المجاهد كويني عبدالقادر المدعو سي الناصر (91 سنة) يُعد من خيرة الأبناء الذين أنجبتهم مدينة عين تموشنت مطلع القرن الماضي وهذا لسبب واحد يتمثل في تحمله مسؤولية تاريخية ، حيث واجه العدو الفرنسي الذي اغتصب الأرض وانتهك العرض لمدة 132 سنة بصدر عاري ووسائل حربية منعدمة ، سي الناصر الإسم الحربي ورفقائه في السلاح اختاروا الخروج ليلة 01 نوفمبر 1954 إلى ميدان الجهاد والتضحية بأغلى ما يملكون "شبابهم" في سبيل تحرير الجزائر ، ينتمي سي الناصر إلى الجيل الخامس وهو الجيل الذي نجح في كسر شوكة المستدمر الذي أعلن أثناء احتفاله بمئوية احتلال الجزائر في سنة 1930 بقائه فيها 1000 سنة ، بعد عرض فيلم "لمباز في ظل الأوراس" للمخرج السينمائي يحيى مزاحم بمناسبة الذكرى 63 لإندلاع الثورة التحريرية ، التقت يومية الجمهورية بالمجاهد كويني عبدالقادر المدعو الناصر الذي فتح لها قلبه وأسرد بإسهاب مشواره النضالي الذي بدأه ذات سنة 1944 ولم يتوقف إلا مع استرجاع الجزائر سيادتها في 1962 . -كيف دخلت معترك النضال السياسي خلال الفترة الإستعمارية ؟ - انخرطت في النضال سنة 1944 أي سنة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية وتحطيم النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا ، كان سني آنذاك لا يتجاوز 18 سنة ، كنت ناشطا في صفوف الكشافة ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945 ووقوع أحداث 08 ماي 1945 المؤسفة والمؤلمة والتي قتل أو زج بالسجون على إثرها عدد كبير من مناضلي حزب الشعب الجزائري أصبحت الساحة خالية من النشطاء السياسيين ، لذا تم الإتصال بنا لملء هذا الفراغ ، هكذا أصبحت من ناشط في الكشافة إلى مناضل في صفوف حزب الشعب الجزائري . - ماذا بعد ذلك ؟ - بعد ذلك بدأت مشواري السياسي مع "حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية / حزب الشعب الجزائري " PPA/MTLD" الذي قرر في سنة 1947 تكوين منظمة سرية أطلق عليها إسم المنظمة السرية (لوس/ l'OS) ، انخرطت في هذا التنظيم السري دون تردد سنة 1948 ، في سنة 1949 بدأنا التدريبات العسكرية الأولى بجبل لوبر أو جبل غلال الذي يبعد عن مدينة عين تموشنت بحوالي 13 كلم ، كان بن عودة واضح مسؤول المنطقة يرافقنا لمعرفة مدى جاهزيتنا في التدريب. - كم كان عددكم خلال التدريبات ؟ - خلال التدريبات لم يتجاوز عدد المتربصين ثلاثة عناصر وهو العدد المطلوب في تكوين الخلية السرية الواحدة ، حيث كان من المستحيل لأي كان معرفة عناصر الخلايا الأخرى وهذا بدوافع أمنية ، ففي حالة إلقاء القبض على عنصر لا يمكنه البوح تحت التعذيب بأكثر من أعضاء خليته الصغيرة . - ما هي الأسلحة التي كنتم تتدربون عليها ؟ - الأسلحة كانت بسيطة ، كان لدينا مسدسا واحدا يعود إلى الحرب العالمية الثانية ، كان الشهيد حمو بوتليلس هو الذي يشرف على هذه التدريبات ، بعد فترة قصيرة تم دمجي ضمن مجموعة المتفجرات (les artificiers) ، هذه المجموعة كان يدربها المدعو محمد عراب وهو من ولاية "الأصنام" شلف حاليا ، عكس التدريب على الأسلحة النارية كانت مجموعة المتفجرات تتكون من عدد أكبر من المناضلين يأتون من جهات عدة ، إلا أننا لا نعرفهم . بعين تموشنت لم نتمكن من تدريب عدد كبير من المناضلين نظرا لعدم توفر الأسلحة رغم هذا كنا نقضي أوقاتنا في صناعة القنابل ، كنا نستغل بعض المناضلين الذين يشتغلون عند الكولون نطلب منهم جلب لنا الأنابيب الحديدية المخصصة لتحويل المياه لنقطعها على شكل قطع لا يتجاوز طولها 15 سم وعرضها 10 سم . - كيف كان الجو السياسي عشية الثورة التحريرية ؟ - عشية الثورة التحريرية كنت في مدينة عين تمشونت أدير مهام أمين قسمة المناضلين ل«حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية / حزب الشعب الجزائري" ، كوني عضو في المنظمة السرية كان لي موقف واضح اتجاه المركزيين والمصاليين ، خاصة بعد عقد المصاليين مؤتمرهم في نيورن وعقد المركزيين مؤتمرهم في الجزائر العاصمة ، هنا تيقن الجميع أن الأمل في توحيد الآراء بات ضرب من الخيال ، هذه المستجدات طبعا انعكست على قسمتنا وكل القسمات الموزعة في الجزائر ، حيث اختار بقسمتنا مناضلين الإلتحاق بالمصاليين في حين اندمج مناضل واحد مع المركزيين والتحقت أنا ومناضل آخر بالمنظمة السرية التابعة "للجنة الثورية للوحدة والعمل CRUA/" التي تحول إسمها فيما بعد إلى جبهة التحرير الوطني ، بعد لقاء 22 بالجزائر العاصمة اتصل بي بن علا رحمه الله و طلب مني المشاركة في التكوين الذي أقيم بمنطقة الخريسية ، لما حضرت اللقاء اتضح لي أنني أجريت هذا التدريب في السابق ، من بين المسؤولين الذين كانوا يشرفون على هذا التكوين أذكر كل من بن بولعيد ، بلوزداد عثمان ، مرزوقي محمد وآخرون لا أعرفهم ، جمع هذا اللقاء حوالي 25 مناضل ، التدريب تم بمزرعة والد المسمى الهاجيم قدور رحمه الله ، بقينا في هذه البقعة 36 ساعة تقريبا . - ماذا فعلتم بهذه الأنابيب ؟ - في البداية قمنا بتقطيعها إلى أن جمعنا حوالي 56 إلى 60 قطعة وضعناها ببيت أحد المناضلين المدعو احمد بلخير القاطن بدوار مساعدة ببلدية حاسي الغلة ، للتاريخ أقول بأن في بداية عملية التلحيم كلفنا أحد الشباب ، لكن تبين أنه غير محترف ، لذلك اتصلت بالحاج بن علا الذي كلف بدوره الشهيد احمد زابان للقيام بهذه المهمة ، هكذا حضر الشهيد أحمد زبانة إلى مكان صناعة هذه القنابل ولم يعد إلى وهران إلا بعد إتمامه المهمة. - ماذا بعد صناعة كل هذه القنابل ؟ - بعد تحويل الأنابيب إلى قنابل جاء دوري لملئها بالمتفجرات وعند الانتهاء من ذلك بعثنا كل القنابل إلى وهران ، حيث يتم هناك توزيعها وتفريقها على كل خلايا المنطقة الغربية ، قبل اندلاع الثورة بأسبوع زارنا الأخ بن عودة واضح وهو مسؤول على المنطقة ، كان مسئولا وعضوا فعالا في المنظمة السرية بمدينة مستغانم ، جاء إلينا بغرض تقييم أعمالنا وكذا معرفة الأهداف المسطرة في منطقتنا لنقلها إلى مسئولي الجهة الغربية بوهران ، يوم واحد قبل اندلاع الثورة (31 أكتوبر 1954) بعثوا لنا حصتنا من القنابل وعددها أربعة ، طلب منا استلامها من أحد المناضلين في مدينة حاسي الغلة ، القنابل كانت مخبأة داخل قفة مغطاة بكيس من الخيش ، للأسف لم نقم بتفتيش القفة لمعرفة كل ما فيها ، نفس الشيء حدث في الخلايا الأخرى ، لما جاء وقت الحسم كان عددنا 12 مناضلا ، لكن عندما كشفنا على القنابل لتفجيرها وجدناها ناقصة من الملحقات كالفتيل وكبسولات التفجير، بقي بين أيدينا بندقية واحدة ترجع إلى الحرب العالمية الثانية ، مسدسين واحد من عيار 7.65 والآخر من عيار 11.43 . - ماذا بعد هذه الحادثة ؟ - بعد هذه الحادثة التي أفشلت البرنامج المسطر طلب منا الاتجاه ليلا إلى شاطئ تارقة ، أول عملية قمنا بها تمثلت في إحداث حريق مهول ، حيث أحرقنا أكوام مضغوطة من القش وهي ملك للمعمر "مارسال بوترقان" ، أما مجموعة المالح التي كانت تتكون من خمسة أعضاء كان يقودها برحو قادة وقائد المنطقة بن عودة وجدت هي الأخرى نفسها حائرة من أمرها بسبب عدم قدرتها على استعمال القنابل ، لذلك وفي حدود الساعة السادسة صباحا قرروا تحطيم القطار الرابط بين وهران عين تموشنت ، حيث وضعوا فوق السكة حجارة ضخمة ما أدى إلى انحراف القطار ، الهدف من هذا هو تسجيل وجود الثورة وتفجيرها بأي عمل . - أين اتجهتم بعد ذلك ؟ - ذهبنا إلى مكان الاختباء الذي حددناه بشاطئ تارقا ، انضم إلينا مجموعة المالح التي كان يقودها بن عودة واضح مسؤول المنطقة ، هكذا توسعت مجموعتنا ليرتفع عدد أفرادها إلى 17 عضو ، في هذه الأثناء كان التخطيط على أساس نجاح الهجوم على ثكنة أكميل بوهران تمكننا من الحصول على أسلحة في اليوم ذاته ، بن عودة واضح كان متأكدا من نجاحها ، إلا أن العملية فشلت لكننا بقينا نترقب ، لم يكن لدينا الطعام ، وبما أنه كان بجوارنا بئر كلفنا أحد المناضلين بنقل الماء للمجموعة ، في اليوم الموالي كلفنا مناضل آخر النزول إلى المدينة لشراء الخبز ، هذه الحركة دامت ثلاثة أيام إلى أن انته أحد الساكنة بوجود حركة غير مألوفة ، عندها أبلغ كاتبة البلدية التي أخطرت بدورها الدرك وحراس الغابة والمأمور "الشمبيط" في اليوم الرابع المكلف بشراء الخبز وجد في طريقه دركيين فأطلق النار عليهم ما أدى إلى جلبهم إلينا ، هكذا تم جرهم إلى غاية موقعنا ، الدركي إيميل بار الذي يحمل سلاح موزار من نوع 57 خرطوشة إلقاء القبض على دريس بن أحمد و زقاوي محمد اللذين استسلم لأنه لم تكون لديهما أسلحة . - كيف انتهت هذه الملحمة وكيف تم القبض عليك ؟ - لما بدؤوا يتقدمون ، أطلقت طلقة واحدة على الدركي إيميل بار الذي أسر المناضلين ، الطلقة لم تصبه لكنه هرب والتحق بنا المناضلون ، فبدل الخروج من هذه المصيدة رحنا ننتظرهم وكأن لنا أسلحة وعتاد يسمح لنا بمقاومتهم ، في حدود منتصف النهار بدأت طائرة من نوع بيبار تحوم فوق رؤوسنا ، كما كانت طرادة عسكرية تراقبنا من جهة البحر ، المهم أنهم تمكنوا من تحديد موقعنا وبدؤوا يحضرون الطريقة الأنجع لمحاصرتنا ، في حدود الساعة الرابعة مساء طلب منا مسؤول المنطقة واضح بن عودة الإنتشار ، راحت كل خلية تنجو بنفسها ، كنا 17 عضوا ، 05 أعضاء من "ريو صلادو " و 12 عضوا من عين تموشنت ، اتفقنا على أن نلتقي في جبال تسالة، أثناء الهروب تم القبض على البعض منا في حين نجا البعض الآخر ، كنت من بين الناجين لكن لمدة شهر فقط ، حيث تم القبض علي ، أما المناضل عبيد عبد القادر الذي كان يحمي الجهة اليمنى تمكن هو الآخر الفرار لكن "العسكر" حاصره بجبل سيدي قاسم وجرحه ، لم يتوفى في ذلك اليوم (04 نوفمبر 1954) وإنما استشهد بالمستشفى يوم 12 نوفمبر ، بعد إلقاء القبض علي تم محاكمتي وسجني بسجن البرواغية إلى غاية انتهاء الثورة التحريرية ، حيث أطلق سراحي يوم 2 ماي 1962 .