لا يختلف اثنان حول التجاوزات الكثيرة التي ميّزت عديد الاستحقاقات الانتخابية الجزائرية منذ انفتاح البلاد على التعّددية ، لدرجة أن صارت الانتخابات عندنا حديثا مستفيضا في وسائل الإعلام الأجنبية تحقق بها السبق . و إن كان كثيرون يرجعون السبب إلى حداثة عهد الجزائر بأولى خطوات البناء الديمقراطي و قلّة الحيلة في المراقبة و مرافقة العملية الحسّاسة ، فإنّ بعضا آخرا يرى اليوم بأنّ البلاد قد اكتسبت تجربة من المراحل السابقة و ليس ثمّة ما يبرّر عدم إجراء و تقديم استحقاق انتخابي يليق بمستوى الإصلاحات المتبنّاة منذ عهد و التي أضاف إليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بنودا جريئة من حيث الطرح و الأهداف المتوخاة منها ، كي تنعكس إيجابا على الأجيال القادمة من أبناء الوطن ، و يكون ترسخ الديمقراطية الآلية الحقيقية التي يستطيع أن يتوكّأَ عليها بناة الوطن في مسار استمرارية الأمّة. و لعلّ القضاء كان دوما واحد من السلطات المشار إليها و الموضوع أيضا في دائرة الاتهام ، ليظل لسنوات عديدة بين سندان زمرة تحكم القبضة عليه و تخوّله مهام أكبر من طاقته لقضاء مآربها وفق استغلالها للسلطة و استغلال نفوذها للتأثير على سير العدالة و سندان الشعب الذي اتّهمه دوما بالتحيّز و عدم إحقاق الحقّ و التغاضي عن التجاوزات خاصة في الانتخابات . اليوم يظهر جليا أنّ القضاء الجزائري يجتهد كثيرا من أجل تكريس مكانته ضمن السلطات و بلورة دوره الريادي في تقديم كل العوامل التي من شأنها مراجعة و تصحيح مساره للاندماج في البناء الديمقراطي ، الذي يتوق إليه الشعب الجزائري و نزل إلى الشارع للتعبير عنه و المطالبة به ، و هو النزول الذي لم يتأخر عنه القضاة بكل مناصبهم و مسؤولياتهم في سلك العدالة ، فكانوا من أوّل الفئات التي طلبت برفع اليد عن القطاع و تركه لمهنيته و احترافيته باعتبارهما العمود الأساسي في ممارسة الوظيفة و المهمة . و لأنّ الانتخابات التشريعية المسبقة في الجزائر تعكس أكثر من بعد ، فهي استحقاق يأتي في ظل إصلاحات مسّت عصب النُظم التي تحكم البلاد و المقصود به الدستور و يضاف إليه القانون العضوي المتعلّق بالانتخابات . و أيضا استحقاق نادى به الرئيس المنتخب ، قبل أوانه نزولا عند مطالب الحراك بحل المجلس الشعبي الوطني المطعون في شرعيه لأسباب يعرفها الجميع و استباق استحقاق يعيد لاختيار المواطن كرامته و تأثيره في صناعة التحوّلات ، ومنصب رئيس الجمهورية كأعلى سلطة في البلاد يعدّ الضامن لاستقلال السلطات القضائية ، أضف إلى ذلك الدور المناط بالقضاء الجزائري باعتباره العين الساهرة على الشاردة و الواردة و ما يتحمله من مسؤولية في استعادة الثقة الشعبية من خلال الضرب بيد من حديد كلّ من تخوّل لهم نفسه النطّ فوق قوانين الجمهورية بما يفوّضه أيّاه القانون و الدستور عموما من صلاحيات لردع المشوّشين و المتاجرين بأصوات الشعب باستعمال المال لشراء ذمته ، دون وازع ديني أو أخلاقي ما يحتم على الجهاز مرافقة اختيارات الشعب إلى حين الإعلان عن النتائج و ترسيمها ، لتكون العدالة في البلاد العنوان البارز الذي تتجلى من خلاله التحولات الديمقراطية التي قطعتها البلاد و أيضا تلك التي ترسمها للمستقبل .