بعد سلسلة التنازلات التي قامت بها السلطة في الجزائر مؤخرا، بعد المد والجذب، الذي كان بين المتظاهرين في الشارع من جهة والسلطة من جهة أخرى، لا يزال الشارع الجزائري يخرج في مسيرات كل جمعة، بالإضافة إلى مسيرات النخبة التي بدأت من الطلبة مرورا بالمحامين والقضاة وصولا إلى مسيرة التلاميذ والأساتذة، مسيرات يطالب ويؤكد فيها المتظاهرون بشدّة برحيل النظام الحالي كحل وحيد وأوحد. وفي مواجهة هذا التحدي الذي يتزايد كل يوم، تبحث السلطة عن الطريقة المثلى في الرد على المظاهرات المتزايدة ومحاولة إيجاد استراتيجية لمواجهة ذلك، في البداية عن طريق تخويف المتظاهرين باستحضار سنوات الإرهاب والوضع في سوريا والتدخل الأجنبي، غير أن المتظاهرين ردوا عليها بشعارات «الجزائر ليست سوريا». ليأتي الرد من السلطة برسالة الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، التي وجّهها للأمة بعد إيداع ملف ترشحه، والتي أكّد، فيها نيته لوضع إصلاحات جذرية وعقد ندوة وطنية يشارك فيها الجميع دون إقصاء، وهو ما ردّ عليه المتظاهرون في جمعة الثامن مارس من خلال خروجهم بقوّة للشارع رافضين الرسالة والقرارات، مباشرة وبعد عودة رئيس الجمهورية من سويسرا بعد سلسلة الفحوصات التي قام بها هناك، كان الرد قويّا من طرف السلطة هذه المرّة من خلال تأكيد الرئيس نيته بعدم الترشّح لعهدة خامسة وإجراء تغييرات على مستوى رأس الحكومة في انتظار الإعلان عن حكومة جديدة خلال الساعات القليلة المقبلة، متعهّدا، بعقد ندوة وطنية شاملة يشارك فيها كل الطاقات الشبانية وترأسها شخصية وطنية يكون لها باع في الساحة الوطنية والدولية. تنازلات وشخصيات وهي المطالب التي قوبلت بالرفض للمرّة الثالثة على التوالي من خلال جمعة أوّل أمس، أين خرج المتظاهرون رافضين لقرارات الرئيس ولتمديد العهدة الرابعة، ليبقى التحدي الكبير للسلطة الآن هو كيفية مواجهة والتعامل مع مطالب الشعب وعزمهم على الانتقال الديمقراطي الحقيقي، دون الرئيس، مع رفض «التنازلات» التي أعلنتها الحكومة بحر الأسبوع الماضي، واقتراح شخصيات لها باع على الساحة الدولية من أمثال الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، ووزير الخارجية رمطان لعمامرة والاستثمار في مكانتهما الدولية لبعث رسائل التطمين للقوى الخارجية، بالإضافة إلى شخص وزير الداخلية، نور الدين بدوي الذي كثيرا ما احتكّ مع المواطنين وعرف كيف يرد على انشغالاتهم. بين سندان السلطة ومطرقة مسيرات الشعب لا يمكن لأحد التكهّن بما تخفيه الساعات القليلة القادمة، خاصة أن الكثير من المتتبعين للشأن السياسي يرون أن السلطة خطت خطوات كبيرة نحو الأمام من خلال القرارات التاريخية لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة.