أتذكر طفولتي فتبدو كحلم جميل ... وما تذكرته الآن هو ما كانت تقوم بي أختي الصغيرة زهية عن طيبة خاطر من جمع البيض من خم الدجاج الموجود في الزاوية الغربية من الحوش ، إذ كانت تجمعه وتركض فرحة الى السيدة الطيبة واللطيفة نعيمة...كان يسوؤني ذلك كثيرا ويشوش علي بألم إذ تصورت بسذاجة وحقد أن أختي تُعامل كخادمة حقيرة! ونعيمة كانت مثل زوجها الطيب القلب سعيد الله يرحمه ، هذا الانسان الرائع والأصيل الذي اكترى لوالدي غرفة خاوية ، تكدسنا فيها نحن الستة الجدة ، الأب ، الأم ، وثلاث أولاد أكبرهم أنا وأصغرهم أختي زهية ، ننام ونطبخ في نفس الغرفة ، متوسطة الحجم ! .دخلت زهية الى الخم كعادتها تريد جمع الثلاث بيضات أو أربع غير أن الديك كان عدوانيا على غير عادته !! فنقرها بقوة تحت عينها اليسرى في اللحظة التي انحنت فيها تريد البيضة...صرخت ...وانطلقت تبكي الى أمي ، وقد انفلتت البيضات من يديها فسقطت على الأرض وانكسرت...واحتضنتها أمي فزعة : مابك يا ابنتي ؟ لقد افزعتني !.... قالت أختي باكية : الديك ... هجم علي وأنا أجمع البيض... وأشارت الى خدها الأيسر... وأقبلت السيدة نعيمة يتبعها ابنها الصغير كريم ...وما إن رأت أختي باكية حتى أخرجت علبة بسكويت من جيب سترتها وقسمتها بينها وبين كريم ... قالت أمي متأسفة : حبات البيض... انكسرت ...اني جد آسفة .....تغير وجه نعيمة وقالت بغضب : ما ذا تقولين يا مليكة ؟ حبات بيض انكسرت... لكن .... ألسنا جارتين ، بل أختين ... ألسنا نعيش في بيت واحد ؟ أليس زوجك من أفضل اصدقاء زوجي ؟... عانقت أمي نعيمة وقالت لها بتأثر بالغ : أنت امرأة رائعة ... الله يحفظك ويحفظ لك أولادك! ربتت على رأس أختي ثم قالت متوعدة : اللعين أذاك... أذى ابنتي ! سوف اذبحه ! حتى لا يفعلها مرة اخرى ولكي يكون عبرة للديوك الصغيرة الأخرى !والوعيد صار حقيقة اذ بعد أيام ذبُح الديك ، وأرسلت لنا السيدة نعيمة مرق حمص طبخ بلحمه! غير أن أختي زهية امتنعت عن دخول الخم رغم وجود الدجاجات فقط وديكين غير بالغين ! حتى رحلنا إلى بيتنا الجديد بعد عام ونصف تقريبا....