"هربت من فرنسا وخبأت 13 مليون فرنك في ثياب إبني الرضيع بمعية زوجتي الفرنسية " "أفضل ذكرى لي هي مواجهة ريال مدريد في البيرنابيو" "عندما أسمع بوفاة أحد زملائي السابقين أبكي بشدة" فتح لاعب منتخب جبهة التحرير الوطني كروم عبد الكريم قلبه للجمهورية حيث تحدث عن العديد من الأسرار خاصة عندما كان لاعبا . الحاج كروم أبدى تأثره الشديد من لاعب ريال مدريد سابقا بوشكاس كما إعتبر مواجهة الريال كأفضل ذكرى له . لاعب منتخب جبهة التحرير الوطني فتح النار على والي ولاية معسكر سابقا أولاد صالح زيتوني ، طالبا السماح من كل ما أخطأ في حقه في يوم من الأيام . في البداية الحاج كروم صح رمضانك وشكرا لك على الإستقبال ؟ صح رمضانكم ورمضان كل الجزائريين والأمة الإسلامية والشكر الجزيل لجريدة الجمهورية والتي لطالما تذكرت الرياضيين الجزائريين وخاصة أولئك الذين تركوا بصمتهم في الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص . الحاج كيف هي أحوالك الصحية بعد الوعكة التي تعرضت لها مؤخرا ؟ الحمد لله حالتي تحسنت كثيرا بعد وعكة صحية ألزمتني الفراش طويلا إلى درجة أنني دخلت غرفة الإنعاش مباشرة بعد عودتي من فرنسا منذ حوالي ثلاث أشهر ، قبل أن أتعافى تدريجيا والحمد لله أنا أفضل بكثير الآن . وكيف يقضي الحاج كرم حياته اليومية في رمضان مع الحجر الصحي ؟ رمضان في المواسم الأخيرة بات متشابها عندي حيث لا أغادر المنزل إلى لأداء الصلاة في المسجد بعد تقدمي في السن ، وهذا الموسم "الله غالب" أصبحت لا أغادر المنزل إطلاقا بعد غلق المساجد بسبب الوباء ، وهذا ما أعتبره أكبر خسارة وجعل الشهر الكريم يفقد نكهته الخاصة عند أداء صلاة التراويح والتي لم أكن أضيعها إطلاقا . الحاج بالعودة لمسيرتك الكروية مع منتخب جبهة التحرير الوطني ، كيف جاءت البداية وفكرة التأسيس؟ فكرة تأسيس منتخب جبهة التحرير الوطن كانت في أواخر سنة 1957 بمبادرة تقدم بها بومزراق رحمه الله بإنشاء فريق لكرة القدم يكون بمثابة الجناح الرياضي لمقارعة المنتخب الفرنسي الإستعماري خاصة و أن حمى التمييز و القمع كانت على أشدها و استهدفت كل العرب و الجزائريين تحديدا . فعمل بومزراق بتوصية تقضي بتمكين بن تيفور عبد العزيز من تولي مهام إحصاء اللاعبين في عموم القطر الوطني فضلا عن المقيمين في التراب الفرنسي ممن أبدعوا هناك على غرار رشيد مخلوفي . و استقر الأمر في البداية على رشيد كرمالي و زيتوني و عمار رواي و غيرهم في حدود 7 لاعبين .و كان جل هؤلاء من مواليد تقريبا 1930 و 1931 في حين جاءت الدفعة الثانية ناقصة نوعا ما عدا معوش ما بسبب الظروف الأمنية و سياسة القمع البوليسي الفرنسي الذي أجهض الكثير من المحاولات لكون أن إنشاء مشروع منتخب جبهة التحرير الوطني هو نضالي و مناهض للإستعمار . و تجسد المنتخب تدريجيا بشكل تقريبي بقدوم الدفعة الثالثة التي ضمت كروم عبد الكريم و جبايلي و لكاك فضلا عن لاعبين آخرين توفي بعضهم لأسباب كثيرة . وماذا عن مسيرتك الكروية ؟ بدايتي الكروية كانت في سعيدة مع المولودية أين لعبت في كافة الفئات إلى غاية الأكابر ، قبل أن أتنقل إلى فرنسا أين لعبت لفريق هاو إسمه ألبي في مطلع العام 1957 برفقة 4 لاعبين جزائريين من ضمنهم الأخوة لكاك ، لإنتقل إلى فريق سات سنة 1958 في الدوري الثاني المحترف ، قبل أن يستقر بي المقام و لفترة 3 أشهر فقط مع فريق تروا الذي كان ينشط في الدوري الأول المحترف ، وهنا حدثت لي قصة طريفة وذلك تزامنا مع تلبية نداء الوطن والإخوة في تونس لبداية العهد مع منتخب جبهة التحرير الوطني . ما هي هذه الحادثة ؟ عند التوقيع في نادي تروا إستلمت من مسؤوليه مبلغ 13 مليون فرنك فرنسي قديم قبل أن أهم بالهرب بمعية زوجتي الفرنسية و نجلي المسمى دحو الذي كان رضيعا و يبلغ من العمر 11 شهرا ، حيث وضعت مبلغ 13 مليون فرنك داخل ثياب الرضيع دحو حتى لا يلفت انتباه الحرس أو الأمن لتفادي الإشتباه فيه خاصة و أنني كنت فارا بطلب من قيادة الحزب التي وجهت أمرا بوجوب التنقل إلى تونس للإعلان عن تأسيس المنتخب بصفة رسمية و الشروع في تفعيل هذا المشروع . وبعد مبارحتي للتراب الفرنسي تمكنت من اجتياز التراب السويسري قبل أن أجبر على مغادرة سويسرا التي أبلغت جميع المطاردين بتعذر إقامتهم كون سويسرا بلدا محايدا بموجب اتفاقية جنيف 1945 و التي تقضي بتفادي أي نشاط معادي ذو صبغة سياسية . بعدها إنتقلت برفقة عائلتي الصغيرة إلى إيطاليا و هناك تمكنت من اتخاذ وسيط مختص في الهجرة غير الشرعية منفذا للسفر على متن باخرة من إحدى سواحل نابولي الإيطالية و من ثم إلى تونس .السلطات الفرنسية تلقت إشعارا من طرف إدارة فريق تروا يتضمن اختفاء كروم و بحوزته مبلغ الإمضاء مع الفريق .و فور ذلك شرع البوليس الفرنسي في البحث عني في فرنسا و الجزائر و تحديدا في مقر مسكن والدي بمدينة سعيدة . و كانت إحدى الصحف الفرنسية الصادرة في العاصمة باريس قد كتبت مقالا صدر بعد نحو عامين و تحديدا في تاريخ 27/10/1960 تحدثت فيه عن قصة و ظروف فرار كروم و التحاقه بمنتخب جبهة التحرير الوطني . وماذا بعد دخول التراب التونسي وتأسيس المنتخب ؟ بعد دخول التراب الفرنسي و عمري لا يتجاوز 22 سنة شعور كغيري من اللاعبين الجزائريين بالإنتماء إلى الجغرافية العربية بمكانتها الإسلامية و تونس كانت تمثل الشعلة في تجربتها التحريرية . و فور ذلك عملت قيادة المنتخب بالتنسيق مع السياسيين في الحزب و السلطات التونسية على تمكين جميع اللاعبين من الحيازة على جوازات تونسية كفيلة بتنقل المنتخب إلى كافة القارات و البلدان على اعتبار أن تونس كانت دولة مستقلة .و تمكن وفد المنتخب من الإقامة في مجمع سكني بالقرب من مبنى ملعب المنزه . وللإشارة فإن التونسيين كانوا رجالا و رفضوا تلقي مبالغ الإيجار نظير إقامة اللاعبين فشعر وفد المنتخب بحرارة اللحمة التي كانت تجمع الشعبين الجزائري و التونسي . ما هي أفضل ذكرى لك مع منتخب جبهة التحرير الوطني ؟ أفضل ذكرى ومباراة لي مع منتخب جبهة التحرير الوطني كانت بمناسبة مواجهة النادي العملاق ريال مدريد بنجومه الكبار في صورة دي ستيفانو وبوسكاش بملعب البيرنابيو ، لأن حلم أي جزائري سواء قديما أو حاليا هو مواجهة الريال بملعبه ، مع العلم بأن تلك المباراة إنتهت بخسارتنا بنتيجة (5-2) وحدثت لي فيها واقعة مؤسفة لازلت أتذكرها . هل بإمكانك أن تسردها لنا ؟ في نهاية المباراة بادرت إلى جمع توقيعات لاعبي الريال كتذكار حيث أمضوا جميعهم في البطاقة البريدية لي باستثناء بوسكاش الذي أصر وبشدة على عدم التوقيع وبعدها إستفسرت السبب ليتضح لي بأن بوسكاش يبغض العرب وهذا ما حز كثيرا في نفسي خاصة وأنني كنت صغير السن . كنت في وقت قادر على أن تكسب النجومية ومداخيل مالية كبيرة ...أليس كذلك ؟ على سبيل المثال أنا كنت قادرا على أن أجني أمولا أشتري بها مدينة المحمدية كاملة في تلك الفترة ، لكنني فضلت التضحية بالمال والشهرة من اجل الجزائر والحرية وتلبية لنداء الوطن ، فكل ما كان يهمنا هو العيش بسلام مع إخواننا الجزائريين بعيدا عن أي قيود أو عبودية وإستعمار . هل يكن الحاج كروم حقد لأي شخص ؟ أود أن أطلب السماح من أي شخص أخطأت في حقه وأنا من جهتي "راني مسامح الجميع" ما عدا الوالي السابق لولاية معسكر أولاد صالح زيتوني حتى و لو كان مقبورا ...و السبب أنه تعهد لي في وقت سابق خلال زيارته للملعب الجواري بأن يستفيد الملعب الخاص بالمدرسة الكروية التي أنشأتها ، من أرضية بالعشب الاصطناعي لكنه أتضح في نهاية المطاف بأنه كان يتلاعب بي وقدم لي وعودا واهية لا غير ، قبل أن يأتي التجسيد في الشهر القليلة وبالمناسبة أشكر كل من ساهم في استفادة الملعب من العشب الإصطناعي . كيف هي علاقة الحاج كروم مع أصدقائه وجيرانه ؟ الحمد لله الجميع في مدينة المحمدية يكن لي كل التقدير والإحترام وأنا من جهتي أكن لهم كل التقدير والإحترام سواء الكبار أو الصغار ، وخاصة جيراني أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصانا خيرا في الجار . وماذا عن علاقة الحاج كروم بأفراد عائلته ؟ لدي زوجة فرنسية فاضلة أدخلتها الإسلام والحمد لله نحن نعيش حياة طيبة مع أبنائي وأحفادي المتواجدين في المحمدية ، في حين أن البقية يقيمون في فرنسا وأبقى مشتاق إليهم كثيرا في هذه الظروف التي تمر بها البلاد . يقال بأنك كنت قاسيا عندما كانت مدربا ؟ أعترف بأنني كنت قاسيا جدا مع اللاعبين عندما كنت مدربا سواء في سعيدة أو الصام أو حتى في المنتخب الجهوي ، لكن ذلك كان من أجل مصلحة اللاعبين لا غير وأعتقد أن العديد من اللاعبين الذين نجحوا يعترفون بأن سبب نجاحهم كان صرامة وقساوة المدرب كروم معهم و كانت في إطار حرصي على مصلحتهم كحرص الأب على مستقبل أبنائه . هل سبق وأن شاركت في مباراة مرتبة سواء كلاعب أو كمدرب ؟ الحمد لله والداي لم يربيان على أكل الحرام وأقسم بالله العلي العظيم أنه وطيلة مسيرتي الكروية لم أشارك في أي مباراة مرتبة ، لأنه لو كنت أريد المال الحرام لبقيت في فرنسا مثلما عمل بعض اللاعبين آنذاك . ما هو مزاج الحاج كروم في شهر رمضان الكريم ؟ حتى أكون صريحا معك فعندما كنت لاعبا أو مدربا كنت قلقا جدا خاصة خلال الشهر الكريم وأتفادى الحديث مع الناس حتى لا أفقد أعصابي ، وكان العام والخاص يعرف بأنني أتوتر بسرعة لكن الآن الحمد لله أنا في غاية الهدوء ولا يوجد أي شيء يقلقني وأحرص على صوم الشهر الكريم إيمانا وإحتسابا . هل تتذكر أنك أفطر خفية يوما ما في شهر رمضان ؟ لقد كنت إبنا لعائلة جد محافظة في مدينة سعيدة وكنا نلتزم كثيرا بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف ونحرص على تطبيقها ، لذا فعلى الرغم من أنني كنت قلقا ومتوترا كثرا إلا أنني لم أتلاعب إطلاقا بأمور الدين ولم يحدث وأن أفطرت خفية ولا حتى للضرورة ، إلا في الآونة الأخيرة في بعض الأحيان عندما إشتد بي المرض وذلك بترخيص من المولى عجز وجل . لو لم يكن الحاج كروم لاعبا ماذا كان يفضل أن يكون ؟ ولو أن هذه الفكرة لم تطرأ على بالي إلا أنني ربما لو لم أكن لاعبا كنت أفضل أن أكون قاضيا أو حتى محاميا لأنني أحرض على العدل بين الناس وأرفض "الحقرة" والتفرقة . ماذا بات يحز في نفسك مؤخرا ؟ عندما بلغني خبر وفاة أحد زملائي السابقين في منتخب جبهة التحرير الوطني أبكي بحريقة وبشدة لأنني أشعر بأنني فقدت أخا عزيزا علي مثلما كان عليه الحال مؤخرا مع المرحومين رواي وبخلوفي ، فلقد كبرنا وعشنا سويا وتقاسمنا الحلو والمر وكنا دائما نكل عائلة واحدة حتى ونحن على بعد مسافات طويلة . هل لديك نصيحة أو رسالة تود أن توجهها ؟ نصيحتي هي للاعبين الشبان أطلبهم إحترام مدربيهم وزملائهم لأن سر النجاح متوقف على تبادل الإحترام بالدرجة الأولى ن كما أوجه رسالة لكل المسؤولين القائمين على تسيير مختلف الأندية الجزائرية أطلبهم بضرورة الإهتمام بالعمل القاعدي والعودة للتكوين ، كما لا يفوتني بالمناسبة أن أثني كثيرا على العمل الكبير الذي يقوم به جمال بلماضي على رأس الخضر وأعتقد أن الجزائر وجدت أخيرا المدرب المناسب . بماذا تريد أن تختم هذا الحوار ؟ أود أن أشكر جريدة الجمهورية التي تتذكرني في كل مرة كما لا يفوتني أن أشكر كل من يتذكر الحاج كروم على غرار جمعية راديوز ورئيسها قادة الشافي ولخضر بلومي والحكم حنصال وفوسي ، بالإضافة لرئيس الرابطة مدوار عبد الكريم وأتمنى ألا أكون قد أخطأت في حق أي شخص سواء في ميدان الرياضة أو أي ميدان آخر ، و أتضرع من المولى ليخفف عنا هذا الوباء.