إن مواصلة إحياء ذكرى ساقية سيدي يوسف سنويا من طرف سلطات وشعبي البلدين الشقيقين , تندرج ضمن تواصل جهود الأجيال المتعاقبة بإحياء ذكريات أمجادنا , لأنه» بإحياء ذكرى أمجادنا نستحق الحياة بالسير على دروبهم , و مواصلة عملهم «, كما كان يقول المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم في مثل هذه المناسبات . ولا شك أن أحداث ساقية سيدي يوسف هي ضمن المناسبات التاريخية التي تستحق الذكر ,لأنها عرت الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب التي كانت ترتكبها السلطات الاستعمارية الفرنسية , و تتستر عليها بفرض حصار إعلامي عليها , مدعية «أن ما يجري هو مجرد أحداث تثيرها أقلية من الخارجين عن القانون», غير ان ذلك لم يمنع الاهتمام بالجزائرمن التكثف في الصحافة بشكل كبير جراء ممارسات التعذيب التي تسببت في صدمة عميقة للرأي العام عقب نشر افتتاحية هيبرت بوف- ميري في جريدة «لو موند» بتاريخ 13 ديسمبر1957 بعنوان «هل نحن مهزومو هتلر ؟» و التي كان لها صدى واسع بهولاندا بدءا الصحافة الكاثوليكية و بسائر البلاد الأوروبية الأخرى و لاسيما الشرقية منها المتعاطفة مع القضية الجزائرية , غير ان صدور كتاب هنري علاق حول التعذيب بعنوان «السؤال» ((La Question في بداية 1958 كان الدليل الجوهري الذي أثار سخط الرأي العام , حيث ترجم الكتاب في زمن قياسي إلى الهولندية و إلى لغات أخرى و تزامن ذلك مع شهر فبراير من نفس العام الذي تم خلاله قصف ساقية سيدي يوسف بتونس مما تسبب في ردود فعل منددة و شغل الحدث المأساوي الصفحات الأولى للجرائد طيلة أسابيع كما اعترف السفير الفرنسي في لاهاي في تصريح صحفي مفصل آنذاك . لقد كشفت جريمة ساقية سيدي يوسف للرأي العام العالمي , الوجه البشع لفرنسا الاستعمارية , التي لم يرف لقادتها جفن و هم يعطون الأوامر ل 25 طائرة حربية , منها 11 مقنبلة من نوع أ26 مدعمة بست مقاتلات مقنبلات من نوع كورسير و8 مقاتلات ميسترال , لقصف قرية سيدي يوسف في يوم عطلة ويوم السوق الأسبوعي , والنتيجة بعد ساعة من القصف الوحشي للمدنيين العزل من سكان القرية ومن اللاجئين الجزائريين , هي جريمة ضد الإنسانية بكل المواصفات التي تنص عليها القوانين الدولية. حيث تسبب القصف الموجه عمدا نحو أهداف مدنية في استشهاد 75 مواطنا وإصابة 148 آخرين من سكان القرية و من الجزائريين بجراح متفاوتة الخطورة , وكان من بين الضحايا المتوفين 11 امرأة وحوالي 20 طفلا من تلاميذ مدرسة ابتدائية استهدفها القصف, تضاف إلى ذلك الخسائر المادية المتمثلة في تحطيم خمس سيارات مدنية منها 4 شاحنات للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي. تدمير مبان عمومية كدار المندوبية، مركز الحرس الوطني، مركز الجمارك، إدارة البريد، المدرسة الابتدائية، إدارة الغابات وإدارة المناجم. وتهديم 43 دكانا و97 مسكنا. تحديات جديدة وشاء القدر أن يكون مندوب الصليب الأحمرالدولي السيد هوفمان شاهد عيان لهذه المجزرة , حيث تزامن القصف, مع تواجده في ساقية سيدي يوسف في مهمة لتوزيع المساعدات على اللاجئين الجزائريين, وقد رأى بعينيه كيف أن هذه المساعدات قد تحولت إلى رماد عقب قصف عربات الصليب الأحمر الدولي و عربة الهلال الأحمر التونسي . وبالتالي لم يكن في إمكان المجتمع الدولي و وسائل الإعلام العالمية , تصديق الرواية الفرنسية حول الوقائع وادعائها بأن العدوان كان ردا على تسلل 300 مقاتل جزائري من ساقية سيدي يوسف إلى الجزائر ونصبهم كمينا لدورية من الجيش الفرنسي يوم 11يناير 1958 , أسفر عن مقتل 15 جنديا فرنسيا و جرح اثنين و أسر4 آخرين , كما زعمت سلطات فرنسا أن طائرة فرنسية أصيبت بزخات رشاش من ساقية سيدي يوسف مما اجبرها على الهبوط الاضطراري بمطار تبسة صبيحة الثامن فبراير 1958 . و كلها مزاعم نفتها السلطات التونسية شكلا و مضمونا وسارعت ضمن ردها على العدوان بطرد قناصلة فرنسا من ترابها وضربت حصارا على الثكنات والقواعد العسكرية الفرنسية المتواجدة بتونس.. ونظمت زيارة لوسائل الإعلام الدولية للوقوف على أثار القصف بقرية سيدي يوسف , فضلا عن رفعها شكوى ضد فرنسا لدى منظمة الأممالمتحدة مما سمح بتدويل هذه الحوادث ومن خلالها القضية الجزائرية التي اكتسبت مزيدا من الدعم في المحافل الدولية. واستمرت ساقية سيدي يوسف على مدى 61 عاما الماضية رمزا ومثالا لتضامن شعبين شقيقين في السراء و الضراء, في مواجهة قوى البغي الاستعماري بالأمس, وفي التعاون المثمر لتنمية البلدين و دعم قواعد رقيهما بعد انتزاع الاستقلال بأغلى التضحيات . ومن صور هذا التضامن التنموي قرار الجزائر تزويد قرية سيدي يوسف بالغاز الجزائري.