ستكون هناك جمعات أخرى متفاوتة الحضور والتأثير بالنظر إلى عدة اعتبارات يعرفها الجميع، هناك اليوم ما يكفي من الوعي لاستنتاج ما وجب معرفته عن ظهر قلب، وعن ظهر ضمير يحترم الوطن. لقد يمّم ربيع الشعب باتجاه ما يريده، وليس شطر ما يرغب فيه غيره من عبدة الغير: الجيوب والأمعاء والحج إلى النفط على متن ظهور تعساء البلد ومنبوذيه الميامين. كان ذلك منطقهم الذي قاد إلى الفساد الأعظم، ثم إلى التقشف المرير، تقشفنا نحن التعساء الذين لا شأن لهم. كيف لبلد مثل الجزائر أن يصل إلى المسغبة وهو موشح بالخير ويتباهى بمسح ديون الدنيا؟ 1500 مليار كافية لبناء مستشفيات من الضوء الأبدي، ومدن من قوس قزح، وملايين الكتب النافعة، وعقل محصن، مؤهل إلى إنتاج آلاف العباقرة في وطن طارد للعقل منذ مجيء هؤلاء، مشمرين على أنيابهم وأنياب عشائرهم البدائية. لكنّ هذا المال أسهم في بناء محتشدات ومستنقعات وجرب وحصباء وطاعون وخطب فتّاكة. كانت تلك أجمل المنجزات التي غدت مآثر يتغنى بها زعماء الشرّ، وهناك المقابر. أصبحت الجزائر مقبرة كبيرة للعقل والعلم والمنطق، ومزرعة لتربية اللصوص المحكّمين الذين يخرجون بالعشرات من تحت الحجارة، ومن الحنفيات على أنواعها، ومن تحت الجلد والأظافر. الجمعات الموقرة تكشف باستمرار عن وعي ظلّ خبيئا في سراديب الذات المقهورة، لأنه وعي شقي مذ وجد هنا خطأ، مدفون أو فائض عن الحاجة بسبب هؤلاء. أمّا أنتم فكان وعيكم الصغير كافيا لتدمير مقدرات الأمة بترقية الجهل والطبل في سياقات سريالية لن تقبض عليها أنظمة العلامات قاطبة. كانت الأوليغارشية أكبر من الوهم والعبث بكثير، شيئا يشبه خرافات الغول والخراب المنتج للموت. الجزائر الجليلة لا تستحق هذا المصير الكئيب الذي كتبتموه لها رغما عنها، ولن تستحقه أبدا، لولاكم لكانت بخير، لولا هؤلاء الذين قدموا من ليل الأزمنة شاهرين أمعاءهم وأبناءهم على الجميع، كما لو أنهم يصوّبون شرّهم باتجاه فراشة عزلاء...دفعة واحدة، كما لو أنهم من حفدة داحس والغبراء، كما لو أنهم أكثر بؤسا وفسادا من ذرية الشيطان الذي فرّ من هذه الجغرافيا عندما اكتشف أنهم أكثر شيطنة منه. ذاك ما رددته المسيرات الشعبية الفخمة خلال عشر جمع مباركة، جمع جزائرية لا تخفاها خافية لأنها مؤهلة للقراءة والتمييز بعد بصيرة وتجربة، وبعد محنة ألحقت ضررا حتى بالشجر والحجر والدابة والحشرة. الجمعات تتلاحق متموّجة وبهية كربيع الربّ في البرية المديدة. الجمع المحلية تحمل راية الوطن المدمّى من شدة خياناتكم العابرة للقضية الوطنية والإنسانية. لن يسامحكم هذا البلد اليوم وغدا، لا تتوقعوا ذلك، ما عدا إن كنتم حمقى وسدنة فوق الحد. سيذكركم بسوء لا مثيل له، وسيلعنكم دائما بأثر رجعي لأنكم خنتم الدم والأمانة وأكلتم النفط والتراب والنخلة وما تيسر من البسملة. قرضتم كلّ القمح والبهجة والأمن والأناشيد، كما تفعل فئران الكنيسة بعد مجاعة استثنائية. تضخمتم كثيرا جدا يا سادة، إلى أن غدوتم نفاية لا بداية لها ولا نهاية. كذلك قال الحراك المبجل في لحظة التجلي الجليل، وما أدراك ما هو. الثورة تحدثكم بشاعرية الجدول فاستمعوا إلى أغنية النبتة واللون، وما تراه الأمة التي تعلو ولا يعلى عليها في منطق المجرّة. اسمعوا ولا تعوا إن شئتم. تأخرتم كثيرا لأن بآذانكم وقرا.