نحو تأسيس هيئة للمصارف الإسلامية لتوفير الطمأنينة الدينية عند المواطن وتحريره من خوف الوقوع في الحرام تطوير الخطاب المسجدي بحاجة إلى تكوين مستمر للأمة و إلى لغة تواصل جديدة بعض السلفيين المتشددين خصوصا * المداخلة * يتحايلون على القانون بطبع كتب في الداخل ممنوع ترخيص دخولها من الخارج . بلغة مباشرة و صريحة جلنا مع البروفسور بوزيد بومدين الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى على الكثير و العديد من المحطات الفكرية و المقامات الدينية التي تهم النخبة و العامة على حد سواء بحكم أنها لصيقة بتفاصيل الحياة اليومية و ليست ابنة الترف التنظيري ، و إليكم الترجمة الحرفية لتك الفسحة الفكرية مع السيد بوزيد بومدين الذي هو في الأصل أستاذ محاضر بجامعة وهران و ألف العديد من الكتب الفكرية و الفلسفية عن العدالة و العولمة و التصوف و الديمقراطية و التيارات السياسية و كانت له تجربة في الكتابة الصحفية كانت أولى لبناتها في جريدة * الجمهورية* . ما مفهوم الوسطية الدينية التي تبتغيها الجزائر ؟ - الوسطية قبل كل شيء هي مصطلح قرآني و بحكم أننا أشاعرة - مالكية -متصوفة في الغالب فإن هذه الأبعاد الثلاثة تجعل وسطيتنا تقبل الآخر و تتعايش معه و لا تستخدم كلمة التكفير إلا في محاربة المعتدي الذي احتل أرضنا باسم المسيحية أو احتل فلسطين باسم اليهودية أو حرف وبدل و أنكر العبادات والله و بالتالي فإن مفهوم الكفر عند الجزائريين ارتبط بالاعتداء و بالظلم أما الذي يتعايش معك بسلم فنحن لا نكفره حتى و لو لم يكن مصليا و لا متدينا و لهذا فأنا أرفض التصنيف الذي ارتضاه بعض المثقفين و الأنثربولوجيين إلى أن هناك تدين شعبي و آخر نخبوي ، و كأن تدين عامة الشعب تدين خرافي و هذا غير صحيح فالزيارات الموسمية لبعض الأضرحة و إن كانت غير منصوص عليها و لكنها من روح الثقافة الدينية . من باب التلاحم و التزاور و الصدقة و الكرم ، من ناحية أخرى فإن الوسطية تعتمد كذلك على التوافق بين العقل و النقل دون تغليب أحدهما على الآخر و للأسف الشديد نحن توقفنا عن استخدام العقل في الكثير من المجالات منذ قرون باستثناء اجتهادات قليلة للشيخ حماني و مالك بن نبي و قبلهما ابن باديس ، النقطة الثالثة التي تعتمد عليها الوسطية هي عدم المبالغة في ممارسة العبادات و التفريق بين الأحكام التشريعية كالواجب و المستحب و الفرض و السنة . هل ترون أن المناعة الدينية في المجتمع الجزائري اليوم هي قوية ؟ - التدين في علم الاجتماع لا يبقى بصبغة واحدة فتدين أجدادنا في الأربعينات و الخمسينات مختلف تماما عن تدين الذين سبقوهم بقرون لكن جوهر التدين الذي يفرق بين الحلال و الحرام يبقى ، و مشكل التدين اليوم في الجزائر عند البعض هو التركيز على المسائل الخلافية في العقيدة دون العبادات و في العبادات يركزون على الجماعية منها على حساب الفردية و يركزون في العموم على العبادات دون العمل الصالح فمثلا تجد الواحد منهم ملتزما بأداء الفرائض الخمس داخل المسجد لكنه لا يسدد الضرائب و يغش في معاملاته التجارية وفي عمله ويسيء للآخرين . و هذا التناقض لم يكن موجودا في السابق لأن كل طقس ديني مرتبط بعمل صالح فلا صحة لصلاة و لا زكاة و لا صوم دون عمل صالح ، كما أن بعض التيارات الدينية تطبق المذهب الحنبلي في مساجدنا و تهتم كثيرا بالأحكام الفرعية معتقدة أنها واجبات علما أنهم يطبقون هذا المذهب بدون وعي منهم لأنهم متبعون للمنهاج الوهابي الذي هو يدعي انه المخلص الوحيد للحنبلية -التيمية ، هذا الجهل جعل التدين في الجزائر اليوم يتجه نحو الشكل و المظهر على حساب الجوهر و هذا جهل بالدين لأن العلاقة الدينية في الأساس هي روحية و سرية ، و خطورة أي طائفة دينية على وحدة و لحمة المجتمع تكمن في محاولتها بالتميز بمظهر معين تنسبه للدين أو تستعمل ألفاظا خاصة بها كمصطلح الإخوة مثلا الذي كان إبان الثورة التحريرية يرمز للمجاهدين ثم مع بداية السبعينات حمل معنى إيديولوجيا سياسيا واستخدمه الفاطميون الشيعة في القرن الثالث الهجري. و هذا التميز يجعل المنتسبين إلى هذه الجماعات أن إيمانهم و إسلامهم و صلاتهم هي الصحيحة و أنهم هم فقط من يحتكرون الحقيقة و الصواب و أن كل من يخالفهم فهو على باطل . ما تقييمكم للاجتهاد الفقهي في الجزائر خاصة في الأمور الاقتصادية و المالية ؟ - المجلس الإسلامي الأعلى أفتى في مجال الفوائد البنكية في باب الصيرفة الإسلامية و هذا نظرا للخلط الحاصل عند الكثير من المواطنين فلجأ المجلس الإسلامي بالتنسيق مع وزارة المالية إلى الدعوة إلى فتح شبابيك إسلامية و هو ما يسمى بالمرابحة و أصبحت الجزائر تتعامل بنظامين ماليين الأول تقليدي يعتبره البعض ربوي و الثاني يحتكم إلى الصيرفة الإسلامية لحل الخوف من الحرام وإشاعة الطمأنينة ، و هنا لا بد من التذكير أن هناك خلاف بين العلماء فالبعض لا يعتبر الفوائد البنكية بأنها ربا و من بينهم شيخ الأزهر السابق شلتوت و أعتقد أن الجزائر في طريقها لتأسيس هيئة المصارف الإسلامية لإزالة اللبس و تمكين المواطن من حريته في التدين . لماذا يلجأ الجزائري لاستصدار الفتوى من المشرق العربي على حساب مشايخ و علماء بلده ؟ - الظاهرة تاريخية و متجذرة منذ قرون فالصورة النمطية السائدة هي أن الإسلام جاء من المشرق بمناراته العلمية ممثلة في مكة و المدينة و بغداد و دمشق و القاهرة و المشكل يكمن اليوم في اعتقاد شباب الجزائر أن كل الفتاوى القادمة من المشرق صحيحة و هي من جوهر الإسلام ، و بعض الدول في شمال إفريقيا قضت على هذه الهيمنة من خلال تأسيس هيئات فقهية و مجالس علمية محلية ، كما أن الفضائيات المشرقية دعمت تلك الصورة النمطية فالداعية أو الشيخ الذي يظهر في تلك القنوات قد لا يكون أكثر علما و ثقافة و معرفة من نظيره الجزائري لكن بالتأكيد هو أكثر جاذبية و تأثيرا منه من خلال تكنولوجيا الصورة التي يظهر بها و الديكور و فنيات الإخراج و هو ما جعل الدعاة الجدد يحتلون المراتب الأولى في قائمة الأكثر مشاهدة في الجزائر على حساب أئمة و مفكري هذا الوطن لأنهم و ببساطة استثمروا في الصورة النمطية التي تحدثنا عنها و الاستثمار التكنولوجي و الأداء التمثيلي و اللغة الوسطى بين الفصيح و الدارج و استعمال تقنيات الحكي و السرد على طريقة الأفلام و المسلسلات . هل الخطاب المسجدي اليوم جاذب للشباب ؟ - لا ينبغي للخطاب المسجدي أن يكون مناسباتي و للأسف الشديد بعض الأئمة يلقون الخطاب بدون رغبة حقيقة في إيصاله بالطريقة السليمة أو بعبارة دارجة * فوق قلوبهم * فيصبح الخطاب طويلا و مملا و الدروس الدينية بحاجة إلى إعادة نظر و هذا راجع إلى عدم وجود تكوين متواصل للأئمة و انعدام الرسكلة و المسجد يعكس صورة عامة حاله حال الجامعة و المدرسة فهناك مشكلة تواصل بين الإمام و المصلين و الأستاذ و الطلبة و المدير و مستخدميه. ما هو دور الهيئات الدينية في التصدي للانهيار الأخلاقي الحاصل في مواقع التواصل الاجتماعي ؟ - ليس من باب قمع الحريات و لكن من باب حماية المجتمع و صون لحمته نحن مطالبون بالاستفادة من تجارب بعض الدول فالصين مثلا لها غوغل خاص بها تحت رقابة مؤسساتها و بعض مواقع التواصل الاجتماعي عندهم لا يمكن دخولها ، و المشكلة عندنا أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي تتغذى مما هو متخلف عندنا كالسب و الشتم و النميمة و الغيبة التي أضحت إلكترونية و هنا يدخل دور الواعظ الديني في تجديد خطابه فالنميمة لم تعد تنحصر بين شخصين بل هي معروضة لأكبر شريحة ممكنة و تكون آثامها أكبر ، و أعتقد أن هناك فراغ قانوني لا بد من سده كما يجب التوقيع على ميثاق أخلاقي قبل فتح أي موقع بالإضافة إلى استصدار رخصة. ألا ترون أن التدقيق و التحقيق في التراث الديني أضحى واجبا وطنيا لحماية المجتمع من موجات العنف و التطرف ؟ - مجموعة من السلفيين المتشددين خصوصا * المداخلة * في الجزائر يتحايلون على القانون فبحكم أن جلب الكثير من الكتب القديمة من الخارج ممنوع قانونا و لتدارك ذلك يقومون بطبعه في الجزائر لذلك على المكتبة الوطنية و على وزارة الثقافة الانتباه لهذه المسألة الخطيرة في منح الترقيم ، لأن طبع كتاب يحمل أفكارا دينية متطرفة لا يقل خطورة عن صناعة أسلحة في ورشات سرية .