أبان الحراك الذي تشهده الجزائر منذ حوالي شهر عن أهمية مواقع التواصل الإجتماعي وقدرتها الفائقة على توجيه وتحريك الرأي العام، بعد أن تسيد فيسبوك المشهد وأزاح كل الأصوات السياسية ليتربع على عرش قيادة الجماهير ، ما جعل النخب وحتى السياسيين ينخرطون في لعبة «مجاراة» الشارع في محاولة يائسة لسد الفجوة الإتصالية. فمواطن بسيط يمكنه اليوم أن يكون أكثر نجاعة من رئيس حزب أو أي مسؤول، فقط لأنه يحسن استغلال ذكاء هاتفه ، وهو ما وقع بداية من 22 فيفري، حينما خرج مئات الآلاف إستجابة لنداءات لا أحد يعلم كيف بدأت ولا من يوجهها، لكن الكل أصبح يتابع ما ينشر بل ويطبق «التوجيهات» لتتسع دائرة التفاعل وتصنع حالة فاجأت الكل من سلطة وأحزاب ومجتمع مدني ومثقفين وحتى إعلاميين. الظاهرة فرضت طرح إشكالية من يخاطب من؟ كما أسقطت الكثير من الإعتقادات الخاطئة حول القدرة على تعبئة الجماهير، ودفعت إلى إعادة النظر في التعاطي مع المتلقي، سواء إعلاميا أو عن طريق الإتصال المباشر، حيث يرى مختصون حاورتهم النصر في هذا الملف، أن الوسائط الجديدة استثمرت في إخفاقات الساسة ، وأننا أمام قوة وعاء تقني قادر على التعبير عن مختلف الآراء ونقل حالة الرفض بالسرعة المطلوبة ، لكنهم حذروا من خطورة التضخيم والأخبار المزيفة ، و من الانتقال من مرحلة التحريك الحماسي إلى التحريض ، سيما وأن المواقع مفتوحة على مختلف الفئات ، و تحسن اللعب على وتر العاطفة، كما نبه باحثون من كون من يقفون خلف معظم المنصات «جهات مجهولة» أظهرت تحكما كبيرا في التكنولوجيا، في ظاهرة عالمية لكنها تبقى حسب محدثينا ذات خصوصية جزائرية تستدعي الدراسة و الانتباه . بين توجسّ مشروع و حماس أجّجته المطالب السياسية: كيف تزعّم «فايسبوك» الحراك الجزائري؟ تصاعد دور منصات التواصل الاجتماعي في الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر ، على نحو متسارع ، فتحوّل هذا الفضاء الافتراضي إلى محرك للشارع و صارت عمليات التعبئة و الاستعدادات للمظاهرات تُحضَّر عبر صفحات وحسابات العديد منها غير معروفة المصدر وتحكمها إيديولوجيات متباينة أو غير واضحة ، لكنها بدت و بشكل مثير للانتباه ، أكثر تنظيما و فعالية في حشد الجزائريين بمختلف شرائحهم على الواقع ، ما يدفع لطرح تساؤلات ملحّة عن الوظيفة التي أصبحت تؤديها "الميديا الجديدة" في رسم معالم مستقبل البلاد. كل شيء بدأ بهاشتاغ «لا للعهدة الخامسة" ، الذي أطلقه «نشطاء» بعد إعلان عبد العزيز بوتفليقة في رسالة موجهة للأمّة ، عن نيته في الترشح لعهدة رئاسية خامسة و ذلك في العاشر من فيفري الماضي، و بسرعة بدأت الشعارات و المطالب المرافقة لهذا الوسم تزيد و تنتشر وسط مستخدمي "فايسبوك" و «تويتر"، ليظهر وسم "حراك 22 فيفري" الداعي إلى تنظيم مسيرة يوم الجمعة، و تبرز بشكل ملفت مجموعة من النصائح و الإرشادات الموجهة للمتظاهرين، و منها توقيت انطلاق التجمع في الولايات و الحرص على حضور النساء و الأطفال وكذا تجنب الاحتكاك بمصالح الأمن و تصوير ما أمكن من مشاهد، مع التركيز على أخذ فيديوهات مباشرة تبث عبر خاصية "فايسبوك لايف" أو "فاسبوك مباشر". انفجار غير متوقع! و إلى غاية ليلة الواحد و العشرين من شهر فيفري، ساد نوع من الترقب و التوجس لدى العديد من الجزائريين ، فالكثير منهم عبروا عن مخاوفهم من إمكانية حدوث انزلاقات أثناء المسيرات، إلى درجة أن البعض أعادوا نشر مشاهد الدمار التي شهدتها سوريا و بلدان عربية أخرى عاشت ما يعرف بثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها عبر منصات التواصل ، كما أعاد آخرون التذكير بمآسي العشرية السوداء في بلاد لم تتعاف كليا من ويلات الإرهاب و أتون «الحرب الأهلية» إلا قبل سنوات قليلة. و بسرعة البرق تواترت أخبار الحراك المنتظر و وصل صداها إلى وسائل الإعلام العالمية ، كما نشرت عشرات الصور لأشخاص يجهزون الشعارات في منازلهم و مع أصدقائهم و بدا العديد من المستخدمين مستعدين للمسيرة ، إلى أن جاء الثاني و العشرون من شهر فيفري الذي تزامن مع يوم جمعة، إذ خرج آلاف المواطنين في مسيرات نظمت عبر شوارع عدة مدن و قرى، و تحوّلت مظاهر التعبئة على وسائل التواصل الاجتماعي ، فجأة، إلى واقع فرض نفسه، و يعترف حتى المختصون في علم الاجتماع ، أنهم عجزوا عن التنبؤ به، ما جعل البعض يشبّهون ما حصل بالانفجار ، و كأن الجميع اتفقوا أو أريد لهم أن يتفقوا ، على كسر كل الحواجز، خاصة في الجزائر العاصمة التي كانت المسيرات ممنوعة بها إلى وقت قريب. هذا «الانفجار» الذي كان و لا يزال سلميا و حضاريا، أبهر العالم