يعتبر غيابه ضياعا لإحدى التقاليد الشعبية خلال الشهر الفضيل. ولقد كان المسحراتي يترقب دائما قدوم شهر رمضان ليعلن بواسطة القرع على طبل موعد السحور. وقد درجت العادة على أن يمارس الرجال هذه "المهنة" التي تمتد الى عدة قرون خلت واستمرت إلى غاية سنوات التسعين لتتلاشى بعدها. ولقد كان الدندان يتخذ لنفسه مكانا عبر أحياء الدبدابة والقصر العتيق ببشار وهي أمكنة لأحياء تعد الأقدم بمدينة بشار. وبمناسبة الاحتفال بليلة القدر يقدم السكان الهدايا والهبات للمسحراتي وذلك عرفانا وشكرا له على المجهود الذي بذله طيلة شهر رمضان عندما كان يوقظهم بانتظام لتناول وجبة السحور . "ويعود سبب اختفاء هذا التقليد أساسا الى ظهور وسائل إعلام جديدة حول أوقات الإفطار والسحور الى جانب عدم اهتمام الأجيال الجديدة بهذا النوع من العادات" حسب ما أوضحه أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بشار. وعلى الرغم من ذلك لازالت التقاليد الأخرى وممارسات التضامن خصوصا منها إطعام المسافرين وعابري السبيل من قبل السكان منتشرة في المنطقة. كما يلجأ السكان كذلك الى دعوة غريب عن المدينة الى وجبة الإفطار وهي عادة يعتبرونها تكريسا لقيم الإسلام خلال الشهر المبارك.