و بهذا فحين نذكر مريانا مراش نذكر تلك الفترة الغامضة من الحياة الأدبية التي عرفتها حلب التي كانت تضم طائفة من الإعلام ...كان بيت أبيها من البيوت العبقة الفاعلة في بعث حياة ثقافية من نوع جديد وقتها وكانت مريانا كغيرها من سيدات ''حلب'' اللواتي حفظن شعر ابن الفارض وكان للشعراء العذريين أثرهم في نفسها وتجلت ملامح مذهبهم في شعرها بشكل واضح .. كانت لزمنها واحدة من الشاعرات الشهيرات كوردة الترك بلبنان و وردة اليازجي أيضا , وداد سكاكيني , ماري عجمي و غيرهن من اللواتي قدمن من بعدها و واصلن مسيرتها بشغف... تمردت منذ بدايتها بل كانت انطلاقتها مبنية على أسس الرفض لواقع المرأة في تلك الحقبة المظلمة من الاحتلال العثماني لمدائن التزّمت والكبت ...تمردت و كأن الأدب آنذاك لم يصل في نظرها بعد الى الغاية النبيلة , لم يرقَ بعد الى مستوى الحلم الانساني , أدب تحكمه الأعراف و القيود , يسرد دون يحلل , يحصر مقاسه في زاوية واحدة و يثبت عجزه الدائم أن يكون متعدد الوجوه, دون اتجاه أو اشارة أو هدف ... كانت ''مريانا'' أطروحة ثورة حقيقية بكل لوازمها و ظروفها و اختلافاتها , تستنطق النور و الديجور و تعدو لاهثة خلف أصدائها التي لا تهدأ ...كبرياء الأنثى عند ماريانا و فضاضة الرجل لا يلتقيان ويمكن للأحزان أن تأسرها قرونا و تقتلها سنونا لكنها تظل كما هي , تشامس الأرض في سعة جسدها للقلب والعقل معا وتعزم على مواصلة حربها الازلية لإثبات الذات دون تراجع في زمن كانت فيه المرأة مجرد وعاء يصلح لصناعة الأولاد ...مجرد مرحاض متحرك ... وظلت مريانا عظيمة وثائرة ومحطةً جديرة بالتأمل و القراءة و التنقيب ...حلمت بأن تكون الأنثى الشرقية رائدة و ظلت تدعوها للمقاومة و للتحزب ضد الانقراض ...الى أن توفاها مرض العصاب على غفلة من شبابها ,لكن التاريخ يشهد أن ظهورها في تلك الفترة المربدة ظل أشبه بالنجمة المضيئة , غريبة تلوب بأرض الحجر , و النموذج الأكثر ايلاما و الحاحا للسخط على قلاع تُشيَّد ''بلا امرأة'' و تُكرَّس و تُدرَّس لعقول متعبة ما فتئت تتكاثر ...حين نذكر ''مريانا مراش'' فنحن نتفقد بطابع المجد و الخلود و الوطنية أول تاريخ لولادة انثى حقيقية على هذا الكوكب.