لا يمر يوم دون أن نسجل احتجاجا لمواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية أو المهنية , في شكل اعتصامات أو مسيرات أو نداءات عبر مختلف وسائل الإعلام أو تهديدات بالإضراب عن العمل أو الدراسة , و غيرها من أشكال الاحتجاجات التي يبدو أنها أصبحت في الجزائر أداة للتأسيس لحقوق لا وجود لها ,لا بموجب القانون و لا بمقتضى الأخلاق . فالجميع يعرف الطريقة التي يتم بها التوظيف في القطاعات الحكومية , و كيفية تجديد عقود العمل المحدودة المدة لبعض الموظفين, للضرورة أو لمجرد "الاعتبارات" التي اعتمدت في توظيفهم أول مرة.كما أن الجميع من المفروض أن يكونوا ملمين بطريقة توزيع السكنات و شروط الاستفادة منها و آليات الطعن في قوائم المستفيدين .. و نفس المعرفة ينبغي أن يتحلى بها كل مواطن بخصوص جميع الحقوق التي خولها لها الدستور و قوانين الجمهورية , سياسية كانت أو مدنية و في جميع مجالات الحياة من المهد إلى اللحد . و بهذه المعرفة فقط يمكنه الاحتجاج عن بينة من أمره, كلما شعر أن أحد حقوقه الأساسية ,قد هضمت .لأن المعنى الحقيقي لكلمة الاحتجاج للذين لم يعرفوا منه إلا المعاني السلبية من إضرابات و اعتصامات و مسيرات و قطع الطرقات ؛ قلت المعنى الحقيقي للكلمة؛ هو تقديم الحجة و الدليل لإثبات حق أو نفيه . فالحقوق لا تتأسس بلافتات ترفع و لا شعارات تردد لتسمع , و إنما هي قوانين تشرع و تطبق على جميع المواطنين و المواطنات . كما أن المطلب المخالف للقانون لن يتحول إلى حق , حتى و لو أيدته كل الأحزاب الباحثة عن كسب الشعبوية و توسيع قواعدها النضالية , و ساندته كل الفضائيات و وسائل الإعلام اللاهثة وراء رفع نسبة المشاهدة أو المقروئية و دعمته كل النقابات الطامعة في زيادة عدد منخرطيها و بالتالي نسبة تمثيلها في هذا القطاع أو ذاك , و تضامنت معه و أيدته كل المنظمات الحقوقية ؛حكومية كانت أو غير حكومية. .. ففي مجال السكن على سبيل المثال , استفادت جميع بلديات الوطن و بمناطقها الحضرية أو الريفية, من برامج سكنية من شتى الأنماط , تؤكدها عمليات الترحيل التي تخص بشكل منتظم عائلات جزائرية مقيمة في بناءات هشة إلى سكنات جديدة , و هو مؤشر على أن الدولة الجزائرية ماضية في تجسيد سياستها في مجال السكن بهدف القضاء على الأزمة التي عرفها قطاع السكن بفعل تراكم الطلب و تراجع العرض . غير أن هذا الجهد المبذول من طرف السلطات العمومية لتوفير سكن لائق لكل عائلة جزائرية و القضاء على البنايات الهشة , لتحسين ظروف حياة المواطنين , لم يلق التفهم المطلوب لدى المواطنين المعنيين بأزمة السكن , بدليل الاحتجاجات التي أصبحت تصاحب كل إعلان عن قائمة للمستفيدين من الحصص السكنية الموزعة , و هي احتجاجات تتخللها أحيانا تجاوزات و اعتداءات على المرفق العام كغلق الطرق و مقرات البلديات و الدوائر بل و يصل الأمر أحيانا إلى حد تخريب الأملاك العامة , و إلى سلوكات و تصرفات لا يقبلها العقل السليم,و يعاقب القانون مقترفيها . و من المفارقات العجيبة في هذا المجال , أن كثيرا من المشاريع السكنية في طور الإنجاز في أرجاء الوطن , تعاني من بطء في وتيرة الأشغال لعزوف البطالين عن العمل في ورشات البناء , ثم يكون هؤلاء البطالون , أول من يحتج و يعتصم و يقطع الطريق و يخرب المرفق العام , بمجرد استلام حصة سكنية بشق الأنفس و توزيعها على مستحقيها؟ و بمرور الوقت , أضحت جميع المطالب تؤدي إلى قطع الطريق بالمتاريس و حرق العجلات المطاطية و إسقاط الأشجار و وضع الأحجار الضخمة , و ذلك للاحتجاج بعد حادث مرور للمطالبة بالممهلات, (و هو ما يلقى الاستجابة السريعة حتى أصبحت طرقاتنا كلها ممهلات , و شخصيا ,عددت بين مدينتين 11ممهلا على مسافة 12 كلم فقط ؟) , أو بعد انقطاع المياه أو الكهرباء أو الغاز , أو تدهور الطريق , أو بعد اختفاء شخص , أو لغياب النقل , و النقل المدرسي , أو المركز الصحي , أو الطبيب , أو للمطالبة بالأمن , أو برحيل مسؤول أو بإبقائه ؟ أو لتنفيذ قرار أو حكم قضائي أو للحيلولة دون تنفيذهما ؟ و غالبا ما يبرر المحتجون قطع الطريق , بعدم الاستجابة لمطالبهم عبر طرق الاحتجاج السلمية , غير أنه في الواقع المعيش فإن هذه التبرير أضحى حالة نادرة , لأن غلق الطريق أضحى الوسيلة لتحقيق المطالب , رغم أن القانون يجرمه و يعاقب من يقترفه . الطريق العام محمي بقوة القانون... و الطريق العمومي المحمي بقوة القانون ,يُعَرِّفُه المشرع الجزائري بنص المادة 360 من قانون العقوبات التي "تعتبر طرقا عمومية؛ الطرق والمسالك والدروب وكافة الأماكن الأخرى المخصصة لاستعمال الجمهور والواقعة خارج مجموعات المساكن والتي يجوز لأي فرد أن يمر بها بحرية في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل دون اعتراض قانوني من أي كان ". و بالتالي فإن ارتكاب مخالفة أو جنحة أو جناية في الطريق العمومي يؤدي إلى تشديد العقوبة , كما أن قطع الطريق في حد ذاته يشكل جريمة بمنطوق المادة 408 من قانون العقوبات التي تنص على أنه:" كل من وضع شيئا في طريق أو ممر عمومي من شأنه أن يعيق سير المركبات ، أو استعمل أي وسيلة لعرقلة سيرها وكان ذلك بقصد التسبب في ارتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته ، يعاقب بالسجن المؤقت من خمس 05 سنوات إلى عشر 10 سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 1.000.000 دج".و هي عقوبات تتضاعف بحيث تصل إلى السجن المؤبد في حالة ما إذا ترتب عن غلق الطريق إزهاق روح إنسان . كما منعت المادة 97 من نفس القانون , التجمهر المسلح و التجمهر غير المسلح الذي من شانه الإخلال بالهدوء العمومي في الطريق العام أو في مكان عمومي .و هي الجريمة التي حددت المادة الموالية عقوبتها " بالحبس من شهرين إلى سنة كل شخص غير مسلح كان في تجمهر مسلح أو غير مسلح ولم يتركه بعد أول تنبيه .ويكون الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا استمر الشخص غير المسلح في تجمهر مسلح لم يتفرق إلا باستعمال القوة ، ويجوز أن يعاقب الأشخاص المحكوم عليهم بالحرمان من الحقوق المبينة في المادة 14 من هذا القانون".و تضيف المادة 99 :" يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل من وجد يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ أو أشياء ظاهرة أو مخبأة استعملت أو استحضرت لاستعمالها كأسلحة وذلك في تجمهر أو أثناء تظاهر أو بمناسبته أو أثناء اجتماع أو بمناسبته وذلك بغير إخلال بعقوبات أشد عند الاقتضاء .ويكون الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا كان تفريق التجمهر قد تم بالقوة ". كما أن المادة 100 تؤكد أن :" كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع يعاقب عليه بالحبس من شهرين إلى سنة إذا نتج عنه حدوث أثره ، وتكون العقوبة الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين في الحالة العكسية . و قد اشتمل قانون العقوبات مواد أخرى تسلط عقوبات متفاوتة , لمجرد وضع أو ترك مواد أو أشياء في الطريق العام من شانها أن تمنع أو تنقص من حرية المرور أو تجعله غير مأمون , بما في ذلك عرض مواد وسلع للبيع دون ترخيص قانوني ...بل إن قطع الطريق قد يُكَيَّف ضمن جرائم الإرهاب إذا استهدف أمن الدولة أو الوحدة الوطنية أو السلامة الترابية أو استقرار المؤسسات و سيرها العادي بنص المادة 87 مكرر من قانون العقوبات. و لا شك أن من يطلع على كل المواد القانونية و تفرعاتها التي خص بها المشرع الجزائري "الطريق العام و الأماكن العمومية "لإبعادها عن كافة أشكال الإجرام , سيدرك أن استعمال هذه الأماكن للاحتجاج العنيف , هي مغامرة محفوفة بالمخاطر. ...و بقوة الشرع هذا عن القانون الوضعي , أما عن الأحكام الشرعية , فعلى من تحدثه نفسه بقطع الطريق , أن يطلع على باب الجناية و أحكامها في الفقه المالكي في كتاب "بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك " لمؤلفه الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي ,على الشرح الصغير, لأحمد الدردير . و هو باب يتحدث حتى عن حكم من يضع قشور فواكه في الطريق العام فتؤدي إلى انزلاق شخص متسببة في وفاته أو عاهة أو جروح , و ما يترتب عن ذلك من قصاص و ديات و كفارات بحسب القصد و بحسب الحالات ... فكيف الأمر بمن يضع المتاريس و يقطع الطريق العام مانعا المرضى و الحوامل من الوصول إلى مؤسسات العلاج متسببا في وفاتهم أو إعاقتهم؟