لعلمكم، أنتم الذين لا علم لكم ولا معرفة، فإن الشعوب تسكت أحيانا لعلّة مانفسها وتاريخها وحكّامها، لكنها تتذكر ألمها، تتذكر الأخيار والأشرار والحثالة وتقول كلمتها في يوم الزلزلة. الأنظمة المستبدة الفاسدة تفنى كالقمل والقراد في مذود المعي، وتظل الأمم حية دائما. الأمم الكبيرة تتذكر المجرى والمرسى ولا تخون الأمانة أبدا لأن أخلاقها لا تسمح بسرقة وردة من جبانة منسية. أمّا أنتم فسرقتم الباقة والجبانة معا، دون أن تتركوا وردة واحدة لنتبرك بها. قمتم بما أوصتكم به العصابة والحاشية دون حياء. الجمعات التي من ضوء الله والخليقة ستعرّي الغابة الكبيرة بحراكها السلمي الراقي. تقول لكم براياتها وأهازيجها ووردها وتمرها إنّا اكتشفنا مخبأ اللص الكبير المقيم في القصر، وفي دستور الدولة الأوليغارشية وفتحنا سجنا يليق بمقامكم. الجمعة الجزائرية الفصحى، سيدة العارفين والعارفات، هي الناطق الرسمي الوحيد باسم القلوب التي اشتعلت غربة وهجرة، فلا تكذّبوها لأنها وفية، جمعة مباركة جامعة، واستفتاء لا فتوى قبله وبعده. ثورة الابتسامة لا تخطئ لأنها حكيمة جدا، ونبية كثيرا حين تقول لكم ارحلوا جميعا، كلكم، دون استثناء. لقد لطختم كلّ هوائنا الذي حرره الشهداء من عدوّ أصبحتم عبيدا له، خاضعين وتابعين مثل ذيل شيء ما، أو شيء ما لا يستحق الذكر لأنه إساءة إلى الإنسان وزقزقة اللغة. الجمعة محقة إذ تجهر مؤكدة: لا يُبنى البلد باللص المحلّف وصانع اللص المكرّس الذي يختبئ خلف اللص المحكّم الذي يختبئ خلف المنصب والعشيرة الفاسدة. لكم دينكم ولنا ديننا.ارحلوا إلى فرنسا حيث أموالكم وعقاركم وأرواحكم الكريهة، أو إلى جهنم مثلا. الجمعات الجزائرية الجديدة ليست للصلاة والأدعية فحسب، ليست للراحة والنزهة وكفى، ليست ألعابا للأطفال دون السادسة، وليست أياما للتفكه والتسلية بعيدا عن المشكلة. إنها مسيرات من القطن توقظ الوحدة المتخفية إذ تعرّيكم لأنكم اعتقدتم زورا أنكم ملائكة من جنة بعيدة لا يبلغها أحد أو واحدةّ. وقال الشعب موضحا الفكرة الغامضة قليلا: أنتم، على كثرتكم الزائدة، حمأ مسنون، وشيء مسموم، وشيء مذموم وأوبئة أجهزت على الوطن في غفلة فجعلته شذر مذر. ارحلوا جميعكم دون رجعة، خذوا وسخكم الكبير واتركوا لنا البلد لأنه لنا وحدنا، لا شريك لنا. ذاك ما تبقى لنا في هذه المرحلة القاتلة، مرحلتكم غير المباركة بإذنه تعالى. لا بقيت منكم باقية ولا وقتكم من الله واقية.هكذا تحدثت النفس المرهقة منكم ومن بركاتكم اللعينة التي قوّضت الوطن وجعلته مدحورا ذليلا، وكان أجمل وأكبر وأفضل قبل هرولتكم العظمى نحو الأمجاد والأوهام والمسؤوليات الملوثة بالاختلاسات الوطنية جدا. وقال الشعب أيضا في يوم الجمعة الجليلة التي لا يوم آخر يشبهها سوى الجمعة المضيئة، مؤسسا على ما أملته عليه البصيرة في أبهى حلتها: لا حزب اليوم وبعد اليوم وبعد غد إلا حزب الشعب الحرّ من وصاياكم وقوانينكم وبؤسكم