الذي شاهد صور حشود المتظاهرين من رجال و نساء و أطفال، و هم يسيرون في الشوارع حاملين الأعلام الوطنية في يد ، و الورود في اليد الأخرى ، وسط احترافية في التعامل من طرف رجال الشرطة منعت حدوث انزلاقات خطيرة، و هو أمر تكرر في مسيرات 1، 8، و 15 مارس، مع ملاحظة أن دائرة التعبئة كانت تتسع أكثر فأكثر ، فحتى من كانوا ينظرون بعين الريبة و الشك لهذا الحراك ، انخرطوا فيه من معظم فئات المجتمع فصار هناك نوع من «المجاراة» لما يحصل، و أصبح كل من لديه حساب على "تويتر" أو "فايسبوك" أو حتى "أنستغرام" و «سنابشات"، «ناشطا» يستعد لمسيرات الجمعة، يوجه رسائل سياسية للسلطة و ينشر صورا و فيديوهات مباشرة، حاملا شعارات و مرددا هتافات بدت مضامينها أكثر قوة و تعبيرا و بلاغة، بعدما كانت مقتبسة في البداية من أهازيج كانت تدوّي ملاعب كرة القدم. "لا يمكن للفايسبوك تعويض النضال السياسي" كل هذه التعبئة التي أصبحت تُدار على «السوشيال ميديا"، تحوّلت إلى مصدر قلق بالنسبة للكثيرين، فالأمر يتعلق برأيهم، بأطراف مجهولة تستغل الفايسبوك على وجه الخصوص، لتحريك الشارع، مثلما يذهب إليه شراف و هو إطار في مجال الصحة يبلغ من العمر 33 سنة، حيث يقول محدثنا إنه لا يمكن إنكار وظيفة وسائل التواصل في نشر الوعي السياسي و تبليغ الرسائل ، لكنه يتحفظ بخصوص دورها في الحراك الذي تشهده الجزائر، و يعلق "أؤمن بأنه يستحيل لوسائل التواصل الاجتماعي أن تعوض طرق النضال السياسي التقليدي مثل الأحزاب و المجتمع المدني و النوادي». و يعتقد شراف أن "الفايسبوك" هو منصة تحمل الشيء و ضده، كما أنه لا يمكن تحديد مسار ما ينشر عبره من نداءات و لا مصدرها أو خلفياتها الإيديولوجية ، على عكس الحزب السياسي أو الجمعية و التي يمكن التعرف بسهولة على توجهها و التعامل معها ، و هو ما يجعل من الصعب ، بحسبه ، بناء برنامج أو مشروع على فضاء افتراضي. و يتابع شراف قائلا «بعد أسابيع تأكدت مخاوفي فلا نزال في خضم الأحداث و لا يمكننا الحكم لحد الآن ، مع ذلك أنا لا أتفق مع المؤمنين بنظرية المؤامرة التي يتحدث عنها البعض" . تخوّف من ردة الفعل فاطمئنان! أما السيد نذير و هو أستاذ جامعي في ال 52 من العمر، فذكر أنه كان منذ البداية متفقا مع مطالب الذين دعوا للحراك الشعبي في رفض عهدة خامسة لرئيس الجمهورية، وسجل ذلك في حسابه على موقع فايسبوك قبل مسيرة 22 فيفري، لكنه كان، مثلما أضاف ، متخوفا بعض الشيء من الذين سيخرجون ومن ردة فعل السلطة اتجاههم ، بحكم منع المسيرات في العاصمة مثلا وغياب المعرفة الكافية بالأشخاص الذين سيتظاهرون. و أضاف محدثنا قائلا «لكن بعد النجاح الكبير لهذه المسيرة من حيث سلميتها و حضاريتها ، وكسرها لكل حواجز الخوف من سيناريو العشرية الحمراء وخراب الربيع العربي ، كمعظم الجزائريين ، سجلت موقفي المطالب بمد أول خطوة حقيقية على طريق التغيير بحكومة توافق وطني ، يرأسها شخص نزيه من خارج النظام و ذلك في مناشير قصيرة وأشعار ومقالات تحليلية ، حتى أني خرجت مع زوجتي و أبنائي في آخر مسيرة نظمت بقسنطينة». ليلى و هي طالبة في كلية الطب بقسنطينة ، تخبرنا بأن ما دفعها للخروج و المشاركة في المسيرات مع زملائها الطلبة هو تأثرها بالوضع السياسي للبلاد ، و ليس بوسائل التواصل ، مضيفة بأنها لا تعيد مشاركة المضامين التي ترد في هذا الفضاء الافتراضي ، إلا بعد التأكد من مصدرها و من صدقيتها ، حتى أنها لا تؤيد دعوات التظاهر الآتية، حسبها ، من مستخدمين مجهولين. استفاقة متأخرة للساسة و شرائح جديدة تكتشف الفضاء الأزرق و رغم تباين الآراء و تعدد المخاوف التي يراها البعض مشروعة و حقيقية ، إلا أن المؤكد هو أن وسائط التواصل الاجتماعي ، أصبحت اليوم وسيلة تعبئة غير اعتيادية و غير مسبوقة ، تفوقت على قنوات التواصل الكلاسيكية مثل المساجد و الإعلام التقليدي و حتى على المقاهي ، فالفايسبوك الأكثر استعمالا في بلادنا و الذي أظهرت إحصائيات أخيرة أن قرابة 10 مليون جزائري يدخلونه يوميا، تحوّل إلى ساحة للتجاذبات السياسية و الإيديولوجية التي انخرط فيها مئات المستخدمين ، حتى أن الفئات التي لم تكن تهتم بهذا التطبيق مثل بعض النساء و كبار السن ، صارت تتابع أخبار الحراك عبره ، إما بتحميله على الهواتف أو طلب معرفة جديده من الأقارب و الأصدقاء ، ليتم تناقل المعلومات الواردة منه و التي تكون في الغالب غير مؤكدة و مضللة ، و ذلك داخل المنزل و في الشارع و حتى بمكان العمل. و في خضم هذا الوضع الجديد على الجزائريين بعد سنوات من العزوف عن المشاركة في الفعل السياسي، انتبه عدد من رؤساء الأحزاب