يستقبل الجزائريون أول يوم من شهر رمضان المبارك في أجواء من التآزر، تبدو ملامحها في الشوارع التي تغيرت بشكل ملفت، حيث علقت بعض مطاعم الرحمة اللافتات الترحيبية، فيما تزينت واجهات المحلات بأجمل الثياب..كما تجلت أولى النفحات الربانية التي يحملها هذا الشهر من خلال كثرة التصدق على الفقراء وتبادل عبارات التهاني ..وبين هذا وذاك، تعانقت أفئدة عدة مواطنين تآخيا في مشاهد متنوعة ألبست المجتمع كاملا حلة رمضانية بهية، احتفاء بسيد الشهور.. مع ذلك، يبقى جشع التجار أكثر ما ينغص الفرحة بهذا الضيف الكريم. يحظى شهر رمضان باستقبال خاص في مختلف الدول الإسلامية، كل حسب عاداته وتقاليده وطقوسه متوارثة من جيل لآخر، وحتى يكون لرمضان مذاق آخر، أقبل العديد من المواطنين في الجزائر على إحياء كل ما يمكن إحياؤه من شعائر وعادات وتقاليد إسلامية. فرحة الاستقبال عبر عنها السيد ''سليم'' ل ''المساء'' بالقول: ''أفرح كثيرا بقدوم سيد الشهور، مما يحفزني على إحياء جانبه الروحي ..يغمرني الأمل والتفاؤل عندما أفكر بأن الله يستجيب الدعاء في هذا الشهر ..ثم أستطرد: ''أجده فرصة لتحقيق الأماني، وشحذ بطارية الايمان لتطبيق العديد من الشعائر الدينية، على غرار صلاة التراويح. ولمد أواصر التآزر للمحتاجين الذين يفيض قلبي شفقة عليهم''. وأضاف قائلا:'' لا أبالي بالماديات وأمقت الشكوى المتكررة من الحرارة التي تغيب معاني جهاد للنفس عن رمضانياتنا، فأنا أتأسف كثيرا بسبب الأشخاص الذي يفوّتون فرصة التلذذ بحلاوة هذا الشهر''. وعموما، حملت آراء بعض المواطنين بين طياتها الكثير من الفرح بقدوم هذا الشهر المبارك، إذ تتزاحم السعادة بحلوله، وتشارك في ذلك الصحافة المكتوبة وأجهزة الإذاعة والتلفزيون، والتي تبث منذ اليوم الأول من رمضان مجموعة من برامج الذكر والدعاء والتهاني بحلول هذا الشهر وحصص عن رمضان.. ولا تقتصر مظاهر السرور والابتهاج بقدوم شهر رمضان لدى الكبار فحسب، بل حتى الأطفال عبروا عن فرحتهم في الشوارع، وإن كان العديد منهم لا يصومون ولا يعرفون حتى معناه، حيث يسرهم حلول شهر يظفرون به بملابس العيد وحلوياتها، إضافة إلى العيدية المنتظرة. ومع سحور اليوم الأول، تسطع أجواء الرمضان الجزائري من خلال المائدة التي ما تحوي التمر وأنواع العصير واللبن وطبق ''المسفوف'' التقليدي، كل حسب رغبته.أما موعد الإفطار، فأشار بعض المواطنين إلى أن أشهر الوجبات التقليدية هي التي ستتربع مجددا على موائدهم مثل الشوربة والبوراك وطاجين ''لحم لحلو''. لرمضان في الجزائر مذاقه الخاص، وعادات مميزة، فبالإضافة إلى الشعور بالبهجة بقدوم هذا الضيف العزيز، تجلت مظاهر استقبال رمضان في تخصيب بعض النساء لأيديهن وأيادي أبنائهن بالحناء..