إننا لا نكاد نعرف عن الحركة المسرحية في إفريقيا التي نحن جزء منها إلا القليل، في حين نعرف عنها في أوروبا الكثير. ويفترض أن يكون العكس هو الصحيح. بحكم الانتماء القاري. كما أن أجواء الأعمال المسرحية الإفريقية هي أقرب إلينا من حيث موضوعاتها والعناصر التي تعتمد عليها والتي هي أقرب إلى الاحتفالية الشعبية باعتمادها علي الراوي والمداح وهو ما نشترك فيه مع دول القارة السوداء. إذ نجد أن أغلب المسرحيات في هذه القارة تعتمد أساسا علي الطقوس والرقص ومختلف العادات والتقاليد في المعيشة اليومية، ربما أعرق الدول الإفريقية في التجربة المسرحية هي نيجيريا إلى جانب الجزائر ، فقد عرفت نيجيريا نشاطا متواصلا وتجارب مختلفة ومتنوعة الأمر الذي أدى إلى ظهور وبروز عدة أسماء لكتاب النصوص المسرحية ذات الجودة والتميز ولا تقل عن النصوص الغربية قيمة فنية أسماء عديدة لكتاب من نيجيريا استطاعت أن تجد لها مكانة تحت أشعة الكتابة المسرحية وأن توصل نصوصها إلى مسارح الآخر أي إلى خارج بلدها الأصلي نيجيريا ولعل أبرز هذه الأسماء وأكثرها شهرة هو الكاتب الحائز علي جائزة نوبل آداب سنة 1987 " وول سوينكا" ، وهو شاعر وكاتب رواية وكاتب مسرحي متميز له العديد من الأعمال الروائية والشعرية والنصوص المسرحية الجيدة والتي لقيت رواجا داخل وخارج نيجيريا ، يكتب " سوينكا " باللغة الانجليزية لكن أغلب أعماله تمت ترجمتها إلى عدة لغات، منها العربية علي قلتها اي المترجمة الي العربية بعكس اللغات الاخري والتي منها الفرنسية التي تمكن بها من قراءة عدة نصوص مسرحية لهذا الكاتب المتميز نذكر منها " الموت وفارس الملك" ، " حصاد كونجي"، " رقصة الغابات " ، " الإخوة جيرو" ، " مجانين واختصاصيين،" الأسد والجوهرة" وغيرها . في مجمل هذه النصوص يعتمد " سوينكا " على الطقوس المنتشرة في بلده وعلي الرقص الشعبي والحكايات والعادات والتقاليد لمختلف الأجناس من سكان "نيجيريا " ، بحيث أن المجتمع النيجيري يتركب من عدة أجناس كالأفارقة المتفرنجين والعبيد المحررين، الأمر الذي أوجد تنوعا لغويا وتعددا في اللهجات، الأمر الذي أوجد كذلك تنوعا في التجارب المسرحية وثراء لا نجده في دولة افريقية أخرى،. ففي رقصة الغابات مثلا نجد " سوينكا " يتعرض إلى فضح المعتقدات والمؤسسات التقليدية، ففي " الأسد والجوهرة " يقدم لنا صورة تنافس بين زعيم قبلي عجوز مزارع وشاب متعلم ومشعوذ ، أما في مجانين واختصاصيين فيقدم لنا صورة عن العادات والتقاليد في المجتمع النيجري والصراع بين القديم والحديث. ورغم أن المسرحية في نيجيريا لا تختلف عن الموجود منها في الغرب من حيث قواعدها وعناصرها إلا أن الكتاب في نيجيريا يسعون إلى الوصول إلى الأصالة الخاصة بهم باعتماد كل عناصر الثقافة الشعبية الموجودة في بلدهم من طقوس شبه دينية وأخرى دينية ورقص وعادات وتقاليد مختلفة لكل الأجناس، المشكلة في المجتمع النيجيري باختصار أنهم يعملون من أجل أفرقة المسرح في بلدهم. ويعرف " سوينكا" بأنه الكاتب الأكثر إثارة للجدل سواء كروائي أو كشاعر أو كاتب مسرح. وربما ما ساعده على كتابة نصوص مسرحية جيدة هو عمله يوم كان طالبا في انجلترا في لجنة قراءة النصوص في المسرح الملكي ، مما جعله يتعرف على أهم الأسماء في المسرح في انجلترا مثل أوزبورن وبيكيت وييتس وغيرهم ، وقد كتب هو بعض النصوص التي تم عرضها على ركح المسرح الملكي الذي كان يعمل فيه قارئ نصوص. تمتاز نصوص" سوينكا " بالفكاهة وببراعته في استخدام الحيل المسرحية مما نلمس ذلك في نص " محاكمة الإخوة جيرو" وكذلك في مسرحية " الأسد والجوهرة " ، إن قدرته على ذلك جعلت النصوص لا تبعث على الملل.، أما في نصوصه الأخيرة فقد بدأ " سوينكا " بالابتعاد عن هذه الروح المرحة وصارت نصوصه الأخيرة تطبعها مسحة من الكآبة وذلك لخيبة أمله في تحقيق أحلامه بارتقاء المجتمع إلى مستواها. ورغم ذلك فإن " سوينكا " يعد وجها من وجوه الحركة المسرحية في إفريقيا عموما وليس في بلده فقط ، ولكنه أهمها في نيجيريا وهو في تمرده ومعارضته السياسية واعتماده الثقافة الشعبية في نصوصه أقرب ما يكون إلى كاتب ياسين، فهناك عناصر عديدة مشتركة بينهما فيما كتباه سواء في مجال الرواية أو الشعر أو المسرح ، إلا أن كلاهما متمرد ومشاغب ومشاكس للسلطة السياسية في بلده وكلاهما ملتزم بالدور البطولي للإنسان وكلاهما جسد ذلك فيما كتبه، وأكاد أجزم أن " سوينكا " هو ياسين نيجيريا. أخيرا كم يكون مبهجا لو أن مسرحا من مسارحنا يقترب من هذا الكاتب ويقدم لنا أحد نصوصه الجميلة عوض اللهث وراء النصوص الغربية.