و الساسة إلى الأهمية التي صارت تلعبها وسائل التوصل الاجتماعي في حشد الجماهير، بالمسارعة إلى إنشاء صفحات بعضها مموّلة و تكثيف حضورهم على الفضاء الأزرق، و هي استفاقة يرى المتابعون أنها أتت متأخرة، لكنها قد تؤتي ثمارها مستقبلا إذا أحسن هؤلاء القادة التحكم في "زعامة الفايسبوك" التي تحوّلت اليوم إلى واقع مفروض ، فالكل أصبح لديهم هواتف ذكية يبحرون من خلالها في عوالم افتراضية ، صارت بشكل أو بآخر ، انعكاسا لحاضر الجزائريين و ربما مستقبلهم ، بما يتطلب مزيدا من الانتباه و كذلك الاقتداء بتجارب دول غربية تراجع اليوم التشريعات المنظمة لهذه الوسائط ، خاصة بعد تورطها في فضائح اختراق الخصوصية و التشجيع على الإرهاب ومحاولة توجيه الرأي العام. ياسمين بوالجدري الخبير في الأمن المعلوماتي سليم منيخ: مواقع التواصل أصبحت وسيلة ضغط على الحكومات و الدول أكد الخبير في الأمن المعلوماتي سليم منيخ، بأن ما تشهده الجزائر حاليا من حراك شعبي ذي خلفية سياسية، هو نتاج لعملية تأطير تبلورت على مواقع التواصل الاجتماعي، و تحولت في السنوات الأخيرة إلى قوة ضغط على الحكومات و الدول، وسلاح لتوجيه الرأي العام، خصوصا في ظ
ل وجود شركات متخصصة في الدعاية السياسية و الحرب الإلكترونية التي ستقلب موازين القوى في العالم مستقبلا. nالنصر: المتصفح لحسابات الجزائريين على مواقع التواصل يذهب لحد القول بأننا نعاني إدمانا وطنيا عليها، هل هذا صحيح في رأيك؟ سليم منيخ: لابد من الإشارة إلى أن اعتماد الإنسان عبر العالم ، وليس الجزائري فحسب، على التكنولوجيا ، خاصة تكنولوجيا الاتصال ، أصبح يمثل أكثر من 70بالمئة من نشاطه اليومي ، مما أدى إلى خلق عالم مترابط جدا، يتلقى من خلاله الفرد، كما هائلا من المعلومات والخدمات في كل جزء من الثانية. و مواقع التواصل الاجتماعي تعد من أهم قنوات التواصل في هذا العالم، لأنها نجحت في خلق قواسم مشتركة بين المترابطين، فهي اليوم تشكل منابر مفتوحة لمختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، و يمكنها أن تؤثر إيجابيا وكذلك سلبيا على الأفراد والمجتمعات، إذا لم يتم تحسيس الفرد بالطرق الأمثل لاستخدامها، من أجل تجنب ما يمكن وصفه ب»الإدمان» وهي تسمية صحيحة، وهنالك عدة أبحاث في هذا المجال تتكلم عن «إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على سلوكيات الفرد والمجتمع»، وفي الحالة الجزائرية أعتقد أن الأمر يتعلق بإدمان للأحداث و ليس للمواقع في حد ذاتها. مواقع التواصل أطرت الحراك افتراضيا n إلى أي درجة لعبت المنصات التفاعلية دورا في تحريك الشارع الجزائري و حشده سياسيا؟ المرحلة الحالية التي تمر بها الجزائر مرحلة حساسة جدا، و مواقع التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في تحريك الشارع وتنظيم المسيرات السلمية التي نعتز بها، الجواب عن السؤال يكمن كما سبق و أن أشرت في قدرة هذه المنصات على خلق قواسم أو العوامل مشتركة بين الأفراد،و هنا نلاحظ مثلا ،أن منصة فايسبوك ساعدت كثيرا على تكتل الجزائريين و تواصلهم ، كما سهلت تداول النداءات والمطالب الموحدة، و يمكن القول أنها «أطرت « الحراك افتراضيا و بشكل سلمي عبر قنواتها المتمثلة في الصفحات و الحسابات الشخصية، ومن ثم رأينا
ترجمة واقعية للأمر خلال مسيرات أيام الجمعة.
وعليه يمكن القول أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تمثل صوت من لا صوت لهم ،ومنبر من لا منبر لهم ، وهذا يشمل كل أفراد المجتمع، كما أنها باتت سلطة قوية جدا للتأثير على الحكومات والدول. فايسبوك سبق وأن تدخل في الرئاسيات الأمريكية n ما رأيك في الطرح الذي يقول بأن هناك من استغل مواقع التواصل لخلق أزمة في بلادنا؟ لقد ذكرت سابقا، أن مواقع التواصل مفتوحة لكل الأعمار والشرائح والفئات، وهذا يجعلها كذلك عرضة للاختراقات والتوجيه، ويمكن أن نضرب مثالا بالانتخابات الأمريكية الأخيرة، و ما تم تداوله عن استغلال منصة فايسبوك من طرف شركة روسية لتوجيه الانتخابات و الرأي العام الأمريكي للخدمة حملة الرئيس ترامب، حتى أنه تم استدعاء الرئيس التنفيذي لشركة فايسبوك لجلسة استماع من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي « الكونغرس»، وهو أكبر دليل أن مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة المستقبل لفرض الأنظمة و الديمقراطيات أو القرارات على الدول ، خصوصا وأنها منصات مفتوحة لإدارة الحروب الافتراضية بين قوى العالم، و الغلبة للأفضل في استغلال هذا المجال. أما بالنسبة للسؤال عمن يوجه الحراك الجزائري ، أو من دعا