- المرحوم عبد القادر علولة كان مدرسة قائمة بذاتها وعشت أفضل اللحظات مع سيراط، بلحيمر وبلقايد - متضامنة مع "هواري بوضو" في محنته، وأتمنى مشاركته أفلاما جديدة تعد الفنانة والممثلة فضيلة حشماوي، من بين الوجوه المسرحية التي تركت بصمتها في عالم الفن الرابع، حيث قدمت العديد من الأعمال الإبداعية الخالدة، رفقة مجموعة من المخرجين والممثلين البارزين على غرار عبد القادر علولة، سيراط بومدين، وبلحيمر وغيرهم... وقد التقت معها أمس جريدة "الجمهورية" وأجرت معها حوارا شاملا تحدثت فيه عن آخر أعمالها الدرامية، فضلا عن مشاركتها في عمل سينمائي ثوري جديد، كاشفة لنا عن الكثير من الأسرار والخبايا التي يجهلها العديد من عشاق ومتابعي هذه الفنانة المخضرمة، تابعوها في هذا الحوار الآتي : الجمهورية : هل يمكن أن تطلعينا عن آخر أعمالك الفنية إن في المسرح أو حتى في السينما ؟ فضيلة حشماوي : في الوقت الحالي ليس لدي أي جديد يذكر، أنتم تعلمون أن الفنان بات اليوم يشتغل عندنا بالمناسبات... توجد مسرحية في الركح الجهوي عبد القادر علولة بعنوان "الغلطة"، والتي شاركت فيها كما هو معروف، وسنقوم بإعادة تقديمها في وهران، لاسيما وأنه يوجد مخطط جديد مع مدير المسرح الحالي مراد سنوسي، بعد الانتهاء من مشروع مسرح الأطفال، كما توجد اقتراحات من قبل التلفزيون، لكن لم تجسد إلى يومنا ونحن في الانتظار على كل حال. كيف تقيمين واقع المسرح والحركة النقدية في الجزائر عامة ووهران خاصة ؟ والله أمر مؤسف ما وصلنا إليه اليوم، كانت الحركة المسرحية في سنوات السبعينات والثمانيات مزدهرة، بخلاف السنوات الأخيرة، حيث تراجعت بشكل كبير بسبب سياسة التقشف والمشاكل المادية، حيث بدون الدعم المالي لا يمكن للمسرحي أن ينتج ويقدم عملا إبداعيا محترما، ممكن إن شاء الله مع العام الجديد، تعود الأمور إلى سابق عهدها، وتكون فيه مشاريع جديدة، فالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، أثرت بشكل كبير على واقع المسرح مثله مثل الكثير من المجالات.. ألا تعتقدين بوجود أزمة نصوص أثرت هي الآخرى على حركة المسرح عندنا ؟ لا بالعكس لا توجد أزمة نصوص عندنا، لاسيما في الفن الرابع حيث يمكننا أن نقتبس أعمالا من المسرح والتراث العالمي، وهذه قضية اجتهاد من قبل الكتاب والمؤلفين، وباعتباري كنت في لجنة القراءة، وصلتنا عدة نصوص لم نقبلها، كما كان لدينا تحفظ على العديد منها، في حين وصلتنا أعمال مسرحية تستحق الثناء والتقدير، وليس عيبا أن نأخذ نصوصا عالمية وجزائرية تم تقديمها منذ عقود ونعيدها لأبنائنا وبناتنا، لاسيما إذا كانت تتماشى مع الحدث والواقع المعاش. هل فكرتني يوما في كتابة نصوص وأعمال مسرحية أم أن الكتابة لا تستهويك أصلا ؟ لا أخفي عنكم أني قمت بمحاولة من هذا القبيل... وطبعا أي فنان يحلم أن يبدع ويخرج ويؤلف، حيث كتبت "مونودراما" بعنوان "راشدة"، وهي فتاة من الوسط الشعبي لم يسعفها الحظ في الزواج، لتبقى عالة في عين المجتمع "إن صح التعبير"، وهذا المشكل منتشر بقوة في المداشر والقرى والأرياف، حيث يمنع عن الفتاة غير المتزوجة الخروج كما ينظر إليها المجتمع بنظرة دونية، لذا حاولت أن أعالج هذه المشكلة الاجتماعية، حيث انتهيت من كتابة النص وأعدت قراءته وسجلت عليها بعض الملاحظات، ولكن قلت أني اتركه مادة خام، وفي كل مرة تظهر لي أشياء أضيفها إلى النص، لاسيما وأن المجتمع يشهد تطورات متسارعة ومع مرور الوقت تظهر سلوكات أخرى، قد استغلها في تنقيح هذا العمل الإبداعي. لماذا عالجت هذا الموضوع الشائك بالذات ؟ قبل أن أكون فنانة أنا امرأة جزائرية، وطبيعي أني لما أذهب إلى الأسواق وحفلات الزفاف وزيارة الأقارب والأهل ...إلخ، لاحظت انتشار هذا المشكل العويص، وقد أثر فيّ كثيرا، حيث أن الفتاة حتى ولو كانت ماكثة في البيت، معلمة وموظفة... إلخ إلا أن المجتمع يعتبر المرأة غير المتزوجة "قاصرة وعالة عليه". وهذه أول محاولة سأتركها تزداد تبلورا مع مرور الأيام، إلا أن تعرض في المسرح. وماذا عن العمل السينمائي، كيف تقيمي هذه التجربة في بلادنا، باعتبارك أنك قدمت العديد من الأعمال في هذا المجال؟ لدي عمل سينمائي مع المخرج الجزائري الكبير أحمد راشدي، بعنوان "أسوار القلعة السبعة"، شاركت فيه ولعبت دور امرأة جزائرية وأم لأحد المجاهدين، لا أعطيكم المزيد من التفاصيل، لأن الفيلم قيد التحضير، ولما يشاهده الجمهور ويحكم عليه، حينها يكون لنا كلام آخر وهذا سبق صحفي انفردتم به على كل حال... (تبتسم) لاحظنا أنك شاركت في الكثير من الأدوار الكوميدية أكثر من الأدوار التاريخية والدرامية ما هو السبب في ذلك ؟ الفرص لم تتح لكي أمثل في مثل هذه الأدوار السينمائية... ولا يخفى عليكم أن الممثلين لا يختاروا الأدوار التي يلعبونها - ويا حبذا يكون لنا حق الاختيار- فنحن في المسرح موظفون، حيث يعرض عليك أي مخرج أدوار لتجسدها على الركح أو التلفزيون، لكن كنت محظوظة، كوني قدمت أعمال ومثلت عدة شخصيات درامية مع المرحوم عبد القادر علولة - للأسف هذا ما باتوا يحبونه الأدوار الكوميدية - مع العلم أني لست ضد لكن أتمنى أن تكون مواضيع هادفة حتى لا نقع في فخ التهريج، لأنه لا يحق علينا أن نسقط الذوق الجمالي عند المتلقي والمشاهد... مع العلم أنه يوجد تراجع رهيب بخلاف السنوات الماضية، ونحيطكم علما بذات المناسبة، أني بدأت مسيرة المسرح في 1974، في ركح عبد القادر وكانت أول مسرحية شاركت فيها هي "الرهان"، وأنشأنا ورشة مسرح الأطفال، كما أنتجنا عدة مسرحيات وشاركنا في عدة مناسبات وتظاهرات دولية، على غرار مهرجان مسرح الطفل في "فرسوفيا" ببولندا عام 1980. ألم تعترض أسرتك على خوضك مجال التمثيل المسرحي ؟ بالعكس كل العائلة اعترضت على ذلك، حيث معروف في ثقافتنا الشعبية أن المرأة عليها ان تمكث في البيت، ولا تمارس الفن والتمثيل... معذرة على المقاطعة، كيف استطعت إقناعهم ومن ثمة السماح لك بممارسة المسرح؟ تدريجيا اقتنعوا بذلك، لاسيما بعدما شاهدوا أدواري التي أديتها في مسرح الطفل، التي كانت أدوارا نظيفة وجميلة.. والوالد رحمه الله حضر وأعجب بهذه الأعمال الهادفة، وبعد زواجي الأمور يعني تغيرت وأصبح لدي هامش حرية أكبر، بفضل الدعم الذي وجدته من قبل زوجي الذي هو الآخر ممثل ورجل مسرح ولديه أعمال فنية معروفة. هل ندمت على خوضك تجربة الفن الرابع ؟ لا بالعكس لم أندم على هذه التجربة الغنية بالأعمال الإبداعية الغزيرة، المسرح حياة ومدرسة تعلمت منها العديد من الأمور التي لا تنسى، ولو قدر لي العودة إلى الوراء، سأمارس المسرح من جديد وبكل افتخار واعتزاز بسلبياته وإيجابياته، حيث عرّفني الركح بالكثير من المبدعين والفنانين الكبار، من الجزائر وخارجه، على غرار : السويد وفرنسا وسورية ومصر وتونس، ليبيا، إيطاليا والمغرب، وسمح لي بالاحتكاك بالعديد من الأسماء الفنية البارزة. باعتبارك امرأة هل كان المخرجون المسرحيون يعاملونك بقسوة أم كانت معاملتهم معاملة الأخت والصديقة والزميلة في مهنة المسرح؟ الحمد لله لم يكن لدي هذا المشكل، بل بالعكس كان الاحترام متبادل، وعملت كثيرا مع المرحوم عبد القادر علولة، الذي كان يعاملني معاملة جيدة لا يمكنني نسيانها، ويمكن أن أقول لكم إنها من بين أحسن الذكريات، التي قضيتها فوق الخشبة. كان أخا وأستاذ ورفيقا ولا يبخل علينا بالمعلومات والنصائح والإرشادات فكان بحق مدرسة بذاتها من هو الفنان الذي كانت لديك معه ذكريات جميلة وتقاسمت معه هموم وأتعاب الركح ؟ بكل صراحة كان لدي العديد من الأصدقاء، لكن أذكر هنا بالخصوص المرحوم سيراط بومدين، كان زميل في الكثير من الاعمال والمسرحيات دون أن ننسى حيمور وبلقايد. ما رأيك في الجيل الصاعد ا ليوم، هل تعتقدين أنه قادر على تسلم المشعل من المبدعين القدامى ؟ صراحة أبناؤنا لم يعيشوا ما عشناه نحن، إذ بالرغم من نقص الإمكانيات ووسائل الاتصال قدمنا أعمال بارزة، بخلاف جيل اليوم الذي عاش في فترة البحبوبة المالية، لكن هذه الوضعية المادية المريحة لا يمكن أن تدوم... لذا يجب على شباب اليوم أن يعمل ويتعب... فالمسرح عمل وفن وإبداع ورسالة، فالمادة والشهرة تأتي بالجهد والكد والممارسة وعلى أبنائنا أن يكونوا بسطاء ومتواضعين ويستفيدوا من نصائح الآخرين. ممكن كلمة في حق الفنان محمد جديد المعروف باسم "هواري بوضو" الذي تعرض مؤخرا لوعكة صحية ؟ الله يشافيه ويعافيه.. أتمنى يرجع بسلامة ونشاهده في أعمال جديدة، صراحة هو إنسان طيب وخلوق... أحترمه كثيرا لما قدمه لعالم الإبداع، وبالمناسبة نقدر ظروفه، وما زال يرجع بسلامة لأهله، وممكن أشارك معه في أفلام أخرى، وأعلن بالمناسبة تضامني معه في هذا الظرف بالذات.