قراءتي للعنوان ليس لكوني أتجاوز النص وإنما لكونه العقدة القوية التي تُشد من خلالها حبال النص هذا بالنسبة للكاتب، أما للمتلقي لقراءة واعية وتحليلية بخطواتها المنهجيّة. التي تنظر إلى النص القصصي نسيجا سيقرر الكاتب بعضه ويخفي بعضه بالتلميح ، أيضا لأن العنوان يضمن بشكل أو بآخر إقبال المتلقي لاستساغ النص أو العكس، ويدفعه إلى اكتشاف مكنوناته، فمنه يبدأ في رحلته مع النص بطرح مجموعة من التساؤلات ومجيبه الوحيد هو النص، هذه العلاقة التي ستنمو وتزداد بين النص والقارئ والعنوان هو بمثابة المفتاح المُشَهِر لمدخل النص.، هذا العنوان الذي يحمل الكثير من الدلالات الغير اعتباطية و الموخزة في ذهن القارئ للبحث عن معانيه وكأنه يبعث صرخة مستفزة! « ليلى على حافة الشاطئ» عنوان من جملة اسمية في سياقها النحوي البسيط مثل نص صغير ، الذي ينبثق منه إشعاعا يحتوي جملة من الدلالات، وأنت تقرأه كأنك تسمع جرسا ، فمن البديهي لكل بداية نهاية، فنهاية الشاطئ حوافه؛ لكن أي شاطئ تقصده الكاتبة والذي يبحث عنه القارئ؟. « الحافة « هي كلمة موخزة، توحي لنهاية وبداية في آن واحد أو حياة أخرى في الجهة المقابلة. «الشاطئ « كلمة ذات دلالة ملزمة لنهاية البحر أو بدايته في ذهن المتلقي، وقد توحي إلى فضاء واسع وعميق ، كذلك النفس البشرية لها أغوارا دون شاطئ. «لم أزل أخطو على الرمال المبتلة بعرق أقدامنا» أشارت الكاتبة بوضوح إلى مكان الحدث واصفة لطبيعة الأرض التي تسير عليها، أرض متحركة غير ثابتة سواء كانت في حالة واعية تأملية أو الوجه الغير الظاهر للإنسان في شقه النفساني أو الروحاني، ثم تقول « المبتلة « وبهذه الكلمة تنفي الطبيعة المكانية المتحركة؛ لأن من خاصية الرمل عندما يبتل يستقر نوعا ما وتقل حركته. «بالأمس القريب عائدة من فوق ربوة يأسي بعد الغروب» هذه العبارة بمثابة حالة الذروة التي وصل إليها الكاتب في الفقد للثقة والانكسار مع الجنوح؛ ليرسم أمامه مطية عبور إلى الجهة الأخرى التي يرى فيها أحلامه ومتنفسه الذي يبعده عن ربوته الملساء هروبا من اليأس والحزن . لكن سرعان ما فاق المدى ذلك الألم عندما سقط الحلم، أمر رهيب ! ... بدلالة هذه العبارة التلميحية الغير المباشرة « وربوتي الملساء عند حافة الشاطئ تأبى وتستعلي. لم يتوقف هطول المطر مع اقتراب سحب كثيفة غطت وجه الشمس، اكتست الأرض بظلال داكنة، قالت أمي بصوت منخفض «جاء الشتاء قارسا هذا العام « كان المطر يزداد هطولا بالخارج ونافذتي « ولقد تكررت فيها عدة كلمات مثل «المطر» ... في رحلة وجدانية تنقلنا الكاتبة بأسلوبها الماتع الحزين، الذي يدخل القارئ عنوة إلى أغواره للبحث وعدم التوقف،لاكتشاف نهاية هذه الرحلة وان كانت حزينة. فذائقة القارئ هي الدافع الذي يجعله يكمل مع الكاتب حتى نهاية المطاف في النصوص المبدعة والرصينة في لغتها والتي تترك مسافة بين الكاتب والقارئ وليس تلك النصوص المباشر. والقراءة كما يعتبرها جيرالد برنس»فعالية تفترض قبلا وجود نص، ووجود قارئ، وتفاعلا بين النّص والقارئ» إنّ التّفاعل يكمن في إجابة القارئ عن أسئلة النّص وإجابة النّص عن أسئلة القارئ، وكأن الكاتب يدمج بطريقة ذكية سلسة يَعبرُ بها إلى قصة أخرى باسم رواية إبراهيم؛ لتترك المتلقي يطرح مجموعة من التساؤلات تاركا النص يجيبه عليها من خلال معرفة هذه الرواية التي تشبه قصة الكاتبة. هذه علامة فارقة تضاف للكاتبة المتمرسة وحنكتها في التنقل من فقرة إلى أخرى دون أن يشعر القارئ بشيء يتغير أو ممل. ثم تتقمص شخصية الراوي إبراهيم وسأبرهن على ذلك بقضية منطقية، حيث تضعنا أمام قضيتين: الأولى في علاقة» شوشو وإبراهيم»، والثانية في الكاتبة وخطيبها المهاجر ، فبطريقة فنية رائعة تغيب « شوشو « بطلة رواية إبراهيم مع خطيبها المهاجر ، ليخلو لها وجه إبراهيم وتبدأ بحوار أو رحلة أخرى مع إبراهيم في وصف جميل، وقد راق لي كثيرا دون أن تُشعر القارئ بهذا الانتقال و هذا الاقتدار على رسم صورة حقيقية؛ تتراءى للمتلقي بحركتها و شخوصها وأحداثها وجمالها؛ وهذه كذلك علامة تحسب للكاتب في ذكائه وفنياته ، لتركيع الحرف، وقد .استعملت الكاتبة لغة قويمة والتي أفرغتْ فيها أزيزا من المشاعر الفياضة، لغة غير قاموسية سلسة جميلة وبأسلوب يتمايل بين الوضوح والتلميح وفنيات عالية متقنة وهذه صفة المبدع الحقيقي.