إليه، أقول أن هناك احتمالين، الأول أنه أتى بعفوية ودفعة واحدة نتيجة لمطالب مشتركة، غالبا ما تكون سببا في تكتل مجموعة أو زمرة على منصة التواصل الاجتماع، و من ثم بدأ هذا التكتل يكبر شيئا فشيئا ،حتى انتشر وشمل أغلبية» شعب الفايسبوك» ، إن صح التعبير. أما الاحتمال الثاني، هو أن هناك حسابات معينة على منصة الفايسبوك موجهة من طرف شركات تقنية تشتغل في مجال الدعاية، زادت في انتشار هذا الحراك وكانت هي من دعت إليه. «الذباب الإلكتروني»حيلة حكومية لاستغلال مواقع التواصل شركة فايسبوك حذفت أكثر من 580 مليون حساب وهمي nكيف يتم التلاعب و التوجيه عن طريق هذه المنصات وكيف يمكن اكتشاف تورطها في الدعاية السياسية ؟ يوجد الآن في عالم التقنية، الذي هو مجال اختصاصي، شركات باستثمارات ضخمة مختصة فقط في تسيير مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نشاط يدر أرباحا طائلة، هذه الشركات في بداياتها كانت مهمتها الإعلانات الترويجية للمنتجات المختلفة، و زيادة عدد المتابعين وجمع المعلومات عن الزبائن الحاليين أو المحتملين وذلك عن طريق برامج تحليل ذكية ومتطورة تسمى «بي أناليزيس»، وهي برمجيات تمكنهم حتى من معرفة لونك أو طعامك المفضل. هذه الشركات هي مؤسسات ربحية بحتة، تستغل عادة لأغراض سياسية و أكثر من ذلك، فقد تم في السنوات الأخيرة إنشاء شركات خاصة من طرف حكومات فقط لهذا لغرض: توجيه الرأي العام من خلال التحكم في منصات التواصل الاجتماعي بما يخدم هذه الجهات و يتعلق الأمر بما يصطلح على تسميته «الذباب الإلكتروني». أما في ما يخص كيفية اكتشاف الصفحات أو الحسابات المشبوهة، فأوضح أن الأمر معقد، لأنها كثيرة، فشركة فايسبوك وحدها حذفت العام الماضي أكثر من 580 مليون حساب وهمي، مع ذلك يمكن للمستخدم أن يراجع بيانات الحساب، محل الجدل ،للتأكد من وجود أصدقاء مشتركين بين الطرفين و التحري عن صورة صاحبه عن طريق محرك البحث «غوغل صور» و ما إلى ذلك. شركات ربحية وراء صفحات وهمية لتوجيه الرأي العالم n هل يمكننا إسقاط الأمر على ما يحدث في الجزائر، خصوصا في ظل انتشار صفحات كثيرة مهمتها الدعاية و نشر الإشاعة؟ هناك شركات مختصة في مجال توجيه منصات التواصل الاجتماعي تويتر و انستغرام و فايسبوك وغيرها، و هذه الشركات عندها خوادم «سارفور» و برامج مبنية على لوغارتميات ذكية ،وظيفتها فقط هي رفع نسبة المشاهدة أو المتابعة والإعجاب باستخدام حسابات وهمية، فما تقوم به هذه الخوادم والآلات هي محاكاة وهمية، حيث يمكنها في ظرف قياسي أن تنشأ حسابا يحظى بمليون متابع في ساعات أو دقائق فقط. حتى أن هذه الشركات تعرض خدماتها للبيع بشكل علني، ويمكن شراء عدد المتابعين حسب الطلب، بأسعار تتراوح بين ألف و 10 آلاف دولار تقريبا. nأين توجد هذه الشركات عموما و كيف يمكنها التملص من القوانين التنظيمية؟ أغلب هذه الشركات المختصة في الترويج وإنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي، توجد في شرق قارة آسيا كالصين و تايلاندا و الهند وغيرها، وتقدم خدماتها للعالم من هناك. تمركزها في هذه الدول يرجع بالخصوص إلى مرونة القوانين هناك أو بالأحرى انعدام قوانين لتجريم هذه الممارسات، ثانيا البنية التحتية التكنولوجية في هذا الجزء من الكوكب جيدة و تدفق الإنترنت عال، فضلا عن أن اليد العاملة متوفرة وبأسعار زهيدة. nكيف يمكننا التأكد بأن هناك من يستغل مواقع التواصل الجزائرية للتحريض ؟ يمكن التأكد من ذلك تقنيا من خلال إجراء مسح للمعلومات بما يوفره لنا فايسبوك من معطيات للبحث لمعرفة أول منشور مثلا تحت وسم ( #لا للعهدة الخامسة)أو (نعم للعصيان المدني)، ومن تم ربط التواريخ لمعرفة من أين انطلق أول وسم ومن دعا إليه، كما أن هناك طرقا أكثر تعقيدا تستخدم برامج و تقنيين في مجال تحليل المعلومات «داتا آناليست» . الواقع الافتراضي سيكون سلاح الحروب المستقبلية nهل يمكن القول بأن مواقع التواصل باتت تشكل تهديدا لأمن الدول و استقرارها ؟ لاشك أن مواقع التواصل الاجتماعي لها جانب مظلم، فقد رأينا حالات انتحار و جرائم كانت منصات التفاعل هي خلفيتها الرئيسية، و حتى وإن كانت هذه سلوكيات فردية، فذلك لا يعني أن رقعة التأثير لا يمكن أن تتوسع إلى الجماعات و بالتالي يتحول الوضع إلى تهديد قومي للدول. وعليه يمكن القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي بيئة ومنصة مفتوحة خلقت مجتمعا افتراضيا ، مبنيا على قواسم مشتركة و رفعت التحدي أمام الأنظمة التقليدية بخلقها لمفاهيم جديدة للمجتمع وإنشائها لتكتلات وجماعات، يمكنها إيصال صوتها والتعبير عن أفكارها بكل أريحية، مما يفرض على الدول إلزامية التعامل مع هذا الوضع بجدية أكبر و بموضوعية وتغيير أساليب التواصل الكلاسيكية ، خصوصا وأننا نرى اليوم أن الصراعات في بعض الدول، سواء كانت صراعات داخلية أو خارجية ،أو حتى أزمات جيوسياسية ، انتقلت من أساليب الحرب التقليدية على الواقع، إلى المنصات الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين التوقعات المستقبلية، أن الحروب والمشاكل الجيوسياسية في العالم ، ستكون مركزة أكثر على تطوير و استخدام الهجمات الإلكترونية، بمعنى أن «من يتحكم في هذا المجال سيكون المسيطر الأكبر» . حاورته: هدى طابي الدكتور أحمد فلاق أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر 3: وسائل التواصل عجّلت الحراك و على الإعلام التقليدي استعادة ثقة المتلقي
يرى الدكتور أحمد فلاق، أستاذ كلية الإعلام بجامعة الجزائر 3، أن مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي ببلادنا غالبا ما يختارون مضامين تتوافق مع رؤيتهم و لا يحاولون التحقق من صحتها، لكنهم أصبحوا أكثر وعيا بالأخبار المزيفة التي تنقلها و تغذيها هذه الوسائط، التي عجلّت، حسبه، في الحراك الشعبي الأخير و لم تحركه، و هو واقع يقول المختص إن على وسائل الاعلام التقليدية استغلاله باكتساب ثقة متصفح رقمي أصبح يبحث عن أخبار تغوص في الطابوهات. و يؤكد الأستاذ الجامعي أنه من الضروري التعامل مع محتويات مواقع التواصل الاجتماعي بصفتها عملا إعلاميا فرديا و ليس مؤسساتيا، فالإعلام في عصر «الويب 2.0» تغير كلية، حيث كان في السابق ضروريا التحقق قبل نشر الخبر، أما الآن فالمبدأ هو نشر الخبر وترك تفاعلات المتلقين تكشف صحته أو زيفه، مثلما يوضح الدكتور للنصر. و يرى محدثنا أنه من الخطأ الاعتقاد بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي التي أطلقت الحراك في الجزائر، فتوافر الأرضية النفسية والحنق الشعبي من القرارات السياسية، عجلت، حسبه، من انطلاقه عبر المنصات الاجتماعية التي تعد «وسيلة تضخيمية للمشاعر الجمعيّة» مهما كان شكلها. و هنا أشار الأستاذ إلى أن منشورات هذا الفضاء الافتراضي لا تحوي بالضرورة أخبارا ، فقد تكون تعليقات واستعراضا للرأي والموقف ولمشاعر الغضب ، كما توجد أيضا مضامين إخبارية بأشكال متعددة، سواء كانت مكتوبة أو مرئية أو مسموعة ، غير أن المتلقي يختار في كثير من الأحيان ما يتوافق ورؤيته ومواقفه ، لهذا لا يكلف نفسه عناء التحقق من صحة الأخبار ، وإن فعل فمن خلال تتبع التعليقات الواردة عليها. و يبرز المختص أن الإشاعة موجودة وبقوة في مواقع التواصل الاجتماعي ، لكن بالنسبة للمتلقي هناك أساليب معروفة للتحقق من الخبر إن رغب في ذلك ، وفي الغالب لا يولي للأمر أهمية ، باحتفاظه بتشككه حول صدقية الخبر ، لكن من دون إزالة احتمالات صحته خصوصا إن كان متوافقا مع آرائه ومواقفه. و ذكر الأستاذ و الإعلامي ، أنه من العبث الحديث عن مواجهة آلة الإشاعة بالوسائل التقليدية أو بالإعلام التقليدي «الفاقد للمصداقية» لدى المستخدمين، لقناعتهم بأنه «مضلل ومحتوياته تتناسق مع رؤية السلطة»، موضحا بأن الأمر يجب أن يمر أولا باكتساب ثقة الجمهور قبل الانتقال إلى مواجهة الإشاعات الرقمية ، و كذلك عبر إكساب المستخدمين لثقافة التعامل مع الخبر الرقمي المجهول المصدر ، وهو أمر قال إنه يحدث مع الوقت ، و ربما بطريقة فعالة من خلال المؤسسات التربوية بالنسبة للجيل الصاعد بتلقينه «التربية الإعلامية والرقمية» والتي تجعله يحسن التعامل مع العالم الرقمي. و عن أسباب توجه الجمهور إلى العزوف عن الإعلام التقليدي في ظل التدفق الهائل للمعلومة على مواقع التواصل ، ذكر محدثنا أن المتصفح الرقمي أصبح يبحث عن أخبار تخرج عن دائرة المألوف ، بأن تغوص في الطابوهات وفي الأمور السياسية الحساسة وفي تجاوز كل المحظورات، في حين أن الإعلام التقليدي المحكوم بقواعد العمل الصحفي وبأخلاقياته لا يمكنه أن يلج هذا المجال. و في هذا الشأن ، أوضح الدكتور أنه و في بدايات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، كانت المادة المنتقاة من وسائل الإعلام التقليدية هي التي تغذي محتوياته، لكن العكس يحصل ، و السبب ، برأيه ، هو أن المادة التي تقدمها هذه الوسائط الحديثة أكبر وأثرى وأكثر تنوعا و يستحيل مجاراتها ، لأن مصدرها ما يسمى بصحافة المواطن. و يوضح الأستاذ فلاق أن الوسائل التقليدية تحاول بالمقابل الالتصاق نسبيا بما يحدث في العالم الرقمي بنقل هذه المحتويات ، معلقا في هذا الشأن «هذا مقبول شرط الإشارة إلى أمور أساسية