وفي هذا الصدد، أشارت مواطنة مثقفة أنها اقتفت آثار هذه العادة المثوارتة تفاؤلا بالأيام الملاح.. أما الأسواق، فقد اكتست حلة التوابل والفواكه المجففة، حيث تحوّل الشارع إلى احتفالية جميلة، فنشطت حركة الناس في الأسواق والفضاءات التجارية الكبرى التي افتتحت في السنوات الأخيرة، يرتادها عدد كبير من المواطنين لشراء حاجيات رمضان المتعارف عليها. ويزداد رمضان جمالا بما يحمله من عادات وتقاليد متوارثة، على غرار شراء الأطعمة التي يتم من خلالها استرجاع النكهة التقليدية للأطباق، وبالتالي عبق الماضي..ولو أن هذا الماضي لم يعد يحضر بكافة طقوسه المعهودة في عشريات خلت، بحسب بعض المواطنين المتقدمين في السن، مما حز في أنفسهم غياب العديد من مظاهر إحياء رمضان.. ومن ضمن باقة العادات المندثرة في دواليب الحياة العصرية مدفع رمضان الذي كان يدوي من مدينة الجزائر إيذانا بالإفطار، وكذا ذلك النبراس أو التحفة الفنية الموضوعة على نشر مرتفع بسطح مئذنة الجامع الكبير بالعاصمة، والذي كان يستعمل للإعلام عن دخول أوقات الصلوات الليلية وفي ليالي رمضان، ليرى مؤذنو مساجد العاصمة من أعلى الصوامع، فيشرعوا في الأذان، وذلك لأن هذا الجامع كانت توجود به آلة المزولة التي يعول عليها في ضبط الأوقات الشرعية للصلاة. وعن الأسواق دائما، دار حديث عن حمى الأسعار التي أصبحت، بحسب محدثينا، سنة لصيقة بالشهر الكريم، فعلى خلاف القلوب المتضامنة التي فتحت مطاعم الرحمة لاستقبال المحتاجين وعابري السبيل، وكذا قفف رمضان التي تبرعت بها عدة جمعيات، والصدقات التي جاد بها العديد من المواطنين على الفقر في شهر الرحمة، ألهب السواد الأعظم من التجار أسعار المواد الاستهلاكية الأكثر طلبا في هذا الشهر ..لكن الجدير بالاعتراف في هذا الصدد، بحسب خبراء الشؤون الاقتصادية، هو هجوم المستهلكين على الأسواق خلال الأيام الأولى من رمضان، يعد سببا رئيسيا في رفع التجار للأسعار. ويذكر على صعيد آخر أن مظاهر التآخي اجتاحت، وككل سنة عدة مناطق من الوطن، إذ حضرت عدة جهات موائد رمضان للمعوزين وعابري السبيل، كما ساهمت عدة جمعيات في قفة رمضان مع التأهب لتنظيم عمليات ختان الأطفال، وذلك في إطار العملية التضامنية الخاصة بهذا الشهر الفضيل الذي تتجسد فيه أسمى مظاهر التي تترجم مدى ارتباط الشعب الجزائري ببعضه البعض. وبالإضافة إلى ذلك، تطوع عدد من المواطنين لفتح مطاعم الرحمة، كما توافد البعض الآخر للمشاركة في تقديم الخدمات، كتحضير وجبة رمضان في مطاعم أو توزيعها. ولا يقتصر العمل التضامني على مائدة الإفطار وتقديم الوجبات، بل يشمل أيضا زيارات للمرضى في المستشفيات. وفي المقابل، أبدى العديد استعدادهم لجعل رمضان شهر المشاريع الخيرية، على غرار التبرع بالمصاحف للمساجد، والتكفل بإفطار اليتامى، فضلا عن إحياء الجانب الروحي لهذا الشهر، وما اعتبرته إحدى المواطنات(أم لطفلة) جوهر الشهر، مشيرة إلى أن الإكثار من العبادات هو أكثر ما يستهويها خلال رمضان. ففي النهاية، مهما اختلفت طرق استقبال شهر الصيام مع الاحتفاظ بعامل مشترك بين كل الناس في شتى البقاع، ممثلا في الجانب الروحي والإيماني.