أجمع الحاضرون يوم الخميس المنصرم في النقاش المفتوح الذي نظم بالمكتب الولائي للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوهران، على أنه حان الوقت لتثمين أولى بواكير الحراك الشعبي، من أجل الانطلاق في التأسيس لقواعد المواطنة الحقيقية التي بدأت تترسخ في ممارسات الشعب خلال المسيرات وحتى خارجها، كما حمل النقاش أفكارا مشتركة صبت في قالب الدعوة لعدم التسرع في اتخاذ القرارات بخصوص الحراك حول كيفية تأطيره، بل الحرص على إنضاج الوعي والإبقاء على التلاحم الشعبي الذي هو الضمان للتأسيس لجزائر الغد بكل حساسياتها وشرائحها ومكوناتها. و استهل النقاش الأستاذ قدور شويشة رئيس المكتب الولائي للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوهران أين نظمت الندوة تحت عنوان «الحراك الشعبي.. ثورة أو إصلاح»، بطرح تساؤلات حول ماهية الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر اليوم هل يمكن تسميته ثورة أو إصلاح أو تسميات أخرى، حيث قال إن العديد من الهتافات والشعارات التي رفعت في المسيرات تعكس الانطباع بأن ما يحدث عبارة عن مواصلة للثورة التحريرية التي جاءت بإستقلال الأرض سنة 1962، واليوم يسعى الحراكيون لتحرير الإنسان، كما أن خروج الشعب بالشكل الحضاري الراقي للشارع وتناوله الكلمة بعد تحرره من الحاجز النفسي الذي سيطر عليه لعقود، هو أيضا دليل على أن ما يحدث يمكن اعتباره ثورة ديموقراطية وفق المتحدث الذي أضاف كذلك أن الحراك أفرز تغييرا ثقافيا بالخروج المكثف للنساء في المسيرات وسط احترام الجميع لهن، أي دون مضايقات ولا تحرشات مثلما كان يحدث سابقا وغيرها من السلوكات التي ارتقى بها المشاركون في المسيرات، وفيما يخص الإصلاح فيمكن اعتبار الحراك إصلاحا كون المطالب المرفوعة مثلما استدل الأستاذ شويشة، تشير لضرورة تغيير واجهة السلطة ولم تمتد للعمق، مشيرا أن الحراك الشعبي الحالي هو نتيجة تراكمات لتجارب سابقة، وأن الاستفادة من هذه التراكمات وفتح النقاش مع مختلف شرائح المجتمع من شأنه بلورة أفكار مشتركة و بالتالي فالمقترحات التي يتفق عليها الشعب هي التي ستساهم في التغيير المنشود، على أن تذوب أفكار كل الشرائح المجتمعية في مطالب يتفق عليها الجميع. أما ا الباحث سعيد هادف، فتطرق لمحطات تاريخية حول مفاهيم الدولة الحديثة والتراكمات المتتالية التي أنتجت وضعا عالميا جديدا جاءت في خضمه الدولة الجزائرية الحديثة، مضيفا أن عدة عوامل ساهمت على مدار عقود في طمس بعض الحقائق التاريخية، وأن تصميم معالم الدولة الجزائرية المتمخضة عن الحراك الشعبي اليوم، أمر يحتاج لتكاتف جهود الجميع، خاصة من وصفها بالعصب التي هي اليوم متصارعة مما لا يساهم في بلوغ الأهداف المرجوة من كل الأحداث الجارية حاليا، وقال الأستاذ هادف إن الشعب عبر من خلال الحراك الحالي عن عبقريته التي تحتاج لمن يوجهها التوجيه الصحيح وتعميقها أكثر وإنضاجها، مبرزا أن النخبة هي المسؤولة عن هذه الأمور ويمكنها أن تنير له الطريق. أما الدكتور في علم الاجتماع محمد مبتول، فأوضح أن مسار الحراك يعد بالكثير ولكن هناك عدة تساؤلات تطرح حوله، داعيا في الوقت نفسه لضرورة الاستماع للشباب الذي يشكل الفئة الأكثر حضورا في هذا الحراك وأبرز إبداعات متعددة وسلوكيات تستدعي الانتباه إليها ودراستها خاصة من طرف المختصين في علم الاجتماع، معتبرا رفع العلم الوطني بقوة في المسيرات، من علامات الوطنية العميقة التي تتحلى بها هذه الأجيال والتي تعني الكثير، مثلما تعني مسألة الكرامة الكثير لهؤلاء الشباب الذين عبروا عنها في هتافاتهم وسلوكاتهم. وأشارت تدخلات الحضور و الآراء المطروحة في النقاش، لضرورة أن يفتح الشعب الحوار فيما بينه عبر قنوات يحددها هو، وكذا لحتمية اكتساب ثقافة التبليغ عن الفساد والأمور غير القانونية التي تحدث في مختلف المجالات لإصلاحها ومعاقبة مرتكبيها، وهذا ما اعتبروه جزءا من مفرزات الحراك الشعبي الذي يجب تثمينه والتمحيص فيه وأهم هذه الإفرازات التي أجمع بشأنها الحاضرون هي أن المسيرات جمعت كل الجزائريين بتعدد أطيافهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، إضافة لبعث سلوكات ثقافية وأخلاقية في التعاملات المجتمعية، وطرحت مسألة المواطنة بقوة من طرف الحاضرين، الذين أوضحوا في تدخلاتهم أن عدة حقوق وحريات مفقودة والفرد الجزائري لا يشعر بأنه مواطن بكل ما تحمله الكلمة من معاني، وأنه حان الوقت لاسترجاع هذه الحقوق والحريات المؤسسة للمواطنة الصحيحة. كما اعتبر بعض المتدخلين أنه يجب أخذ الوقت الكافي في النقاش والتشاور، لبلورة أفكار مناسبة ومجدية لتحقيق التغيير الصحيح الذي يصبو إليه الشعب من خلال الحراك الذي اعتبره البعض ليس فقط مسيرات ولكن إيجابيات كثيرة كسرت وبقوة الحواجز البسيكولوجية التي كانت تنتاب الشعب من أجل الخروج للشارع للتعبير السلمي.