السياسي كان يتبع رجال مهنة المتاعب وهذا ما حدث لي مع الرئيس الراحل أحمد بن بلة في البليدة كان لدينا صحافيين عمالقة، مثقفون ويكتبون بمستوى عال هكذا تأسست جريدة الشعب على يد الراحل محمد خيضر أكد الإعلامي والمؤرخ والمجاهد الدكتور محمد العربي الزبيري في الحوار الخاص الذي أجرته معه أمس "الجمهورية" أن الصحفي في زمنهم كان مناضلا ولا يتعرض للمضايقات وهامش الحرية كان كبيرا، مضيفا أن السياسي كان يتبع الصحفي وليس العكس، متحدثا عن واقعة مثيرة حدثت له مع الرئيس الراحل أحمد بن بلة، فضلا عن أمور أخرى تتعلق براتب الصحافيين والأسماء الإعلامية التي كانت تكتب قبل وبعد الاستعمار ...إلخ الجمهورية : كرمتم منذ أيام من قبل جامعة عبد الحميد ابن باديس بمستغانم، في ملتقى دولي للإعلام، أولا ما تعليقكم على هذه الالتفاتة التي تزامنت واليوم العالمي لحرية التعبير ؟ محمد العربي زبيري : المنطلق العلمي الفكري الثقافي ، لأننا عندما نريد أن نكرم أنفسنا يجب أن نخلق مناسبات لتسمح لنا بأن نطل على المستقبل، نحن نعتقد وهذا ذكرته في الكثير من مقدمات كتبي، أن من لا يدرس الماضي، لا يفهم الحاضر، ومن ثمة فهو لا يستطيع بناء المستقبل، لان عملية البناء متواصلة وكاشفة ومتكاتفة، فنحن في جامعة الشيخ عبد الحميد بن باديس بمستغانم، الذي هو رمز حيث رأيت في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من يكتب، من هو الشيخ عبد الحميد بن باديس، هذا كان رجل دين... نحن ليس لنا رجال دين، في الإسلام، وديننا لا يعترف بوجود رجال الدين، بل يعترف بالعلماء، أما رجال الدين فموجودين في الديانات الأخرى، نحن لم يكن لنا ولاينبغي أن يكون، لان الإسلام يرفض ذلك، فمثلا يقال عندنا إننا نكون الأئمة، نحن لا نكون الأئمة لأن الإمام هو عالم متطوع، ويجب أن يكون متطوعا وليس موظفا، فإذا تحول إلى موظف سيصبح غير إمام، لماذا هذا الطرح ؟ لأنه عندما لا يكون موظفا، يكون حرا والحر هو حر الأفكار والسلوك، والحر هو الإسلام، لأن الإسلام هو الحرية، إذا حددت مجاله فإنك أنقصت من حريته، ومن ثمة أنقصت من وظيفته، في تاريخنا العالم هو الملم بكل شيء، الدين والحياة والثقافة وباقي العلوم، لذا يجب أن نعترف بدور عبد الحميد بن باديس في تربية الأجيال، مع الأسف، أهملناها ولم نعطها حقها من البحث والمعرفة والتكريم. جيل اليوم يريد معرفة تفاصيل أكثر عن عمل الصحفي قبل وبعد الاستعمار، بطريقة أخرى كيف كانت مهنة الصحفي في زمنكم ؟ هو في عهد الاستعمار كان الصحفي مناضلا، ومثقفا وعالما، الصحفي لم يدرس في جامعة ولا في معهد متخصص في الصحافة والإعلام، كان يحركه الإيمان والوعي والرغبة في تحقيق المستقبل الأفضل، أنا مثلا عندما أطلع على كتابات الصحفيين لما كانوا في عهد الاستدمار الفرنسي، مثلا محمد السعيد الزاهري، أحمد رضا حوحو وآخرين فأنا أتعجب كيف وصلوا إلى هذه الأبهة والمجد في الكتابة الصحفية، كانوا عمالقة كلهم، مثلا الشيخ توفيق المدني، له فضل لا يعرفه الجزائريون ... معذرة على المقاطعة ما هو هذا الفضل ؟ كان من المغتربين والمهجرين الذي هجرتهم فرنسا إلى تونس، وكان إلى جانب الشيخ عبد العزيز الثعالبيّ، الشيخ اليعلاوي، الشيخ ابن طفيش، من المؤسسين للحزب الحر الدستوي التونسي، يعني كلهم كانوا من الجزائريين، بعدها جاء الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، غير التسمية وأصبح الحزب الحر الدستوري الجديد، لكن يجب أن نعترف أن التونسيين، ما زالوا يقدرون الشيخ عبد العزيز الثعالبي، ونحن لا نقيم علماءنا للأسف... كان الصحفي يمتاز بالروح الوطنية... يقاطعنا ! نعم يا بني كان يمتازون بالنضال بالرغم من أنهم لم يدرسوا في معاهد متخصصة، كانوا علماء بأتم معنى الكلمة، حيث كانوا يلمون بكل شيء، عندما أقرأ مثلا مقالات للشيخ محمد السعيد الزاهري، صراحة من أروع ما يكون... مثلا مقالات الشيخ الطيب العقبي، من أروع ما يكون ... يعني كل هؤلاء الذين كانوا يكتبون كنا لا نعتبرهم صحافيين بل شيوخا، وكلمة شيخ عندنا في العربية لها معناها وقيمتها، أنا أذكر أن الدكتور محمد بلعربي الشرشالي، هذا دكتور جزائري، ولد سنة 1850، حفظ القرآن وتعلم ثم أرسله والده إلى باريس )فرنسا( تخرج طبيبا في سنة 1884، في أثناء الدراسة تعرف على فيكتور هيغو، وهذا الأخير وجد عند الشيخ محمد بلعربي الشرشالي، ما لم يجده في المجتمع الفرنسي، فأصبح يلازمه، ويمشي معه في الشوارع، فاغتاظ الصحافيون الفرنسيون، وقالوا له أنت هرم فرنسي ونفخر بك، كيف تمشي مع هذا الشاب الجزائري، الذي ليس له حتى القيمة العلمية المطلوبة، فقال لهم أنا هذا الشاب تعلمت منه ما لم أتعلمه في المدرسة، والأجيال التي سبقتني في هذا المجتمع، وعندما رجع الشيخ الشرشالي إلى الجزائر، وبالتحديد إلى الجامعة التف حوله الأساتذة وقالوا له حثنا عن رحلتك إلى باريس، قال لهم :" قلت للشيخ فيكتور هيغو في الميدان كذا وقال لي الشيخ هيغو... وكان للشيخ هيغو موقف... وتناقشنا مع الشيخ هيغو .." والشيخ ابن شنب كان حاضرا قال له ولكن يا أستاذ " هذا هيغو أديب فرنسي كبير وشاعر مقتدر ... فلماذا تسميه بالشيخ ؟" وهنا تظهر معاني كلمة الشيخ البالغة التي نعتز ونفتخر بها، لأنها تعني العلم والاحترام ... لكن لما نقول الدكتور والشاعر نعيطه مفهوم آخر أقل معنى من كلمة الشيخ... ما هو السر في هذا التفوق والتميز الذي اتصف به الإعلاميون في زمنكم بالرغم من نقص الإمكانيات وأنهم لم يتمدرسوا في أكبر المعاهد الإعلامية ؟ أولا : كان فيه الإيمان بالانتماء إلى هذه الأرض، ثانيا : والاستعداد للتضحية من أجلها، ثالثا : والعمل من أجل تحقيق كل ما يأتي في خدمة هذا البلد.. هذا لم يبق عندنا للأسف، كان المفروض في سنة 1962 أننا نضع المفاهيم والمصطلحات لكن منذ تلك الفترة، دخلنا في ما لا يحمد عقباه، نحن كانت عندنا مؤسسة نسميها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ومؤسسة أخرى نسميها المجلس الوطني للثورة الجزائرية، مؤسستان رسميتان قادتا الثورة، فكانتا على رأس كل ما كان يعمل من أجل استرجاع السيادة الوطنية، في 22 جويلية 1962، من دون استشارة أي كان نلغي الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني للثورة الجزائرية، ونستبدل ذلك بمكتب سياسي مكون من سبعة )7( أشخاص، في نفس اليوم الذي تكون فيه اثنين قدما الاستقالة بوضياف وآيت احمد، وقالا بصريح العبارة، لا نريد أن نكون عضوا في هذه المؤسسة التي ليس لها شرعية، ولكن تلك المؤسسة التي ليس لها شرعية هي التي انطلقت وظلت أعمالها متواصلة وما بني على باطل فهو باطل كما يقول المثل.. نريد العودة بك سنوات إلى الوراء كيف كنت تعمل في الصحافة ؟ المشاكل التي كنت تعاني منها ؟ الرهانات المستقبلية.. نرجو أن تروي لنا يومياتك مع مهنة المتاعب؟ لم يكن نتلقى المساعدة من أي كان، كنت في جبهة التحرير الوطني إلى جانب سي محمد خيضر رحمه الله، هذا الأخير قرر أنه يزود الجزائر بجريدة اسمها جريدة الشعب، أنا في ذلك الوقت سألته .. لماذا سميتها جريدة "الشعب" ؟ هل تكريما للشعب ؟ قال لي لا ليس هذا هو السبب الحقيقي، لكن في سنة 1937 كنا أسسنا جريدة الشعب وكنت مسؤولا عنها وكان الشاعر الكبير مفدي زكرياء، هو رئيس التحرير، وأصدرنا منها عددين، لتقوم بغلقها الإدارة الفرنسية، لأن مفدي زكرياء نشر مقالا نثريا عنوانه :" أيها الشعب البدار البدار" ودعا الشعب إلى التحرك ضد السلطات الاستدمارية، وفيها قصيدة شعرية جهنمية، حركت الفرنسيين وقاموا بإغلاقها، ليضيف محمد خيضر بأنه أراد استرجاعها من جديد، وتمنيت أنها تكون في نفس المستوى... كنا سبعة في جريدة "الشعب" لما أعيد فتحها في إطار جبهة التحرير الوطني، واتفقنا على إعادة إطلاقها من جديد، كان رئيس التحرير سي محمد الميلي رحمه الله، سكريتير التحرير كان محمد بلعيد ما زال على قيد الحياة، والخمسة الآخرين مقسمين على الركن الخارجي الوطني ... إلخ ونحن نقرر ولم تكن لنا عقدة حتى عندما أكمال مقالي نعطيه لأحد زملائي لقراءته من جديد، إذا كان فيه ملاحظة أو شيء من هذا القبيل، فالجريدة في ذلك الزمان هي أفضل من الوقت الحالي.. معذرة من أي ناحية كانت الصحف في زمانكم أفضل من صحف اليوم ؟ نحن كنا ننطلق من الإيمان والعقيدة، الآن من الوظيفة، الإعلامي يشتغل اليوم لكي يربح أموالا، نحن لم نكن نجري وراء المكاسب المادية... كم كنتم تتقاضون في وقتكم ؟ في ذلك الوقت أنا شخصيا كان عندي مرتب محترم حوالي 900 دج، حيث كانت أجور الموظفين تتراوح بين 300 إلى 900 دج، يعني كان الجميع لا يعاني من الناحية المادية.. كيف كانت علاقة الصحفي بالسياسي وقتذاك ؟ سؤال مهم جدا ... السياسي يتبع الصحفي وليس العكس، سأعطيك مثال عن ذلك عن علاقة الصحفي بالرؤساء الجزائريين، مرة ذهبنا إلى البليدة رفقة الرئيس الراحل أحمد بن بلة رحمه الله، أراد أن يزور السيدة التي لما هرب من السجن ذهب إليها، خرجت السيدة وبدات تشكو من بعض المشاكل، التفت إليّ وكنت واقفا أمامه رفقة الرئيس الراحل هواري بومدين، وقال لي " يا الله اكتب .. اكتب" فأجبته :" هل أنا كاتبك الشخصي ؟ " فقال لي إذا :" كلم رئيس الديوان " فقلت له :" هل تعتقد أنني خادم عندك ؟ أكتب بمفردك أو اطلب من آخر يكتب ذلك !!؟".. كنا صراحة نؤمن بوجودنا المستقل وهذا الذي تركنا نتقدم . هل تعرضت لمضايقات بعد هذه الواقعة ؟ لم أتعرض لأية مضايقة من قبل الرئيس أحمد بن بلة، لأني كنت واثقا مما قلت، بعدها بشهرين أو ثلاثة جاءني السيد عبد الرحمان شريف، قال لي أن الرئيس يريد أن ينصبك رئيسا للتحرير في مكان الميلي، فقلت له هذه جريدة الحزب، وبن بلة ليس له أي علاقة بها، والميلي ماذا فعل لكم حتى يستحق هذه التنحية؟ هل كانت وسائل العمل متوفرة بدءا بالمطبعة، الورق ، آلات التصوير ... إلخ ؟ المطبعة اشتراها الراحل محمد خيضر من القاهرة، وجلب معه ثلاثة تقنيين لتشغيلها والاعتناء بها، كما أننا ساهمنا في تكوين الصحافيين الشباب، من خلال السماح لهم بمرافقتنا خلال التغطيات الصحفية.. يقال إنه في زمنكم كان هامش حرية التعبير كبيرا بالرغم من أنه كان يوجد ما يعرف بالحزب الواحد ... هل تؤكدون هذه المعلومة ؟ هذا هو الخطأ الشائع .. لم يكن في الجزائر الحزب الواحد، كانت حرية التعبير لأنه لم يكن لدينا حزب إطلاقا، وأضيف أكثر من ذلك لم نكن نتلقى تعليمات فوقية لكتابة المواضيع. في الماضي كنا نعمل من أجل الجزائر أما اليوم فالناس باتت تعمل من أجل المصلحة الشخصية.