لا يختلف اثنان في أن حراك 22 فبراير المنصرم كان ولا يزال أقوى لغة حوار تبناها الجزائريون لنفض الغبار عن واقع مزري في شتى المجالات حيث استطاع برقيّه و تحضّره أن يفشل مخطط العهدة الخامسة من جهة واسقاط رمز النظام البائد والزّج برؤوس العصابة التي خططت لنهب ثروات البلاد وحقوق العباد إلى السجن من جهة أخرى حيث ترافقه المؤسسة العسكرية منذ بدايته إلى غاية الخروج بالجزائر الى برّ الأمان. والأكيد أن نجاح استمرار الحراك الشعبي وراءه وعي الحراكيون أنفسهم بقدسية وشرعية مطالبهم فحبهم لوطنهم جعلهم منذ بداية الحراك في 22 فبراير الماضي الى غاية الآن يتحاشون تلك النداءات التي تفنن في إطلاقها أعداء الجزائر من الداخل والخارج لجرّ البلاد الى ما لا يحمد عقباه فكانت مسيرات الجمعة مثالا تحتذي به الدول الشقيقة والصديقة فأعطى الحراكيون بسلميتهم درسا للخارج في رقي الحوار لدى شعب المليون شهيد وتحضره في وقت كان ينتظر الكثير من الأعداء الزّج بالجزائر إلى نفق مظلم. من تبسة إلى تلمسان وبكل ربوع الوطن اتفق الجزائريون على الخروج كل جمعة في مسيرات منظمة تطبعها السلمية والتحضر مرددين ورافعين شعارات مختلفة لكنها تصب في قالب واحد هو الوطن للجميع وضرورة محاسبة كل من نهب ثروات البلاد والعباد طيلة عشريتين ، و حتى وان تعددت لغة كتابة الشعارات المكتوبة والمرددة على أفواه الحراكيين بالدارجة والعربية والأمازيغية والفرنسية والانجليزية إلا أن الحوار كان واضحا كفى عبثا بمصير أمة والسلطة للشعب في اختيار ممثليه في مؤسسات الدولة من البلديات إلى قصر المرادية الحوار ركّز على التغيير وإفشال مخطط العهدة الخامسة ويرى المختصون في علم الاجتماع السياسي بأن الحراك الذي تشهده بلادنا هو ظاهرة صحية ونتيجة. حتمية لردة فعل تجاه الحصيلة وما آلت إليه الأوضاع في مضامينها "الماكرو" و«الميكرو انطولوجية" للدولة والمجتمع.. فلقد أبهر الحراك الجميع في الداخل والخارج يقول الدكتور عزيز بن طرمول أستاذ بجامعة وهران فما تحلت به جماهير الجراكيين من وعي وتنظيم ونداءات شعارات غالبيتها ذات مضمون سياسي واضح وضع حدا لحكم رئيس دولة وتوقيف مخطط عهدة خامسة.. الأكيد تقول تقارير الخبراء. والمتتبعون للشأن الداخلي يجزمون بان الحراك ظهر بمعاني و سلوكات سلمية منظمة وقوية ومصرة على صنع التغيير وتدشين مرحلة نوعية تليق بالطموحات.. الحراك عكس أحداث أكتوبر 1988 تميز بالانضباط وخصوصا السلمية المحافظة على الأملاك العمومية والخاصة بل تدعم بالتضامن وسلوكات حضارية واعية. «الفايسبوك» ساعد في التأطير والرقي بلغة الحوار كثيرون يتساءلون من أين جاءت هده النقلة النوعية في التعامل مع التحولات والمطالبة بالتغييرات وتعددت التفسيرات والمقاربات لكننا يمكننا أن نلخصها فيما عدة نقاط حددها الدكتور بن طرمول في الدور المؤثر والواضح للفضاء الأزرق والشبكات الاجتماعية والانترنيت بكل تقنياته التي ساعدت النشطاء علي توجيه وتثقيف الرأي العام وإبلاغه بكل المعلومات والإخبار.. كما أكدت الدراسات الدور الفعال للأداة الالكترونية في تدعيم واستمرار الحراك والى اليوم.. كل جمعة وكل ثلاثاء بالنسبة للجامعات لمواصلة المطالب المختلفة والتشهير بالفساد والمفسدين.. إضافة إلى النتائج التي تحققت بالتحقيق في ملفات عديدة والزج بمسؤولين كبار وموظفي الدولة والجماعات المحلية والمصالح العديدة بالسجن وشن حملة من التحقيقات المتواصلة مع العديد من المتهمين.. ظاهرة الحراك مارست الضغوطات على أجهزة الدولة المختلفة للتجاوب مع مطالب المحاسبة وإثبات المصداقية من اجل تدشين مرحلة نوعية. ولابد من الإشارة إلى دور العديد من الجمعيات ومنابر المجتمع المدني وكذا بعض الإعلام وخاصة الرقمي الذي أدى الدور المميز في الإخبار والإعلام بتفاصيل مهمة ومشجعة زادت من إصرار الحراك وثباته ومواصلة وتيرته دون ملل ولا ضعف. ويؤكد المتتبعون والمختصون على نقطة مهمة ومحورية هي الحراك كلغة دامغة في الحوار في عدم اعتماد الحراك الى حد اليوم على هيئة تمثيلية تفاوض وتحاور باسمه حتى يتمكن الحراك من التواجد في السلطة والحكم سواء في الرئاسيات أو التشريعيات او المحليات وكذا في مكونات الحكومة المقبلة؟؟ ويبقى الجواب صعب ومتعلق بالعديد من تفاصيل الأسئلة المرتبطة بطبيعة الحراك ومكوناته السوسيوسياسية وحتى الإيديولوجية مما دفع بالبعض الى البوح بتخوفاته من حول مصير الحراك وما يمكن أن يتعرض له من الداخل- داخل الحراك – والخارج الجزائريون تحرروا.. والمهم في هذه الظاهرة التي أبهرت العالم استطاعت إسقاط الطابوهات وإزالة الخوف وحررت الجميع وأسست لواقع اتصالي نوعي شجاع ومصمم الى الذهاب بعيدا لتجسيد التغيير والإطاحة بأجواء،الماضي السياسي والانتخابي الذي ميزه الفساد بكل أنواعه وترك حصيلة جد ثقيلة ماديا ومعنويا. ويمكننا أن نشير إلى إن اللغة الجديدة التي رافقت الحراك والتي يتكلم بها الجميع أنجزت وعيا وفطنة أدركها الجميع بمن فيهم السلطة الحالية التي قدمت الكثير من التنازلات تجاه مطالب الحراك وتطلعات كل فئات المجتمع.. ونستطيع ان نؤكد ان الثورة الرقمية بكل أنواعها كان لها الدور الفعال في توجيه وتنظيم وتفعيل الحراك ورص صفوفه رغم بعض الملاحظات حول التنافسية التي تميز الإطراف الفاعلة.. فهي ميزة صحية حاملة لمؤشرات قادرة على تجسيد التغيير المرجو وهو صلب الإشكال المطروح حول رهان الحراك الايجابي في بعده السوسيولوجي والوجودي و ترسيم انطلاقة بناء مجتمع مدني بآليات قادرة على تطوير الديمقراطية والمشاركة في تسيير وتدبير شؤون الدولة والمجتمع... المتتبعون يراهنون على ما هو مقبل عليه الحراك ضمن الأجندة المعدة لاختيار سلطة شفافة ومسؤوليات قانونية تدافع وتقوم على فصل السلطات ومحاربة الفساد بكل أنواعه والذي كان سببا في ظهور الحراك.