أبحر جمهور قاعة سينما المغرب بوهران سهرة السبت إلى الأحد، في أعماق عاصمة الساورة بشار، بطقوسها و تراثها الموسيقى العريق، من خلال حفل فني مميز أحيته فرقتا الفردة و اللمة البشارية، كان "قعدة" صحراوية تقليدية بامتياز، موشحة بالطرب الأصيل، خلقت أجواء ساحرة و رائعة للغاية، تفاعل معها الجمهور، الذي حضر هذه السهرة الرمضانية، المنظمة من قبل الديوان الوطني للثقافة و الإعلام، إلى حد كبير. تألقت فرقة "الفردة" كعادتها في هذه السهرة الرمضانية، و تمكنت من خلق أجواء روحية بقصائدها و مدائحها الدينية، حيث أطربت في "يا كريم الكرما"، و "قل كنزي و كمال لعرس، حب طه رسول الله"، من نظم الولي الصالح الشيخ سيدي مبارك من القنادسة، و " يا الشيخ بن بوزيان"، و غيرها من الأغاني التي رسمت أجمل لوحة موسيقية من التراث الصحراوي الأصيل، الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، حيث كانت وهران المحطة الثانية لفرقة الفردة، بعد الجزائر العاصمة، التي أحيث فيها حفلا بقاعة الموقار، و آخر بقصر الثقافة مفدي زكريا، كما لا تزال رحلتها متواصلة في البحث عن قصائد التراث، سعيا منها لنفض الغبار عن تلك الأشعار المغمورة و غير المعروفة، و السهر على إعادة إحيائها من جديد، من أجل ترميم الذاكرة و الحفاظ على الموروث الثقافي لمنطقة بشار، في أبهى صوره الأصلية، التي كان عليها منذ القدم، لكن على إيقاع "الفردة" الفريد من نوعه. كما أمتعت نساء "اللمة البشارية"، تحت قيادة "الديفا" أو ملكة القمبري حسنة البشارية، و النجمة سعاد عسلة، مؤسسة هذه الفرقة منذ أربع سنوات، بأصواتهن و حضورهن المميز، و كذا بلباسهن الصحراوي الأصيل و الجميل، الذي يعكس سحر و أناقة المرأة الصحراوية، حيث أطربت حسنوات اللمة البشارية، العائلات الوهرانية بأغاني جميلة من التراث، منها "صلي و رغبي المولى"، و "مزين اللمة و قعاد قناوة" و "الغار بيه"، ثم عرجن إلى البيض و غنين "لا توحشتيني" من تراث هذه المنطقة التي تشتهر ب "القول"، كما أمتعن أيضا الحضور بأنغام "هوب هوبي"، و تألقن في الحضرة من خلال أغنية "الله يا مولانا الله" مع الحاجة زازة، و في طابع القناوة و على أنغام القمبري و القرقابو، غنين "جايين"، من تأليف و تلحين سعاد عسلة، و "الجزائر جوهرة" و "بابا ميمون"، حيث أبهرت العميدة حسنة البشارية الجميع، بعزفها المميز على آلة القيتار الكهربائي تارة، و القمبري تارة أخرى، في مشهد كان يوحي بتواصل الأجيال، تجلى في 11 إمرأة بين شابات و أمهات و جدات، ممن شكلن عناصر هذه اللمّة البشارية. تقول سعاد عسلة التي تعيش في باريس منذ 25 سنة، " فكرة تأسيس هذه الفرقة، كانت في البداية بدافع أناني، لأنني أردت أن أستعيد ذكرياتي من خلال الأغاني القديمة، التي كنت أسمعها و أرددها و أنا طفلة وسط "لمة" العائلة و الأحباب، لكنها ترسخت عندما لاحظت أن التراث الشفهي لمنطقة بشار بدأ يتلاشى و يزول، و أن بنات اليوم لا يعرن أي اهتمام لهذا الموروث الفني، الذي أصبح في نظرهم مجرد أغاني قديمة تجاوزها الزمن، و هو ما جعلني أحرص على إعادة إحيائها من جديد، و الحفاظ على هذا التراث، و تكللت كل هذه الجهود بصدور أول ألبوم للفرقة في ديسمبر الماضي".