الرسمي، لا سلطة ها هنا إلا سلطة الأمة في عهد اللصوص والدجالين والمشعوذين والمهرجين وحكم العائلة الباغية والسفلة. لا أحد منكم يمثلنا لأنكم ولأنكم و لأنكم ولأنّ، إلى آخره. نحن الحقيقة والدولة والصواب فلا تقولوا كلمة أخرى لأنكم تعلمون أنكم مجرد بعوض بأنياب طويلة قادرة على سحق التاريخ والكرز والقديس والجغرافيا. لسنا منكم ولستم منّا، أنتم فصيلة أخرى لا تستحق أن تعرفها أمنا الدنيا. ارحلوا فورا لنبرأ منكم جميعا،ومن شدة المحنة التي ألمّت بالروح والفكرة مذ جئتم إليها ذات غسق مسعورين كالمردة. لا خير فيكم وفي خيركم الجارح منذ دائما، آكل اللحوم البشرية، وآكل الآيات البينات والقصائد والملائكة عن آخرها. تبّت أيديكم وألسنتكم جميعها، إلى أن يرث البارئ الأرض ومن عليها. الجمع الجزائرية الفاخرة تعرف ما لا تعرفه بعض الأيام التي تنسحب من الوجود خببا، ومذ بدأت تتكلم، مترددة أحيانا وخجولة، أصبحت الأيام ذات قيمة أخرى كانت تخفيها في زاوية ما من زوايا النفس. أصبحت تطرد من مخزونها تلك الرائحة الكريهة التي التصقت بها منذ مدة، رائحة اللص والكذاب والمتملق والأحمق ومنتج الرذيلة المثلى التي لم تعرفها المجرّات برمتها. هكذا غدت الجمعات الجزائرية ذات طعم مميز ونكهة مخصوصة، شجاعة وذكية، موضوعية وحاذقة، ماهرة وبهية لأنها فضحت ما خفي عقودا من الزمن، ما أريد له أن يكون إنجازات كبيرة لصاحب الفخامة. كان يجب أن تقوم بذلك لأنها جمع جزائرية بنشيد وطني جامع، ب عبقرية قسما بالنازلات الماحقات، والدماء الزكيات الطاهرات...علامة مسجلة، جمعة الجيل الجديد الذي أكله الوزراء والمسؤولون والبحر والقنوط والمخدرات والبطالة واليأس من المشاريع النفاثة، ومن كل شيء: الخيبة العظمى من السياسة والسياسيين ومصانع الوعود المسيلة للدموع، وللقرف الأعظم. فخامة الشعب. أجل. نعم. فخامة الشعب الذي لا تخفاه خافية حين يريد أن يفضح العصابة، بعيدا عن الجزئيات التي تفرقه. ذاك ما تواتر في أغلب الجمعات التي أرادت أن يستعيد فيها الشعب قيمته الفعلية بعد محو مركز، بعد احتقار واستغباء من أوصياء عليه وعلى ثرواته المنهوبة في وضح النهار. سيتذكر فخامة الشعب المبجل أنه أهين مرارا في القنوات التلفزيونية وفي الإذاعات والصحف... على المباشر، وتمت سرقة وطنه كاملا بتواطؤ الأسياد الذين حكموه ذات قرن، إلى أن قدم سعادة 22 فبراير 2019، السيد الجليل، ثمّ تعاقبت الجمع دون أن تتوقف، واستمرت تعرية رؤوس الفاسدين الذين جعلوا البلد ملكية خاصة، ومملكة يسمونها الجمهورية، جمهوريتهم العابسة باستمرار، أو بلدهم، وليس بلد الشعب. الشعب الواعي، المتحد، الشعب الذي لا يهتم بالتفصيل على حساب القضايا المشتركة للأمة، شعب لا تغلبه الجيوش مجتمعة لأنه أقوى من السجون والرصاص، وسيخلق جمعته عندما يشاء، وحيث شاء. المجد له، وليوم الجمعة الذي يستحق تمثالا فخما في بوابة المدينة القادمة...حتى لا ننسى فضائله الكبيرة على ثورة الابتسامة حفظها الله من القوى غير الدستورية، ومن كل اختراق يفسد مسارها المثالي...وحتى يراه جميع المفسدين فيشعرون بالخوف والرهبة.