متعلقة بالتأكد من مصداقية هذه المحتويات، لكن من غير المقبول المبالغة في استخدامها لأنها تعطي مبررا إضافيا للاستغناء عن الإعلام التقليدي». و يرى الدكتور أن مواقع التواصل الاجتماعي و رغم تعاظم أهميتها و شعبيتها لدى المستخدمين، إلا أنها تبقى بمثابة «علبة قمامة ضخمة قد نجد فيها أشياء جيدة ولكن الكثير من الأشياء فيها غير جيدة وفيها قذارة»، و هنا يؤكد المختص بأن الصحفي مطالب بتحكيم قواعد العمل الإعلامي في نشاطه المعتمد على المادة الرقمية، و بعدم التذرع بحجج جمهور المستخدمين لتمرير أي شيء، فأخلاقيات عمله، مثلما يضيف محدثنا، تنص على ضرورة التأكد من مصداقية الخبر من باب مسؤوليته الاجتماعية ، و عدم استثمار ما ينشر على مواقع التواصل لخدمة مواقفه أو مواقعه ، أو مواقف ومواقع من لديه ارتباطات بهم. و يضيف الدكتور أن "السوشيال ميديا" ليست بديلا عن الإعلام التقليدي على النحو الذي يلغي هذا وجود ذاك ، مشيرا إلى أن هنالك موجة من المستخدمين في الغرب، تذهب إلى التأكيد على ضرورة العودة لهذا النوع من الإعلام لأن الأخبار المزيفة أو "فايك نيوز" كما تُعرف باللغة الانجليزية، غزت مواقع التواصل الاجتماعي إلى الحد الذي التبست فيه كل الأمور لديهم، حتى أنهم يعتبرون أن الإعلام التقليدي على الأقل يمكنه أن يقوم بنوع من الغربلة التي تسمح بالتأكد من مصداقية بعض الأخبار. و قال الأستاذ علاق إنه و حتى وإن كان هنالك أساليب لتأطير وسائل الإعلام التقليدية للخبر ، بما يتوافق مع رؤى إيديولوجية معينة، إلا أن المستخدمين في الغرب يعتقدون أنه يمكن مواجهة هذه التوجهات، على عكس الأخبار المزيفة التي تعطي انطباعا حقيقيا في الغالب بأنها صحيحة ، من خلال صور مجتزأة أو إسقاطات مغلوطة، حسب الدكتور الذي أكد أن هذا الوعي يحدث نتيجة تراكم و قد بدأ، مثلما يبرز، يتشكّل نسبيا في المجتمع الجزائري. ياسمين.ب الباحث في علم الاجتماع السياسي إسماعيل نقاز: مواقع التواصل أفرزت حالة من الإدمان السياسي في المجتمع قال الدكتور إسماعيل نقاز، باحث أكاديمي في علم الاجتماع السياسي، بأن التداخل بين مواقع التواصل الاجتماعي و السياسة، لم يولد خلال الحراك الجزائري، بل ظهر مع ثورات الربيع العربي، رغم أن النموذج الجزائري مختلف في اعتقاده، فما يحدث في بلادنا، حسبه، لا يشبه ما حدث في دول الجوار، لأن منصات التواصل لم تستورد لنا الثورة أو الربيع العربي، كما أنها ليست هي من أوجدت المسببات التي أدت إلى انفجار الوضع، بل كانت فقط الوعاء التقني الذي ترجم حالة الرفض الاجتماعي للروتين السياسي و الإيديولوجي و المعيشي الذي فرض على الجزائريين طيلة سنوات. و يرى الباحث، بأن هذه القنوات ساهمت رغم ذلك، بشكل كبير، في ضبط الإطار النهائي للحراك، لأنها لعبت دور الوسيط بين مختلف فئات المجتمع و سرعت و سهلت عملية التواصل و النشر والتداول، لأنها ببساطة وفرت المعلومة و فتحت المجال لإبداء الراي ، وهو الأمر الذي حرم منه الجزائريون بسبب سياسة التعتيم و إخضاع كل شيء لمؤشر التقييم الأمني، كما عبر. و أضاف بأن هذه المنصات فرضت نفسها كبديل إعلامي للوسائل التقليدية التي صادرتها الأنظمة العربية أو على الأقل ميعتها و أفرغتها من محتواها، ما دفع بالأفراد على اختلاف مستوياتهم الثقافية والمعيشية و الفكرية، للبحث عن قنوات أخرى تكون أكثر شفافية و تفاعلية، وهو ما وجدوه في مواقع التواصل التي أفرزت، حسبه، حالة من الإدمان السياسي، بالنظر لكم المعلومات المتعلقة بالوضع الراهن التي يتلقاها الأفراد بشكل مستمر، وبكم هائل على مدار الساعة، فالمواطن لا يدمن الفايسبوك بل يدمن السياسة التي وجدت في هذا الفضاء حقلا خصبا للانتشار، و الموقع كغيره من المواقع الأخرى خلق، حسبه، وهجا سياسيا في المجتمع و عزز لدى الفرد الشعور بالأهمية و بضرورة مواكبة التحول السياسي و المجتمعي، و طبعا المساهمة فيه. و حتى وإن كانت المؤشرات النفسية كلها، تشير إلى أن هذه المواقع تستهلك الإنسان و تمتص وقته و طاقته، مع ذلك يمكن القول بأن دورها الإيجابي كان أكبر بالنسبة للنموذج الجزائري، فهذه الثورة التكنولوجية التي جاءتنا من الغرب تزامنت مع التطور الاجتماعي و الإنساني و الأنثروبولوجي الذي يعرفه مجتمعنا، والذي يبرز من خلال الاختلافات بين الأجيال، فالتكنولوجيا ساعدت الشباب «الثائر»، كما قال، على تجاوز الوسائل التقليدية في الاتصال كالتلفزيون مثلا، و بالتالي مهدت له الطريق لكسر كل الأطر الروتينية التي فرضتها عليه السياسة من خلال إلغاء النقاش و تكريس تفكير موحد نابع من عقل جماعي، وهو طرح ما كان