إن عدم تحرك الأحزاب السياسية و التزامها الصمت في وقت تستعد الجزائر لاستحقاق رئاسي في غضون 7 أشهر القادمة يثير فعلا الاستغراب و التساؤل ؟ غير أن التساؤل يفقد جدواه عندما يتعلق الأمر بطبقة سياسية يمارس أفرادها السياسة كمهنة حرة تستهدف الريع الانتخابي , و هو ريع يتضاءل في الاستحقاقات الرئاسية حيث لا بيع للترشيحات . ومع ذلك فالتساؤل يبقى مطروحا على قيادات الأحزاب المعارضة على وجه الخصوص كونها معنية أكثر بالانتخابات الرئاسية القادمة إن كانت عازمة على تقديم مرشحها , و من ثم لا يمكننا سوى تقديم فرضيات لتفسير موقف أحزاب المعارضة . من بين الفرضيات الأقرب إلى واقع الحال أن هذه الأحزاب تنتظر قرار رئيس الجمهورية بخصوص الترشح لعهدة خامسة , لتتخذه منطلقا لتحركها موالاة أو معارضة , مشاركة أو مقاطعة . و يمكن لمثل هذا القرار أن يستغل كذلك للتغطية على عجز الأحزاب عن خوض الاستحقاق الرئاسي , سواء على مستوى توفرها على مرشح قادر على تحمل مسؤولية قيادة البلاد , أو على مستوى القدرة على تحمل أعباء الاستحقاق الرئاسي من حيث امتلاك التمويل الضروري قبل تمويل الدولة ؛أو من حيث الوضع الداخلي للأحزاب المتميز بالانقسامات و الصراعات التي عادة ما تزداد حدتها في المواعيد الانتخابية , أو على صعيد الانتشار الشعبي و الجغرافي الذي يمنح الحزب القدرة على حشد و تجنيد الجماهير لخوض أية معركة انتخابية حتى عندما تجرى في غير موعدها , أو على مستوى النشاط الحزبي العادي و المنتظم و الموزع على مدار شهور العام , لضمان ديمومية النضال السياسي , و توسيع قاعدته الشعبية , أو على مستوى توفر الأحزاب على برامج سياسية واقعية تأخذ بعين الاعتبار توجهات الرأي العام الغالب في المجتمع , أي أن الأحزاب هي المطالبة بالاستجابة إلى تطلعات الشعب , بدلا من محاولة فرض توجهاتها عليه . كل هذه الاعتبارات تفرض علينا تأكيد مواقفنا من التشكيلات الحزبية حيث أن الإشكال الأكبر لدى الأحزاب السياسية في الجزائر , أنها لا تستفيد من تجاربها السابقة في الاستحقاقات الانتخابية سواء كانت مشاركة فيها أو مقاطعة لها , و لذا تعود في كل موعد انتخابي بنفس الخطاب الفارغ شكلا و مضمونا , شكلا لأنه يخلط عدة لغات و لهجات لإيصال مضمون متخم بالوعود مستمد من أرشيف هذه الأحزاب المنقول بشكل أو بآخر من التراث السياسي للحركة الوطنية , و هو أمر نتركه للباحثين الأكاديميين ليدققوا فيه النظر , لنركز على مسألة واحدة كثيرا ما تطرحها هذه الأحزاب كلما تعلق الأمر باستحقاق رئاسي على وجه الخصوص , إذ تسارع دائما إلى المطالبة منذ الوهلة الأولى بامتناع السلطة عن تقديم مرشحها بحجة ضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين و تكريس مبدأ التداول على السلطة و شفافية الاقتراع و غيرها من الحجج التي تغض الطرف بطبيعة الحال عن مبدأ الحق في الترشح لأي مواطن تتوفر فيه. وصفة النجاح واحدة لا تتغير الشروط القانونية والدستورية, بغض النظر عن الجهة التي تدعمه . لكن الأغرب في مثل هذا المطلب, هو أن أحزابنا مثلهم مثل المترشحين الأحرار للرئاسيات (السابقة) يريدون من النظام الحاكم أن يقدم لهم السلطة و مقاليد الحكم على طبق من ذهب , دون أن يبذلوا أي جهد أو يقدموا أي عربون ملموس لاستحقاق مثل هذه الهبة . و بصياغة أوضح:» لماذا يريد هؤلاء من السلطة أن تنزل إلى مستواهم المتميز بالسبات الطويل و العميق على مدى السنين الفاصلة بين المواعيد الانتخابية و لا يرقون هم إلى مستوى السلطة التي تنهمك بين الانتخابات في تجسيد وعودها الانتخابية و تقديم العربون الملموس الذي يدعم شعبيتها و يقوي قبضتها على دواليب الحكم ؟ لقد وجهت منذ فترة سؤالا لمسؤول أحد أقدم الأحزاب المعارضة في بلادنا حول اشتراط الطبقة السياسية تحييد «مرشح السلطة « في الانتخابات الرئاسية , و ما إذا لم يكن مثل هذا المطلب دليلا على ضعف الأحزاب و عجزها عن المنافسة , وبالتالي عدم اتكال المواطنين عليها و عزوفهم عن تزكية مرشحيها في الانتخابات ؟ و دعما لهذا الرأي ذكرته بأن مرشحي السلطة ليسوا محصنين ضد الانهزام في المواعيد الانتخابة , ما دام الحزب المحلول قد استطاع أن يلحق بهم مثل هذه الهزيمة , لكن ليس بالسبات و التمني , و إنما باستمالة العدد الكافي من الناخبين الذين يمكنهم تحقيق الفوز في أي منافسة انتخابية . إذ لا وجود لأي حزب يمكنه الوصول إلى السلطة إذا لم يتغلغل في الأوساط الشعبية ليس بالخطابات الحزبية و الوعود البراقة و لا بالتنافس في اقتراح المبادرات السياسية المعتمدة على رؤى نظرية طوباوية لا ترتكز على أي تجربة ميدانية , و إنما بالعمل الجواري المثمر الذي يرفع الغبن عن هذا و يواسي ذاك و يساعد في كل مشروع يخدم الصالح العام و في نفس الوقت مصلحة الحزب , فالطريق إلى السلطة يحتاج إلى كثير من النضال و أنهار من العرق لتعبيده و جعله سالكا للطامحين فعلا في حكم الجزائر . و من هنا ندرك أن تعليق المسؤول الحزبي على تجربة الحزب المحلول بقوله :» أن الظروف تغيرت « يكشف عن نزعة استسلامية قد تكون تفسيرا للصمت الذي يخيم على أحزابنا قبيل استحقاق رئاسي وشيك , لأنه حتى و إن كانت الظروف فعلا قد تغيرت , فإن وصفة الانتصار في أي انتخاب تبقى هي نفسها « الاعتماد على شعبية قوية لدى جمهور الناخبين « و عندما تلتزم أحزابنا بهذه الوصفة و تجسدها على أرض الواقع , عندئذ قد نعذر السلطة إن هي حاولت إبعاد مثل هذه الأحزاب عن المشاركة في الانتخابات ... وإذا كان لا بد من ملاحظة عن برامج الأحزاب السياسية للاستحقاق المقبل , أجملناها في المحاور التالية؛ محور أحزاب الموالاة و يتلخص برنامجها في إضافة كلمة «استمرارية» أمام كل جملة في برنامج مرشحها؛ و محور أحزاب المعارضة في حالة توافقها على مرشح واحد ستركز في برنامجها على انتقاد برنامج مرشح «السلطة» و الإشادة بمبادراتها السياسية التي لم تضمن لها حتى النجاح الحزبي , ثم هناك أحزاب مقاطعة للاستحقاق الرئاسي و ستسعى كعادتها لإفساد العرس الانتخابي بمطالبها المتطرفة , كالادعاء بشغور منصب الرئاسة , و الدعوة إلى إعلان فترة انتقالية و ما شابه ذلك من المواقف «الانتقامية» التي يتبناها عادة سياسيون تم إبعادهم خارج دوائر الحكم , و الاستغناء عن خدماتهم التي لا تصمد أمام أي تقييم موضوعي , مثلها مثل انتقاداتهم للوضع القائم التي تنذر منذ عقدين بالانهيار الاقتصادي و الإفلاس المالي للبلاد , معتقدين أن خطابهم «التخويفي» سيرفع من قيمتهم في المزاد السياسي ؟ أما الأحزاب التي تنوي تقديم مرشحها الخاص للاستحقاق الانتخابي ممن سبق لهم خوض التجربة من قبل , فإن وضع بعض الروتوشات الإضافية على برامجها الانتخابية السابقة ,تفي بالغرض القانوني و الإجرائي , أما الحملة الانتخابية فليست الأحداث الجارية هي التي تنقص في يوميات الجزائر و الجزائريين , الذين برهن أحدهم أنه استطاع عبر الفيسبوك جمع في مكان واحد ما لا يمكن للأحزاب مجتمعة جمعه من الأشخاص...