لا تزال السرعة التي انطلقت بها الانتفاضة الشعبية في الجزائر محافظة على إيقاعها و أيضا مطالبها التي تدرّجت في المضمون و أيضا في التطبيق من قبل السلطة الحاكمة في البلاد ، و التي تسيّر المرحلة الانتقالية في انتظار وضع صيغة جديدة للانتخابات الرئاسية ، مطالب الحراك الشعبي تدرّجت بشكل لافت في تحقيق أهدافها و في سابقة غير منتظرة توصّل ذات الحراك إلى تنحية الجزء الأكبر من النظام المسيطر في الجزائر و الذي ظلّ يستمد استمراريته مستغلّا الشرعية الثورية النوفمبرية ، كمّا زجّ بعديد الأسماء الثقيلة إلى السجون من أمثال الوزيرين الأولين أويحيى و سلّال و في الأعمال حدّاد و الإخوة كونيناف (...). الوصول بفعل ضغط الشارع إلى إبطال عهدة رئاسية خامسة و إخماد حملة انتخابية حامية الوطيس كانت على وشك الإقلاع و تحويل المنادين إليها إلى ما وراء القضبان تحت شعار " تتنحاو قاع" أي تغادرون الحكم و السلطة مجموعين و هو الشعار الذي ظلّ مدوّيا و تجاوز حدود الوطن و تصدّر الافتتاحيات في الفضائيات أعقبه شعار آخر توجّه هذه المرّة نحو المفسدين في البلاد الذين أتوا على الأخضر و اليابس و حوّلوا أصول الأموال إلى حساباتهم و حسابات ذويهم في الخارج و رفع لهم الشعب شعار " تدخلوا للسجن قاع " في إشارة إلى ضرورة المحاسبة ، و هو الشعار الذي لم يتزحزح عنه المتظاهرون في كل الجمعات بل أضاف إليه السائرون ضرورة إطلاق "سجناء الرأي" الذين تحبسهم السلطة تحت طائلة تهم متعدّدة رغم القول بحرية التعبير و اختلاف الرأي . المسجونون عبّروا عن آرائهم حول واقع الحال في البلاد و انتقاد الوضع الساري بالنسبة للسياسة المنتهجة وهي سياسة عادة ما تتغنّى بقيم الحرية و العدالة و احترام رأي الآخر حتّى و لو كان يختلف مع السلطة في الفكر الإيديولوجي وطرق الوصول إلى الأهداف . وإذا لا يختلف المعارض مع السلطة الحاكمة حول الأفكار و الزاوية التي يرقب من خلالها تطور الأمور فإنّه حتما يصل إلى معارضة الفساد الذي صار مستشريا ليس في الجزائر فحسب بل في عديد البلدان لاسيما العربية التي لم تصل بعضها إلى " الجرعة " الحقيقية للديمقراطية التي تشرك الشعب في الحكم و تطلعه على كلّ الأمور التي تسيّر بها السلطة الشؤون العامة للمواطنين . القابعون وراء القضبان باسم "سجناء الرأي" حاولوا من خلال مواقفهم تنشيط الحس المدني و خاصة السياسي لدى الشعب من أجل مواجهة الفساد و إحقاق حقوق الفئات المهنية خاصة ، و هو ما تصدّت له السلطة بتوقيفهم . هذا التوقيف الذي يرى فيه الحراك الشعبي ظلما للمواطنين لأنّه الأجدر كما قالت الشعارات الالتفات إلى أولئك الذين نهبوا المال العام و أضروا بقاعدة الاقتصاد الجزائري ...