ليتأتى، حسبه، لولا بعض المتغيرات الاجتماعية الثقافية المعيشية التي جعلت الفرد يميل إلى التحرر من كل القيود المجتمعية و الخروج من الوعاء السياسي الذي احتواه غصبا لسنوات وهي، كما عبر، ظاهرة صحية. أما في ما يتعلق بقضية التوجيه الذي تمارسه بعض الصفحات الفايسبوكية المعنية بمسايرة الحراك و التحكم في نبض الشارع الجزائري في المرحلة الحالية، فيرى الباحث بأن وجود أطراف معينة، تخدم أجندات خاصة جدا، وارد، لكن بدرجة ضئيلة، لأننا هنا نتحدث، كما قال، عن مطلب جماعي و عن قضية داخلية لا علاقة للأطراف الخارجية بها، وهو ما يسقط نظرية المؤامرة في الماء. هدى طابي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران البروفيسور عبد العزيز بن طرمول: واقعية شبكات التواصل تغلّبت على إخفاقات الساسة يُقدم أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، البروفيسور عبد العزيز بن طرمول، قراءة نقدية و متخصصة حول الدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في الحراك الشعبي بالجزائر، حيث يرى أنها استطاعت كسب ثقة الشباب، فاستثمرت في "إخفافات" ساسة قال إنهم لا يحسنون التواصل، متوقعا أن هذا الوضع سيؤدي حتما إلى إعادة تشكيل الواقع الحزبي و الجمعوي ببلادنا. ذكر البروفيسور أن الحراك الذي احتل صدارة اهتمام المختصين من كل الجوانب ، بالنظر لاتصافه بالعديد من المميزات خاصة من حيث الأداء وتسيير نفسه ، لا زال لم يكشف عن «قياداته»، لكن الأكيد والمتفق عليه من طرف أهل الاختصاص ، مثلما يؤكد، هو أن تقنيات الاعلام والاتصال الحديثة وفي مقدمتها الشبكات الاجتماعية و»الفايسبوك»، كان لها الدور «الفعال» و «الواضح» في نجاح العمليات الاتصالية من كل النواحي، مما أعطى دفعا قويا ومحوريا من حيث تدبير الحراك ومنحه الحيوية والديناميكية الفعالة. و يضيف الأستاذ الجامعي في حديثه للنصر، أن مضامين وشعارات المسيرات الضخمة عبر كل مدن الجمهورية، طغى عليها الطابع السياسي المحض بضرورة التغيير الجذري للنظام ومكوناته وكذا محاربة الفساد بكل أصنافه، غير أن الملاحظ هو انفصال وجودية الحراك عن المكونات السياسية والحزبية من سلطة وموالاة و حلفاء ، ومنح الحراك موقعا وموقفا لنفسه ، مؤكدا تصدره للمطالب واتهامه المباشر للسلطة و أدواتها فيما وصلت إليه الأوضاع، وهو أمر مهم ومتميز و يحتاج برأي البروفيسور للقراءات ودراسة المضامين. و يرى المختص أن ما وصفه ب «ظاهرة الحراك»، كسبت ثقة الناس وخاصة الشباب بمختلف انتماءاته الاجتماعية و المهنية ، فانضم للمطالب التي تغلب عليها الطابع السياسي، مما منح الحراك القوة وبسقف عال بإحداث التغيير الجذري، و هنا أبرز البروفيسور بن طرمول أن الشبكات الاجتماعية كانت بالفعل مميزة، حيث استعملت المضامين والصور وكذا المعلومات التي زادت فضول المتتبعين من الداخل و الخارج ، وهدا لعدة اعتبارات وعوامل متعلقة بتمرده على السلطة ومطالبه الجريئة وخصوصا سلميته واتصافه بسلوكات مواطنيّة و انضباطيّة ، ما جعل الاعلام الخارجي يشيد بكل هذا ويعتبر المسيرات ردة فعل شارع ضد سلطة قدمت تنازلات، يقول المتتبعون إن رقعتها سوف تتسع بمرور الوقت ، أمام إصرار «فينومولوجيا» الغضب ورفض الاجتهادات السلطوية لعلاج الاشكال. و أكد الأستاذ الجامعي أن الملاحظة الأساسية التي أنتجها الحراك سياسيا ، هي أن كل من تعتبر نفسها معارضة من أحزاب وجمعيات وجدت نفسها «منعزلة»، بل «في قفص الاتهام» ، مما وضعها في مقام المغضوب عليهم ، حتى أنها أدخِلت كلها في مخاض عسير بارتدادات مهددة لمستقبل الخريطة الحزبية في البلاد، و التي يتقدمها حزبا جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي، متوقعا من جانب آخر حدوث تغير نوعي في أداءات السلطات الثلاث إضافة للسلطة الاعلامية التي مسها تأثير الحراك. و تابع البروفيسور قائلا «الأحزاب السياسية التي كانت تتظاهر بقوة شعبيتها وقيادتها لزمام أمور الدولة و المجتمع ، انكشفت حقيقتها مع ظهور الحراك الذي لم تتوقع السلطة أن يكون بتلك القوة و الوتيرة التفاعلية مع مكونات المجتمع الجزائري»، قبل أن يضيف «مقارنة بزلزال أكتوبر 1988 الذي أنتج دستورا نوعيا العام 1989، لم تواكب السلطة بكل أحزابها ونفوذها التطلعات نحو دمقرطة الفضاء السياسي وتحقيق تنمية تليق بإمكانيات البلاد وطموحات الشباب ، بل على العكس تفشت الكثير من السلوكات والممارسات كما يؤكد عليه المختصون ، ما أسس لتراكمات هي اليوم السبب في اندلاع الحراك». و يرى البروفيسور أن الساسة عموما لا زالوا بعيدين عن ثقافة التواصل عبر المنصات الاجتماعية ، و الدليل على ذلك ، كما يؤكد ، أن الوزارات نفسها لا تتصل مع بعضها البعض ، رغم حتمية ولوج هذا الفضاء الالكتروني ، مشيرا في هذا الخصوص إلى أن ولاة و رؤساء بلديات لا يمتلكون حتى صفحات على "الفايسبوك" أو "تويتر"، تسمح للمواطنين بطرح الانشغالات عليهم مباشرة ، على عكس ما نجده في بلدان أخرى خلق ساستها و مسؤولوها قنوات حوار و تواصل متنوعة مع مستخدمي المنصات الالكترونية، ليعلق قائلا "الدولة القوية هي التي تحسن الاتصال و ليس التي تتعامل معه". و يقول المختص إنه و من خلال متابعة للشبكات الاجتماعية ، يلاحَظ أن العديد من الأسئلة والإرهاصات صاحبت الحراك، حول كيفية الحفاظ على قوته والجعل منه طرفا مفاوضا جديا وقادرا على تحقيق المطالب واختيار المناهج والأشخاص المناسبين لطموحاته، ليخلص إلى القول «يتبين للمتابعين والمهتمين أن آثار الحراك أبرزت ثلاثة أطراف، وهي السلطة بكل نفوذها السياسي والأمني و الاعلامي والمعارضة بكل إخفاقاتها، و كذا الحراك بواقعيته وشبكاته الاجتماعية والاتصالية و الذي كسب ثقة الشباب المشكلين لأكبر مكون للمجتمع الجزائري». ياسمين.ب المختصة في علم الاجتماع مريم بلقاسمي: فايسبوك يتحكم في الحراك الشعبي عبر وتر العاطفة تؤكد المختصة في علم الاجتماع مريم بلقاسمي، بأن الحديث عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع الجزائري، و دورها في تأطير الحراك الشعبي، يلزمنا أولا بفهم آلية عمل هذه المنصات، التي تنقسم، كما قالت، إلى مجموعات تغلب عليها لغة الحماس و العاطفة، بشكل يمكن القول، حسبها، بأنه ألغى خطاب المنطق، لدرجة قد يصعب معها فتح حوار جاد بين أطراف الأزمة. و يتعلق الأمر، كما أوضحت، بثلاث فئات، أخطرها هي الفئة التي تقف خلف الصفحات الفايسبوكية المعنية بتسيير الحراك، و التي تجهل هوية و إيديولوجية وأهداف من يقفون خلفها، رغم أنهم يعتبرون أصحاب المبادرة و المتحكمين في خارطة الطريق التي تحدد مسار المظاهرات و المسيرات الشعبية في كل مرة. أما الفئة الثانية فهي فئة المؤثرين من إعلاميين و كتاب و مثقفين و سياسيين، ممن يتم تداول منشوراتهم وآرائهم بشكل كبير من قبل أشخاص يشكلون بنية الفئة الثالثة، وهم نوعان الأغلبية الصامتة من المتلقين، و تلك الشريحة التي تتكفل بمهمة مشاركة الأخبار عبر فايسبوك وتداولها على أوسع نطاق. علما أن العامل المشترك بين الفئتين السابقتين يكمن في التعصب للمطلب الجماعي، الأمر الذي يوحدهما ليجعل منهما فئة مسيرة من طرف جهات مؤثرة لم تعلن عن نفسها، و يمكن أن نشير إليها مثلا، على أنها تلك الأطراف المجهولة التي دعت إلى العصيان المدني، و الملتزمة بتحريك الشارع عن طريق الفايسبوك بالاعتماد على فيديوهات ومنشورات يمكن للمدقق فيها أن يلمس درجة الاحترافية التي تتمتع بها، والتي تعد تأكيدا في حد ذاتها، على أن من ينشرونها و يروجون لها ليسوا أفرادا بسطاء. التعتيم على المعلومة الرسمية ساهم في تنامي الإشاعة يمكن القول أيضا في اعتقادها، بأن الجانب السلبي الذي لعبته مواقع التواصل في الأزمة الحالية، يظهر من خلال الانتشار الكبير للأخبار الكاذبة أو المغلوطة « فيك نيوز»، التي تحولت إلى بديل في ظل غياب المعلومة الرسمية، و انتهاج مؤسسات الدولة عموما، لسياسة التعتيم و التكتم، ما فتح المجال أمام الإشاعة التي غالبا ما يقف خلفها أشخاص يبحثون عن الشعور بالأهمية و تغذية الأنا، عن طريق نشر أخبار تحقق لهم التفاعل و الإعجاب، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة، علما أن هوس الظهور لم يستثن حتى بعض المثقفين و المحسوبين على النخبة. ويعود السبب وراء إقبال المتلقين من أفراد المجتمع على هذه الإشاعات و الأخبار الكاذبة، إلى فقدانهم للثقة في كل القنوات الرسمية، بما في ذلك الإعلام و شخصيات الدولة و حتى السياسيين و المثقفين، و تعصبهم لما يعتبرونه معسكرا مستقلا، يعد كل من يخالف شعاراته، خائنا أو « شيات» وهي عصبية ، تقول المتحدثة، بأنها وليدة تفكير موحد فرضه الواقع الافتراضي، الذي بقدر ما خدم الحراك الشعبي من ناحية تحرير الرأي العام و كسر حاجز الخوف، بقدر ما وضعنا، حسبها، أمام معضلة حقيقية وهي رفض النقاش و إغلاق كل قنوات الحوار الواقعية للبحث عن حلول منطقية قابلة للتفعيل. من جهة ثانية ترى الباحثة، بأن سطوة مواقع التواصل لا تنتهي عند الحدود الجغرافية لبلادنا، لأنها ظاهرة عالمية ، أما الاستثناء الجزائري فيكمن، حسبها، في أن هذه المواقع، استطاعت أن تحدث ثورة جماعية بعدما ملأت مساحات الفراغ و عوضت حاجة المواطنين إلى وسائل الترفيه الأخرى.