تستيقظ منهكا بتعب العادة، تحاول أن تقبض على تلك الفكرة التي تجعلك تتشبث بالحياة، تسير حافيا على البلاط لتتذكر ذاك الطفل الذي كنته. تفتح النافذة على برد الصباح، شمس تظهر وتختفي، سحب تتمدد في السماء. تحاول مرة أخرى دون جدوى أن تمسك بتلك الفكرة الهاربة التي سحبت جسدك من قعر نومك وألقت به داخل فجوة فارغة، لكن الهواء البارد الذي هب عليك جعل الأفكار تطير من رأسك، وجعلك تغلق النافذة قبل أن يطير رأسك مع الأفكار والهواء، وتفكر بطريقة أخرى للموت دون أن يحزن عليك أحد، فتتذكر أن ليس هنالك أحد سواك كي يتذكرك، وليس هنالك أحد سيحزن لموتك.. تطرد فكرة الموت من النافذة، تطلق الماء في الحوض على تعبك، وأنت في المطبخ تعد فنجان قهوتك لتجعل البيت آهلا بالدفء والروائح، تلم جراح أحزانك المهترئة، تمجها كومة ميتة في حاوية الأزبال، تسكب القهوة في فنجانك، تنقشع مع بخارها أفكارك الغامضة عن الوجود والحب والموت والغرف الخالية من أرواح الكائنات، وأن لا أحد هنالك، سواك، ليتذكرك، وأنك ستموت كما أتيت وحيدا في عين العالم و عين الآلهة.. ترتشف من فنجان قهوتك، ترى المدن تسقط من فمك، والنساء العابرات للعشق يرقصن في قعر فنجانك، ترى نفسك كما كنت دائما صحنا طائرا من الخفة والملل، تفتش في السماء عن تلك الفكرة التي ما زالت تجعلك تستيقظ لتتشبث بكل هذا الهباء، من قمة فكرتك الغامظة تلك، وأنت معلق من قلبك في الهواء، ترى نفسك واقفا في النافذة، تتأمل شمسا عابرة شاحبة، تدفن وحدتك طي السحاب، تلقي للريح بكل الجثث التي ترسبت في سواد قهوتك، تفرغ عقلك من أحلامك القديمة، تضع الفنجان على حافة الحوض، لينزلق الصحن ثقيلا نحو الأرض، و ترتاح أذنك بارتدادات الصوت حين يرتطم الصحن بالصمت و ينكسر.